فضل عبد الغني: إدانة لجنة التحقيق الدولية لإبادة إسرائيل في غزة يمثّل نقطة تحول تاريخية
فضل عبد الغني: إدانة لجنة التحقيق الدولية لإبادة إسرائيل في غزة يمثّل نقطة تحول تاريخية
● أخبار سورية ٨ أكتوبر ٢٠٢٥

عبد الغني: إدانة لجنة التحقيق الدولية لإبادة إسرائيل في غزة يمثّل نقطة تحول تاريخية

كشف مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في مقال تحليلي مطوّل حمل عنوان "منظومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة"، أن القرار الصادر عن لجنة التحقيق الدولية في 16 أيلول/سبتمبر 2025، الذي خلص إلى أن إسرائيل ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، يمثّل نقطة تحول تاريخية في إدانة إسرائيل بموجب القانون الدولي، لما يترتب عليه من تداعيات قانونية مباشرة على الدولة الإسرائيلية والدول المتحالفة معها.

وقال عبد الغني في مقال نشره موقع "العربي الجديد" إن التقرير، الذي قُدّم رسميًا إلى مجلس حقوق الإنسان، تضمن تحليلًا قانونيًا شاملاً وأدلة قاطعة تُثبت مسؤولية السلطات الإسرائيلية عن ارتكاب الإبادة الجماعية وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948. 


وأوضح أن اللجنة استندت في استنتاجها إلى أدلة واقعية وقرائن قانونية مباشرة، أكدت وجود القصد الخاص، أي النية المتعمدة لتدمير الجماعة الفلسطينية في غزة كليًا أو جزئيًا، وهو ما يجعل من هذه الجريمة أكثر أشكال الانتهاكات خطورة في منظومة القانون الدولي.

وأشار عبد الغني إلى أن تقرير لجنة التحقيق يختلف جذريًا عن التقارير الأممية السابقة التي اكتفت بتوثيق جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، إذ يركّز هذا التقرير على مسؤولية الدولة الإسرائيلية نفسها، لا على المسؤولية الجنائية الفردية، وهو ما يعني أن النتائج لا تقتصر على التوصيف الأخلاقي أو الحقوقي، بل تنشئ التزامات قانونية واجبة التنفيذ.

وبحسب التحليل، يغطي التقرير فترة زمنية محددة تمتد من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى 31 يوليو/تموز 2025، وهي المرحلة التي شهدت أعنف عمليات القصف والحصار في غزة. وخلال هذه الفترة، اعتمدت اللجنة على أكثر من 500 مقابلة وشهادات ميدانية، إلى جانب تحليل آلاف الوثائق والصور والبيانات الرقمية، لتخلص إلى أن النية الخاصة بالإبادة الجماعية تم إثباتها على نحو لا يقبل اللبس.

وأكد التقرير أن هذا الاستنتاج "هو النتيجة المعقولة الوحيدة" بالنظر إلى نمط السلوك الإسرائيلي، الذي اتسم بالاستهداف الممنهج للمدنيين، وفرض الحصار الشامل، ومنع المساعدات الإنسانية، وتدمير البنية الصحية والتعليمية، بما يعكس نية واضحة لتدمير استمرارية الوجود الفلسطيني البيولوجي والاجتماعي.

مواءمة قانونية مع دعوى جنوب أفريقيا
وأوضح فضل عبد الغني أن توقيت التقرير وموقعه المؤسسي يمنحانه أهمية مضاعفة، إذ أعلنت اللجنة مواءمة تحليلها القانوني مع الدعوى المقامة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، مؤكدة أن المحكمة هي الجهة الوحيدة المخوّلة بالفصل النهائي في مسؤولية الدولة، بينما ينحصر دور اللجنة في تقصي الحقائق وتحديد العواقب القانونية الأولية استنادًا إلى قواعد آمرة في القانون الدولي.

ويشير التقرير إلى أن نتائجه تُفعِّل كامل واجبات الدول الأطراف وغير الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية، وتُلزمها بالعمل الفوري على وقف الجرائم ومنع استمرارها، مؤكدًا أن هذه الالتزامات ذات طابع عالمي وغير قابلة للتذرع بالعلاقات السياسية أو التحالفات العسكرية لتجاوزها.

واجبات الدول الثالثة
ولفت عبد الغني إلى أن ما خلصت إليه اللجنة من نتائج يُعيد تعريف التزامات الدول الثالثة، أي غير المتورطة مباشرة في النزاع، إذ يؤكد أن حظر الإبادة الجماعية قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام، تولّد التزامات تجاه الإنسانية جمعاء، ولا يمكن لأي دولة التنصل منها.

ويبدأ واجب منع الإبادة الجماعية، كما ورد في التقرير، منذ اللحظة التي تعلم فيها الدولة أو يفترض أن تعلم بوجود خطر جدي بوقوعها. وقد اعتبرت اللجنة أن هذه العتبة تحققت بوضوح في 26 كانون الثاني/يناير 2024، حين أصدرت محكمة العدل الدولية أول أمر باتخاذ تدابير مؤقتة في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، مما يجعل جميع الدول في موقع العلم بالخطر، وبالتالي مطالبة قانونيًا باتخاذ كل الإجراءات الممكنة لمنع الجريمة.

ويرى عبد الغني أن هذا التحديد الزمني الدقيق يضع الدول ذات النفوذ على إسرائيل — سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً — أمام مسؤولية مضاعفة، ويجعل استمرارها في تقديم الدعم العسكري والمالي نوعًا من **التواطؤ في الإبادة الجماعية**.

تسليح إسرائيل جريمة بحد ذاته
خلص التقرير إلى أن استمرار الدول الحليفة لإسرائيل في تزويدها بالسلاح والذخائر ووقود الطائرات بعد قيام أسباب معقولة للاعتقاد باستخدامها في عمليات الإبادة الجماعية، يُعد انتهاكًا مباشرًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، ويرتقي إلى مستوى المشاركة أو التواطؤ في ارتكاب الجريمة.

وأوضح عبد الغني أن هذا الالتزام لا يتطلب يقينًا مطلقًا، بل يكفي وجود "شك معقول"، مما يعني أن الواجب القانوني بالوقف الفوري لتوريد السلاح بات قائمًا منذ بداية عام 2024، وأن الدول التي واصلت التسليح بعد ذلك التاريخ تواجه مسؤولية قانونية جماعية قد تمتد إلى قادتها السياسيين.

كما شددت اللجنة على مبدأ عدم الاعتراف بشرعية الأوضاع الناشئة عن خرق قواعد آمرة في القانون الدولي، ما يعني أن الدول ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة أو نتائجها، ولا يجوز تبريرها بدعوى الدفاع عن النفس أو الضرورات العسكرية.

مسؤولية الشركات والأفراد
ولم تقتصر التوصيات على الدول، إذ أكدت اللجنة ضرورة أن تضمن الحكومات ألا تنخرط الشركات والمؤسسات الخاصة والأفراد الخاضعون لولايتها في أي نشاط يمكن أن يساهم في جريمة الإبادة الجماعية. ويشمل ذلك عمليات بيع الأسلحة أو تزويد المعلومات الاستخباراتية أو تقديم الدعم اللوجستي. كما شددت اللجنة على ضرورة فتح تحقيقات وطنية في هذه الممارسات، وتقديم المتورطين فيها إلى العدالة.

وأكد التقرير أيضًا أن على الدول التعاون الكامل مع مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاته الجارية حول فلسطين، وأن تراجع مواقفها السابقة إذا كانت قد حالت دون المحاسبة باستخدام الفيتو أو الضغوط السياسية، مشيرًا إلى أن مراقبة الإبادة دون اتخاذ إجراءات ملموسة تُعدّ إخلالًا بالواجب القانوني في المنع.

مسؤولية إسرائيل كدولة
خصصت اللجنة جزءًا من تقريرها لمسؤولية إسرائيل المباشرة، مؤكدة أن الدولة تتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعال أجهزتها وقواتها المسلحة وقياداتها السياسية. وتلتزم وفقًا للاتفاقية والقانون الدولي بوقف جميع الأفعال غير المشروعة فورًا، وضمان عدم تكرارها، والتحقيق مع المسؤولين عنها ومعاقبتهم.

وأشار التقرير إلى نمط متكرر من الانتهاكات التي تمثل العناصر المادية للإبادة الجماعية، من القتل الجماعي إلى التجويع الممنهج، وعرقلة المساعدات الإنسانية، وتدمير البنية التحتية الطبية، واستهداف الأطفال والنساء، بما يعكس سياسة متكاملة تهدف إلى تدمير البنية السكانية والاجتماعية لقطاع غزة.

كما أكدت اللجنة أن خطابات كبار المسؤولين الإسرائيليين، بما فيهم وزراء وأعضاء في الكنيست، تندرج في إطار "التحريض العلني والمباشر على ارتكاب الإبادة الجماعية"، وهي جريمة مستقلة وفق المادة الثالثة من الاتفاقية، ما يفرض على إسرائيل واجبًا مزدوجًا بالمعاقبة والمنع.

 واجبات عاجلة
وبناء على ذلك، يوجب التقرير على إسرائيل اتخاذ خطوات فورية تتضمن: وقف العمليات العسكرية التي تُشكل أفعال إبادة جماعية، إنهاء الحصار وفتح الممرات الإنسانية، وقف استهداف المستشفيات والمنشآت المدنية، التحقيق الجاد في جرائم القوات النظامية، والتعاون الكامل مع المحاكم الدولية واللجان الأممية.

ويرى فضل عبد الغني أن هذا التقرير يشكل وثيقة قانونية بالغة الأهمية، إذ يحوّل ما كان يُعد سابقًا توصيفًا سياسيًا إلى مسؤولية قانونية دولية مكتملة الأركان، تفرض على المجتمع الدولي واجبات ملموسة.

 إعادة تعريف التحالفات
وفي ختام مقاله، أكد عبد الغني أن نتائج لجنة التحقيق الدولية تُعيد صياغة المشهدين القانوني والأخلاقي بالنسبة لحلفاء إسرائيل، وتحوّل مواقفهم من خيارات سياسية إلى التزامات قانونية لا يمكن التنصل منها. فواجب منع الإبادة والمعاقبة عليها لم يعد خيارًا أخلاقيًا، بل التزامًا قانونيًا قاطعًا.

وأشار إلى أن إخلال الدول الكبرى، وخاصة تلك التي تواصل تسليح إسرائيل أو تبرير جرائمها، لا يشكل فقط خرقًا للقانون الدولي، بل يرقى إلى تواطؤ جنائي في جريمة إبادة جماعية، وهي أخطر جريمة عرفتها البشرية.

واختتم عبد الغني مقاله بالتأكيد على أن هذا التقرير الأممي، بعمقه القانوني وسعته الإثباتية، يمثل لحظة فاصلة في مسار العدالة الدولية، وأن الالتزامات الناتجة عنه لا تخص فلسطين وحدها، بل تمس مصداقية النظام الدولي ذاته وقدرته على حماية القيم التي تأسس عليها بعد الحرب العالمية الثانية.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ