
تقرير حقوقي يوثق 216 حالة احتجاز تعسفي في شباط 2025
قالت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ ما لا يقل عن 216 حالة احتجاز تعسفي في شباط/ فبراير 2025، مؤكدة على الحاجة الملحة إلى وضع ضوابط قانونية لإنهاء حقبة الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وضمان الحقوق الأساسية للأفراد، وذلك مع التحولات السياسية والعسكرية الجذرية التي تمثلت في سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وتولي حكومة انتقالية زمام السلطة.
استعرض التقرير حصيلة عملية الاعتقال التعسفي وعمليات الإفراج من مراكز الاحتجاز، في سياق المرحلة الانتقالية التي دخلتها سوريا عقب سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، ويغطي الحالات المسجلة خلال شهر شباط/ فبراير 2025.
ووفقاً للتقرير فقد تمَّ توثيق 123 حالة احتجاز تعسفي في شباط/ فبراير 2025، بينهم 6 أطفال و1 سيدة (أنثى بالغة)، حيث كانت 21 حالة منها على يد الحكومة الانتقالية، كما وثق التقرير 34 حالة اعتقال بينهم 1 سيدة على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، إضافة إلى 68 حالة اعتقال، بينهم 6 أطفال على يد قوات سوريا الديمقراطية.
أظهر التحليل الجغرافي للبيان أنَّ محافظة حلب سجلت العدد الأعلى من حالات الاحتجاز التعسفي، تليها محافظة دير الزور، ثم محافظة الرقة، ثم الحسكة، تليها دمشق، ثم محافظة ريف دمشق وحماة. وأبرز التقرير مقارنة بين حصيلة حالات الاحتجاز وعمليات الإفراج، حيث أشار إلى أنَّ عدد حالات الاحتجاز التعسفي في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات سوريا الديمقراطية يفوق عدد حالات الإفراج. ويعود ذلك إلى عمليات الاعتقال التي طالت مدنيين على خلفية انتقادهم للممارسات التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية في المناطق التي تسيطر عليها.
أوضح التقرير أنَّ قوى الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية نفذت حملات دهم واحتجاز استهدفت عدداً من الموظفين الحكوميين من بينهم أساتذة جامعيين بتهمة تورطهم بالفساد الإداري، ثم تم الإفراج عنهم بعد ساعات من احتجازهم، وسجل عمليات اعتقال/احتجاز استهدفت أشخاصاً بتهمة قيامهم بسب الذات الإلهية، ورصد عمليات اعتقال/احتجاز استهدفت العديد من المدنيين دون معرفة الأسباب وتركزت هذه الاعتقالات في محافظتي حلب وحمص، وتم الإفراج عن معظمهم بعد تدخل وساطة من وجهاء المنطقة.
من جهة أخرى وثق التقرير استمرار قوات سوريا الديمقراطية في تنفيذ سياسة الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري، حيث نفذت عمليات دهم جماعية استهدفت مدنيين تحت ذريعة محاربة خلايا تنظيم داعش، كما استهدفت مدنيين بتهمة التعامل مع قوات العشائر العربية والجيش الوطني، والمشاركة في عملية “ردع العدوان” التي أطلقت في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
كما تم رصد عمليات اعتقال/ احتجاز طالت مدنيين على خلفية قيامهم بإزالة شعارات ورايات قوات سوريا الديمقراطية من بعض المواقع العامة ورفع العلم السوري (علم الثورة السورية) خلال الاحتفالات الشعبية التي أعقبت سقوط نظام الأسد.
وسجلت الشبكة عمليات اعتقال/ احتجاز طالت مدنيين على خلفية انتقادهم للممارسات التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية في المناطق التي تسيطر عليها، كما سجلنا استمرار قيام قوات سوريا الديمقراطية باختطاف الأطفال بهدف اقتيادهم إلى معسكرات التدريب والتجنيد التابعة لها وتجنيدهم قسرياً ومنعت عائلاتهم من التواصل معهم ولم تصرح عن مصيرهم.
بحسب التقرير قامت فصائل المعارضة المسلحة الجيش الوطني بتنفيذ عمليات اعتقال/احتجاز تعسفي وخطف معظمها جرت بشكل جماعي واستهدفت القادمين من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بما في ذلك النساء، ورصد التقرير حالات اعتقال/ احتجاز جرت على خلفية عرقية وتركزت في مناطق سيطرة الجيش الوطني حلب، وتمت هذه العمليات دون وجود إذن قضائي أو مشاركة جهاز الشرطة الذي هو الجهة المخوَّلة بعمليات الاعتقال.
أشار التقرير إلى اعتقالات استهدفت مدنيين بذريعة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، خاصة في القرى التابعة لمدينة عفرين في محافظة حلب، كما سجل التقرير عمليات اعتقال استهدفت نازحين عادوا إلى منازلهم في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الجيش الوطني تركزت في مدينة عفرين، كما سجل التقرير عمليات اعتقال/ احتجاز قامت بها عناصر فرقة سليمان شاه التابعة للجيش الوطني استهدفت عدداً من أصحاب المحلات التجارية في بلدة معبطلي التابعة لمدينة عفرين وذلك على خلفية مشاركتهم في استقبال عناصر الأمن الداخلي في الحكومة الانتقالية.
على صعيد الإفراجات، وثق التقرير الإفراج عن 19 شخصاً، من مراكز الاحتجاز التابعة للحكومة الانتقالية، تراوحت مدة احتجازهم بين عدة ساعات وحتى أيام، وكان أغلبهم من أبناء محافظات ريف دمشق حمص وحلب.
ووفقاً للتقرير فقد سجلنا إفراج قوات سوريا الديمقراطية عن 9 أشخاص من مراكز الاحتجاز التابعة لها تراوحت مدة احتجازهم عدة أيام حتى الشهر، وكان معظمهم من أبناء محافظات دير الزور وحلب والرقة.
كما سجل التقرير إفراج فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني عن قرابة 23 شخصاً من مراكز الاحتجاز التابعة لها تراوحت مدة احتجازهم عدة ساعات حتى الشهر وكان معظمهم من أبناء محافظة حلب.
وأوضح التقرير أنَّه تم توثيق 93 شخصاً بينهم 1 سيدة تم احتجازهم على يد قوى الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية بعد تنفيذها حملات دهم واحتجاز استهدفت أشخاصاً متهمين بارتكاب انتهاكات خلال فترة حكم نظام الأسد، خاصة في محافظات اللاذقية، حمص، حماة، ودمشق. شملت هذه العمليات عسكريين سابقين وموظفين حكوميين وإعلاميين عملوا سابقاً في المحطات الرسمية التابعة لنظام بشار الأسد، وتم خلالها مصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر. نُقل المحتجزون إلى سجون حمص وحماة المركزية وسجن عدرا في محافظة ريف دمشق.
وأشار التقرير إلى أنَّ الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت 53 حالة إفراج للمتهمين في ارتكاب الانتهاكات من مراكز الاحتجاز المختلفة، بعد انتهاء التحقيقات وعدم إثبات تورطهم في جرائم.
أفاد التقرير بأنَّ الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان أصبحت مصدراً موثوقاً للعديد من هيئات الأمم المتحدة، حيث استندت إليها عدة قرارات دولية، من بينها مشروع قرار حالة حقوق الإنسان في سورياA/C.3/78/L.43 ، الذي تم التصويت عليه في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023. وقد أدان القرار نظام الأسد لارتكابه انتهاكات جسيمة، وأكد أنَّ عدد المعتقلين تعسفياً بلغ أكثر من 135,000، مشيراً إلى مسؤولية النظام عن الاختفاء القسري المنهجي، والذي يصنف كجريمة ضد الإنسانية.
واختتم التقرير بعدد من الاستنتاجات والتوصيات:
الاستنتاجات:
• عدم الامتثال لمعايير المحاكمة العادلة: تُظهر البيانات الموثقة أنَّ العديد من عمليات الاحتجاز تمت دون مذكرات قضائية أو ضمانات قانونية، مما يشكّل انتهاكاً واضحاً للمادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تحظر الاعتقال التعسفي وتؤكد على حقِّ المحتجزين في معرفة أسباب احتجازهم والمثول أمام القضاء في أسرع وقت ممكن.
• الاعتداء على كرامة المحتجزين وانتهاك حظر التعذيب: رصد التقرير انتهاكات جسدية ونفسية بحقِّ المعتقلين، بما في ذلك التعذيب والمعاملة المهينة، ما يشكّل خرقاً واضحاً لاتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، والتي تُلزم جميع الأطراف باتخاذ تدابير فعالة لمنع التعذيب ومعاقبة مرتكبيه.
• التقصير في الإفراج عن المحتجزين بشكل قانوني ومنظم: رغم تسجيل عمليات إفراج عن بعض المعتقلين، إلا أنَّ هذه العمليات تمت دون إجراءات قضائية واضحة أو تحقيقات شفافة، مما يثير مخاوف بشأن استمرار الاعتقال خارج الأطر القانونية، وهو ما يُعد انتهاكاً لمبدأ عدم الحرمان التعسفي من الحرية المنصوص عليه في المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
• التقصير في حماية حقوق الضحايا وذويهم: استمرار الاختفاء القسري دون الكشف عن مصير المختفين أو تقديم معلومات رسمية لعائلاتهم يمثل انتهاكاً للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، التي تلزم الدول والمنظمات المسيطرة بالإفصاح عن أماكن الاحتجاز وتمكين العائلات من معرفة مصير ذويهم.
• غياب آليات المحاسبة والعدالة الانتقالية: رغم التغيير السياسي، لم يتم اتخاذ تدابير كافية لضمان المحاسبة عن الانتهاكات السابقة أو توفير العدالة للضحايا، مما يعكس ضعف الالتزام بمتطلبات العدالة الانتقالية التي تشترط إنشاء آليات تحقيق ومحاسبة، إضافة إلى ضمان عدم تكرار هذه الجرائم مستقبلاً.
• قامت فصائل في المعارضة المسلحة/الجيش الوطني بممارسات الاعتقال والتعذيب بحقِّ بعض السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
• قوات سوريا الديمقراطية ارتكبت العديد من الانتهاكات الأساسية لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري، رغم امتلاكها هيكلية سياسية، ما يجعلها أيضاً ملزمة بتطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان.
التوصيات إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي
أكدت التوصيات على ضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات الحاسمة لضمان تحقيق العدالة والمساءلة في سوريا. يتعين إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، مع ممارسة ضغوط دبلوماسية على الحكومات الدولية، بما في ذلك الحكومة الروسية، لضمان تسليم المسؤولين عن الجرائم، وعلى رأسهم بشار الأسد والمقربون منه، إلى المحاكم الدولية المختصة. كما يُوصى بتجميد الأصول المالية لنظام الأسد، بما يشمل فرض إجراءات قانونية لتجميد ومصادرة أموال المسؤولين المتورطين في الانتهاكات، واستخدامها لدعم برامج العدالة الانتقالية وتعويض الضحايا.
تعزيز الجهود الدولية للكشف عن المفقودين وتحقيق المصالحة الوطنية
دعت التوصيات إلى تعزيز الجهود الدولية للكشف عن المفقودين من خلال توفير الموارد اللازمة لدعم جهود المؤسسة الأممية للمفقودين، وكذلك تمويل برامج لدعم المصالحة الوطنية وتقديم المساعدات النفسية والاجتماعية لعائلات المختفين قسريًا.
التوصيات إلى مجلس حقوق الإنسان
تتضمن التوصيات ضرورة استمرار التركيز على قضية المعتقلين والمختفين قسريًا في سوريا، مع مناقشتها بانتظام خلال الاجتماعات الدورية. كما ينبغي تعزيز الشراكة مع منظمات حقوق الإنسان السورية لدعم جهود التوثيق والمساءلة.
التوصيات إلى لجنة التحقيق الدولية المستقلة (COI)
أوصت التوصيات بفتح تحقيقات معمّقة في جميع حالات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري الموثقة في التقارير، مع التركيز على ملف المختفين قسريًا وضمان تتبع حالتهم بعد سقوط نظام الأسد. كما يجب التعاون مع الجهات الحقوقية، بما فيها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لتوفير الأدلة اللازمة.
التوصيات إلى الآلية الدولية المحايدة المستقلة (IIIM)
يجب على الآلية الدولية المحايدة المستقلة جمع وتحليل الأدلة المتعلقة بجرائم الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب الموثقة، مع دعم تبادل المعلومات والخبرات مع المنظمات السورية المتخصصة في توثيق الانتهاكات.
التوصيات إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي
تتضمن التوصيات ضرورة الضغط على جميع الأطراف في سوريا لنشر قوائم بأسماء المعتقلين والكشف عن أماكن احتجازهم في إطار زمني محدد، والسماح للمنظمات الأممية والدولية، خاصة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالوصول إلى أماكن الاحتجاز لتقييم الأوضاع الإنسانية.
التوصيات إلى الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري لدى الأمم المتحدة
أوصت التوصيات بزيادة عدد العاملين المكلفين بقضية المختفين قسريًا في سوريا وتوفير تقارير دورية أكثر تفصيلاً عن المستجدات لضمان استمرار الضغط على الجهات المتورطة.
التوصيات إلى الحكومة الروسية
دعت التوصيات إلى التعاون مع المجتمع الدولي لتسليم بشار الأسد والمطلوبين المتورطين في جرائم الحرب إلى الحكومة الانتقالية أو المحاكم الدولية المختصة، مع دعم الجهود الرامية إلى تعزيز العدالة الانتقالية في سوريا.
التوصيات إلى كافة أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا
أوصت التوصيات بإنهاء فوري لجميع أشكال الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، مع السماح لعائلات المعتقلين بزيارتهم وتسليم جثامين المعتقلين الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب إلى ذويهم. كما يجب ضمان الإفراج غير المشروط عن جميع المحتجزين تعسفياً.
التوصيات إلى الحكومة الانتقالية السورية
ركزت التوصيات على أهمية التعاون مع الهيئات الدولية وتوفير دعم مادي ومعنوي للجهات المعنية بتوثيق الانتهاكات وتحقيق العدالة. كما طالبت بسن تشريعات لضمان استقلالية القضاء ومنع الاعتقال التعسفي، بالإضافة إلى تعزيز الرقابة والمساءلة داخل الأجهزة الأمنية وضمان احترام حقوق الإنسان خلال الحملات الأمنية.