ضحايا القمع يرفعون صوتهم: العدالة والمحاسبة أولوية
بعد أربعة عشر عاماً من التضحيات والنضال، أعلن السوريون انتصار ثورتهم، فيما طُويَ عهد نظام بشار الأسد الذي انتهى بالفرار إلى روسيا بعد سنوات طويلة من الحكم القائم على القمع والدمار.
غير أنّ هذه النهاية السياسية لم تضع حداً لمعاناة شريحة واسعة من السوريين؛ فبالنسبة لآلاف العائلات التي فقدت أبناءها أو منازلها أو مصادر رزقها، ما يزال الشعور بالعدالة بعيداً. هؤلاء يرون أن الألم والخسائر التي تكبدّوها لا يمكن تعويضها إلا عبر تحقيق القصاص وإنصاف الضحايا ومحاسبة المسؤولين عمّا جرى.
على امتداد السنوات الماضية، عاش السوريون أشكالاً متعددة من المعاناة؛ من الهجرة القسرية عن الديار، إلى النزوح والتشرّد، مروراً بفقدان الممتلكات ومصادر الرزق. كما عاشوا الخوف الدائم من القصف وأصوات الطيران، فيما فقدت آلاف العائلات أبناءها نتيجة الاعتقال أو الاستهداف العسكري.
هذه المآسي، بكل أثقالها الإنسانية، لا تنتهي بمجرد سقوط النظام، بل تبقى مرتبطة بمطلب أساسي لدى الضحايا وذويهم: تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين على الجرائم التي ارتُكبت بحقهم.
وفي هذا الإطار، تبرز قصة العمّ أبو إبراهيم، الذي فقد أربعة من أبنائه خلال سنوات الثورة. ففي مقطع مصوّر خلال قيامه بافتتاح مشفى سراقب، بحضور محافظ إدلب محمد عبد الرحمن ووزير الصحة الدكتور مصعب العلي، قال إنّه كان على يقين منذ الأيام الأولى بأن النظام سيسقط، لكنه شدّد على أنّ ما أطال بقاءه طوال تلك الفترة هو الدعم الذي تلقّاه من حلفائه.
وأشار والد الشهداء إلى أنه لم يشعر حتى الآن بأنه استرد حقه، مؤكداً أن ذلك لن يتحقق — على حدّ قوله — إلا عند شنق بشار الأسد، معتبراً أن هذا هو مطلبه ومطلب الأهالي.
ولا يقتصر هذا الشعور على أبي إبراهيم وحده؛ فالكثير من ذوي الضحايا والمعتقلين والمتضررين يشاركونه الإحساس ذاته بعدم اكتمال العدالة. وب عد التحرير، نظّم أهالي المعتقلين والمختفين قسراً سلسلة من الوقفات الاحتجاجية، طالبوا خلالها بمحاسبة كل من تورّط في ملفات الاعتقال أو مارس التعذيب، وكان سبباً في ما وصل إليه أبناؤهم من مصائر مجهولة.
كما دعوا إلى الكشف عن مصير المفقودين، وأكدوا رفضهم لأي مسامحة أو مصالحة لا تقوم على الحقيقة والإنصاف، مشدّدين على ضرورة تطبيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم.
ويؤكّد الآباء والأمهات وذوو الضحايا، في كل مناسبة وموقف، أنّهم لن يتنازلوا عن مطالبهم، ولن يتخلّوا عن حقوق أبنائهم، وأنه لا يمكن الحديث عن نهاية المعاناة أو طيّ صفحة الماضي من دون إنصاف الضحايا، وكشف الحقيقة، ومحاسبة كل من تورّط في الجرائم والانتهاكات.
رغم سقوط النظام بعد سنوات طويلة من القمع، يبقى تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم أمراً أساسياً. استعادة الحقوق وكشف مصير المعتقلين والمفقودين يشكّل الأساس لضمان إنصاف الضحايا ومحاسبة كل من تورّط في الانتهاكات، وفقاً للقانون والمساءلة الرسمية.