علي صاحب عبارة "أشو عملنالوا".. أبكى العالم طفلاً ويافعاً ليكون شاهداً على ولادة سوريا الجديدة
شارك الشاب علي مصطفى المحمد - الطفل الذي هزّ مشاعر السوريين قبل سنوات بعبارته الشهيرة "أشو عملنا له" - في الاحتفالية الرسمية بمناسبة الذكرى الأولى للتحرير في قصر المؤتمرات بدمشق، ليعيد إلى الذاكرة واحداً من أكثر المشاهد ألماً في مسيرة السوريين خلال الحرب، ويترك أثراً جديداً في نفوس الحاضرين بدموع حملت هذه المرة معنى مختلفاً.
وكان علي قد ظهر عام 2016 في فيديو مؤثر من بلدة كفرنبودة بريف حماة، ظهر فيه باكياً ومرتجف الصوت وهو يروي مشاهد القصف والدمار الذي عاشه مع أسرته، قائلاً: "بشار الأسد قتلنا.. نهبنا.. أشو عملنا له؟"، وهي كلمات طبعت في ذاكرة السوريين رمزاً لبراءة الطفولة تحت النار.
وخلال مشاركته في احتفال أمس الاثنين، صعد علي—وقد أصبح شاباً—إلى المسرح أمام الرئيس أحمد الشرع وكبار المسؤولين، مسترجعاً تفاصيل المعاناة التي عاشها. وأوضح أنه عندما صُوّر ذلك الفيديو لم يكن يعرف المدرسة بعد، لكنه كان يعرف أصوات الطيران، وزوايا الاختباء، ومواقع سقوط القذائف، أكثر مما يعرف اللعب أو القراءة. وأضاف أنه في إحدى الليالي شاهد القنابل الغازية وأشلاء أصدقائه، وفي ليالٍ أخرى استيقظ على صوت الرصاص يخترق جدران منزله.
وكشف علي أن والدته كانت قد أصيبت قبل دقائق من تصوير الفيديو، ما تسبب لها بإعاقة دائمة، وأن السوريين مرّوا خلال أربعة عشر عاماً من الحرب بما يشبه السلسلة الطويلة من النزوح والبرد والحرمان، من خيمة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر بحثاً عن الأمان.
وقال علي إن دموعه في ذلك الفيديو كانت دموع خوف وحسرة، أما دموعه اليوم فهي دموع فرح بالنصر، مؤكداً أنه اضطر لمغادرة قريته بسبب القصف، لكنه عاد إليها بعد سقوط النظام البائد، ويحلم اليوم بسوريا تتنفس الحياة وتحتضن أبناءها من جديد.
تفاعل الحاضرون مع كلماته بشكل واسع، إذ بكى كثيرون في القاعة قبل أن ينهض الرئيس أحمد الشرع ويصعد إلى المسرح ليعانق علي ويُربّت على كتفيه في مشهد أثر في الحضور.
وتعبّر قصة علي عن التحول الكبير الذي عاشه السوريون بين الأمس واليوم:
فالدموع التي ذرفها وهو طفل كانت دموع الخوف من الطيران والحصار ومن مستقبل مجهول، أما دموعه اليوم فهي دموع فرح وامتنان لدماء الشهداء وصمود الشعب السوري الذي استطاع أن يفرض حريته بعد سنوات طويلة من الألم.
وبعودته إلى منصة الاحتفال بعد سنوات من الصمت والوجع، أصبح علي واحداً من الرموز التي تجسّد انتقال السوريين من ذاكرة الموت إلى أفق الحياة، ومن دموع الخوف إلى دموع النصر.
كان كان علي رمزاً لطفل مكسور تحت القصف، تمثل كلماته أقصى درجات الضعف والخذلان، وظهوره اليوم شاباً قوياً على منصة رسمية أمام رئيس الدولة يجسّد انتقال السوريين من حالة العجز إلى القدرة، ومن موقع من وقع عليهم الظلم إلى موقع من صنهَر قدره ومستقبله.
فالفيديو الذي ظهر فيه علي كان يوماً جزءاً من سردية الثورة، ورمزاً لجرائم النظام السابق وحضوره في احتفال رسمي للدولة الجديدة يعني أن الذاكرة لم تعد ملك معسكر ضد آخر، بل أصبحت جزءاً من الوعي الوطني الكامل، وأن مصير الأطفال والضحايا والمهجرين هو مسؤولية الدولة كلها اليوم.
كما أن اعتلاء علي منصة الاحتفال وقصّ معاناته، وأن يُستمع إليه باحترام، فهذا إعلان صريح بأن الدولة الجديدة لا تخشى روايات الألم، ولا تلجأ للإنكار أو طمس الشهادات، بل تعتبرها جزءاً من الهوية الأخلاقية لسوريا بعد التحرير.