الواشنطن بوست: إسرائيل سلّحت وموّلت الدروز ونسّقت مع “قسد” لإعاقة توحيد سوريا
أفاد تحقيق استقصائي موسّع نشرته صحيفة واشنطن بوست أن إسرائيل نفّذت، منذ الأيام الأولى لسقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، حملة أنشطة سرّية واسعة داخل الأراضي السورية، هدفت إلى إضعاف الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، ومنعها من بسط سلطتها الكاملة، عبر تسليح وتمويل ودعم ميليشيات درزية انفصالية في الجنوب، بالتوازي مع غارات جوية وضغوط سياسية وأمنية.
إنزالات جوية بعد سقوط الأسد بأيام
قالت الصحيفة إن مروحيات إسرائيلية بدأت، ليل 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، بالوصول إلى جنوب سوريا بعد تسعة أيام فقط من إسقاط النظام البائد، حيث نفّذت عمليات إنزال جوي “تحت غطاء الظلام”، شملت منصات محمّلة بمساعدات إنسانية إلى جانب 500 بندقية وذخائر ودروع واقية، جرى تسليمها بشكل سرّي لميليشيا درزية تُعرف باسم “المجلس العسكري” في محافظة السويداء، وفق رواية مسؤولين إسرائيليين سابقين شاركوا مباشرة في العملية.
وأضاف التحقيق أن هذه الخطوة جاءت استجابة مباشرة لصعود الرئيس الشرع، الذي قاد هجوماً عسكرياً خاطفاً استمر 11 يوماً وأسقط حكم الأسد، وأن إسرائيل نظرت إلى هذا التحول بقلق بالغ بسبب ماضي الشرع كقائد في “هيئة تحرير الشام” المرتبطة سابقاً بتنظيم القاعدة، واعتقادها أن مقاتلين متشددين ما زالوا ضمن صفوف داعميه.
ذروة التسليح والدعم المالي المستمر
وبحسب التحقيق، بلغ تدفّق السلاح الإسرائيلي ذروته في أبريل/نيسان 2025، عقب اشتباكات دامية بين مسلحين تابعين للهجري والحكومة الجديدة، في وقت خشيت فيه إسرائيل من تعرّض الدروز للحصار أو القتل، ما دفعها إلى التعهد علناً بحمايتهم، حسب وصفة الصحفية.
وأوضحت الصحيفة أن الدعم تراجع في أغسطس/آب مع بدء مسار تفاوض غير مباشر بين إسرائيل ودمشق، إلا أن تل أبيب لم توقف دعمها بالكامل، إذ واصلت إسقاط معدات “غير فتاكة” مثل الدروع الواقية والمستلزمات الطبية، إضافة إلى دفع رواتب شهرية تتراوح بين 100 و200 دولار لنحو 3 آلاف مسلح درزي، ما أبقى قوة عسكرية موازية للدولة السورية.
قذائف مضادة للدبابات وصور أقمار صناعية
وكشف التحقيق أن بعض قادة الميليشيات الدرزية حصلوا، عبر قنوات تنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، على قذائف وأسلحة مضادة للدبابات، إضافة إلى صور استخباراتية ميدانية مصدرها أقمار صناعية إسرائيلية، وفق ما نقلته الصحيفة عن قادة ميدانيين دروز في السويداء.
وذكرت الصحيفة أن “قسد” لعبت دور الوسيط في تمرير الأموال والسلاح، كما درّبت مقاتلين دروز، بينهم نساء، في مناطق سيطرتها شمالي سوريا، في علاقة قالت إنها ما زالت مستمرة، رغم عدم رد الجناح السياسي لـ“قسد” على طلبات التعليق.
السويداء ساحة صراع وغارات على دمشق
وأشار التحقيق إلى أن التوتر بلغ ذروته في يوليو/تموز 2025، عندما اندلعت مواجهات واسعة في السويداء بين مقاتلين دروز وقوات حكومية، ما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص بحسب جماعات حقوقية، وفرض حصار فعلي على مناطق درزية، حسب زعم الصحيفة.
ورداً على ذلك، شنّ الجيش الإسرائيلي غارات جوية استهدفت قوات سورية ومواقع سيادية، بينها وزارة الدفاع في دمشق، في خطوة أثارت انتقادات أمريكية واسعة واعتُبرت تدخلاً مباشراً لتقويض سلطة الحكومة الجديدة.
تصريحات الشرع وتحذيرات من حروب إقليمية
وفي مقابلة أجرتها الصحيفة مع الرئيس الشرع في واشنطن قبيل لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال إن دعم إسرائيل للحركات الانفصالية نابع من “طموحات توسعية”، محذراً من أن هذه السياسة قد تشعل حروباً إقليمية تهدد الأردن والعراق وتركيا ودول الخليج.
وأضاف أن دمشق وإسرائيل قطعتا “مسافة جيدة” نحو اتفاق خفض تصعيد، معرباً عن أمله بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي سيطرت عليها مطلع العام، وألا تفسح إسرائيل المجال “لأطراف لا تريد لسوريا الاستقرار”.
انقسامات درزية وارتباك داخل إسرائيل
وتطرّق التحقيق إلى الانقسامات الحادة داخل الصف الدرزي، وذكر أن إسرائيل حوّلت لاحقاً دعمها من “المجلس العسكري” بقيادة طارق الشوفي إلى تشكيل جديد أُطلق عليه “الحرس الوطني” بقيادة الشيخ حكمت الهجري ونجله سليمان، ما فجّر صراعات داخلية واتهامات بالخطف والتعامل مع شبكات تهريب إقليمية للمخدرات بينها جهات مرتبطة بحزب الله.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين ومحللين تحذيرهم من تكرار تجربة “جيش جنوب لبنان”، الذي دعمته إسرائيل لعقود قبل انهياره عام 2000، معتبرين أن تحويل السويداء إلى كيان انفصالي أو وكيل مسلح قد يجرّ إسرائيل إلى تورط طويل الأمد داخل سوريا.
وخلصت الواشنطن بوست إلى أن إسرائيل، رغم تقليص دعمها العسكري العلني، ما زالت تواصل إرسال مساعدات طبية ودروع واقية ودفع رواتب للمسلحين، وتضغط في المفاوضات لجعل جنوب سوريا منزوع السلاح ومنح “حكم ذاتي مؤسساتي” للدروز، في سياسة قالت الصحيفة إنها تُبقي سوريا في حالة عدم استقرار في مرحلة مفصلية من تاريخها بعد سقوط النظام البائد.