تضحيات الأمهات تعود إلى الواجهة مع ذكرى التحرير الأولى
ساعات قليلة تفصل السوريين عن حلول الذكرى السنوية الأولى لتحرير سوريا، المصادفة للثامن من كانون الأول عام 2024. وخلال لحظات الاستعداد لاستقبال هذه المناسبة، يستعيد السوريون التفاصيل والذكريات الأبرز في مسار الثورة السورية، ويستحضرون مختلف التضحيات التي بُذلت للوصول إلى هذه اللحظة التاريخية.
تعددت التضحيات التي قدّمها السوريون في طريقهم نحو النصر، وتنوّعت أشكالها بين الميدانية والإنسانية والاجتماعية. وقد جرى في الآونة الأخيرة تسليط الضوء على الكثير منها والإشادة بأصحابها. ومن بينها يبرز التفاني الكبير للأمهات، خصوصاً أمهات الشهداء اللواتي قدّمن فلذات أكبادهن من أجل انتصار الثورة وبلوغ السوريين هذه المرحلة المميزة.
تجرعت آلاف الأمهات السوريات خلال سنوات الثورة مرارة فقدان أبنائهن. فبدلاً من أن يشهدن أبنائهن يكبرون ويعيشون مراحل حياتهم المهمة: الشباب، النضج، الزواج، الأطفال، وتحقيق الإنجازات، وجدن أنفسهن غارقات في شعور الحسرة على فقدهم، نتيجة الظروف القاسية التي شهدتها البلاد أثناء حربها ضد نظام الأسد وحلفائه. هذه الخسارة جعلت معاناتهن جزءاً من التضحيات التي قدمها السوريون في سبيل الحرية والنصر.
فقدت بعض الأمهات ابناً واحداً، وفقدت أخريات اثنين أو أكثر، وتنوعت أسباب الفقد ما بين الاعتقال والقصف، خاصة أنه خلال سنوات الثورة تعرض آلاف الأبناء للاعتقال من قبل قوات الأسد، وتم احتجازهم في السجون والأقبية، حيث عانوا أشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي.
وأمضت الأمهات سنوات طويلة من حياتهن في انتظار عودة المختفين قسرياً، بينما دفعت بعضهن الرشاوى للحصول على خبر يقين عن أبنائهن، دون جدوى. تمكنت مجموعة منهن من معرفة مصير أبنائهن بأنهم متوفيين، فيما لا تزال أخريات حتى هذه اللحظة تجهلن أي شيء عن مصير فلذات أكبادهن.
كما أدّى القصف الممنهج الذي شنّته قوات الأسد، جواً وبرّاً، على المدن والقرى المناهضة للنظام، إلى سقوط آلاف الضحايا من أطفال وشباب ونساء ورجال. وخلال هذه الهجمات فقدت أمهات كثيرات أبناءهن تحت الركام أو في اللحظات الأولى لإصاباتهم، ليتحوّل يوم القصف بالنسبة لهنّ إلى ذكرى دائمة للفقد، وجرح لا يندمل مع مرور السنوات.
وفي جانب آخر من الفقد، استُشهد أبناء كثير من الأمهات على جبهات القتال في مواجهة قوات النظام البائد، بعدما حملوا السلاح دفاعاً عن مدنهم وكرامة شعبهم. وقد ودّعت تلك الأمهات أبناء قدّموا حياتهم في الخطوط الأمامية، فاختلط في قلوبهن الألم العميق بشعور الاعتزاز، إذ شكّل رحيلهم محطة مؤلمة في حياة كل أم دفعت فلذة كبدها ثمناً لحرية بلدها.
ومع اقتراب مرور السنة الأولى على سقوط الأسد، يعود التركيز على التضحيات التي قدّمتها أمهات الشهداء خلال سنوات الثورة. فغياب الأبناء ترك أثراً عميقاً في حياة آلاف الأسر، وأصبحت قصص الأمهات إحدى أبرز المحطات التي يستعاد الحديث عنها في كل مناسبة وذكرى.