الفايننشال تايمز : سوريا الجديدة تخوض حرباً شاملة لتفكيك إمبراطورية الأسد للمخدرات
الفايننشال تايمز : سوريا الجديدة تخوض حرباً شاملة لتفكيك إمبراطورية الأسد للمخدرات
● أخبار سورية ٢٠ أغسطس ٢٠٢٥

الفايننشال تايمز : سوريا الجديدة تخوض حرباً شاملة لتفكيك إمبراطورية الأسد للمخدرات

نشرت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية تقريراً مطولاً حول الحرب التي يقودها الرئيس السوري أحمد الشرع لتفكيك إمبراطورية المخدرات التي أسسها النظام السابق بقيادة بشار الأسد، والتي حوّلت سوريا إلى “دولة مخدِّرة” بامتياز، معتمدة على صناعة الكبتاغون كمورد رئيسي للتمويل خلال سنوات الحرب.

من جنود الأسد إلى مدمني الكبتاغون

يروي التقرير قصة جندي سابق في جيش النظام، أُطلق عليه اسم مستعار “أحمد”، والذي بعد سقوط دمشق في ديسمبر الماضي، خلع بزته العسكرية خوفاً من الاعتقال أو الإعدام، ولجأ إلى تعاطي نصف حبة كبتاغون ليتمكن من السير لساعات وصولاً إلى منزله. أحمد أكد أنه لطالما اعتمد على هذه الحبوب خلال خدمته العسكرية، سواء لمواجهة الإرهاق أو لزيادة الثقة بالنفس، قائلاً بسخرية: “لم أكن ممتناً للمخدرات في حياتي كما كنت في ذلك اليوم”.

وبحسب الصحيفة، كان الكبتاغون متوفراً بكثرة في عهد الأسد، الذي حوّل تجارة المخدرات إلى صناعة بقيمة 5 مليارات دولار سنوياً، لتصبح سوريا واحدة من أبرز الدول المنتجة والمصدرة عالمياً.

انعطافة كبرى مع وصول الشرع

غير أن المشهد تغيّر جذرياً بعد وصول الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة، حيث أعلن في خطبة بجامع بني أمية بدمشق أن “سوريا تحوّلت في عهد الأسد إلى مصنع ضخم للكبتاغون، أما اليوم فهي تُطهَّر منه بفضل الله”.

وأكدت الصحيفة أن نتائج الحملة كانت سريعة، إذ تراجع الإنتاج والتهريب بنسبة تصل إلى 80%، بحسب شهادات تجار مخدرات ومسؤولين أمنيين وباحثين. وشملت الحملة اقتحام مختبرات في مناطق كانت محصّنة سابقاً من قبل النظام، إضافة إلى تدمير ملايين الحبوب.

حرب أصعب من الانتصار العسكري

لكن الصحيفة حذرت من أن بدء الحرب على المخدرات لا يعني القدرة على حسمها سريعاً. فشبكات الإنتاج والتهريب قاومت بشدة، ووقعت اشتباكات مع القوات الحكومية في مناطق حدودية عدة. كما استغل المهربون هشاشة السيطرة الحكومية في الأرياف السورية لمواصلة نشاطهم.

ورغم الانخفاض في المعروض، ظل الطلب مرتفعاً، إذ يمكن شراء الحبة في دمشق بنحو 30 سنتاً، بينما تباع النسخ الأعلى جودة في الأردن والسعودية والإمارات بأسعار مضاعفة تصل إلى ثلاثين ضعفاً.

جذور الكبتاغون وتحوله إلى “سلاح حرب”

توضح الفايننشال تايمز أن الكبتاغون ظهر أولاً في ألمانيا في ستينيات القرن الماضي كدواء طبي، لكنه حُظر لاحقاً. وفي الشرق الأوسط انتشر في الخليج بين الحفلات والمهن الشاقة، قبل أن يصل إلى سوريا ويُستخدم كسلاح حرب.

في الجيش السوري وميليشيات النظام، كان الكبتاغون يُوزع بكميات كبيرة: أحياناً مجاناً من الضباط، وأحياناً بخلطه في الشاي أو الكعك المقدم للجنود قبل العمليات، لتسكين الجوع ورفع الروح القتالية.

كان شقيق الأسد، ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة، رأس الحربة في هذه التجارة، مستغلاً قدرات الصناعة الدوائية السورية والموانئ البحرية لاستيراد المواد الخام وتصدير المنتجات نحو الخليج وأوروبا وحتى آسيا وأميركا اللاتينية.

عمليات أمنية مدوّية

التقرير أكد أن قوات مكافحة المخدرات الجديدة، التي تضم عناصر منشقين عن أجهزة الأسد إلى جانب مجندين جدداً، كثّفت عملياتها منذ ديسمبر.

من أبرز هذه العمليات:
 • مداهمة معامل تصنيع مرتبطة بماهر الأسد في دمشق.
 • ضبط أكثر من 200 مليون حبة كبتاغون خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025، وهو رقم يفوق بعشرين مرة ما صودر في عهد الأسد عام 2024.
 • اعتقال تجار كبار في دمشق، بينهم تاجر بارز أوقفه أحد جيرانه المنضم حديثاً إلى شرطة مكافحة المخدرات، بعد أن فضحه علناً أمام السكان.
 • تنفيذ عملية نوعية في يونيو أسفرت عن اعتقال وسيم الأسد، ابن عم الرئيس السابق، الذي استُدرج من لبنان حيث كان محمياً من حزب الله، أثناء محاولته استعادة مخزون من الأموال والذهب قرب الحدود.

صدام مع الميليشيات وحزب الله

لكن الحرب لم تكن سهلة، إذ دخلت قوات الشرع في مواجهة مع جماعات موالية للنظام السابق وميليشيات عراقية شيعية ما زالت تشغل شبكات تهريب عبر الحدود السورية ـ العراقية. وأكد مسؤول أمني في دير الزور أن الخطر الأكبر اليوم لم يعد تنظيم داعش، بل هذه الميليشيات.

كما أن حزب الله لعب دوراً في حماية شخصيات متورطة مثل وسيم الأسد، فيما استمرت بعض الشبكات بالعمل من مناطق خارج سيطرة الحكومة مثل شمال شرق سوريا.

السويداء… بؤرة تهريب ناشطة

الصحيفة سلطت الضوء على محافظة السويداء جنوباً، حيث لا تزال شبكات مرتبطة بقبائل بدوية أو بقايا النظام تعمل في التهريب نحو الأردن. ويُستخدم مزيج من الوسائل الجديدة: طائرات مسيرة، صواريخ فارغة، بالونات موجهة عن بُعد، لإرسال الحبوب.

ورغم تراجع عدد المحاولات بشكل كبير (من عشر محاولات يومياً إلى فترات فراغ تستمر أياماً)، فإن إغراء المال السريع يجذب شباباً عاطلين عن العمل: إذ يمكن أن يتقاضى المهرّب بضعة آلاف من الدولارات مقابل حمل حقيبة تزن 30 كيلوغراماً من الكبتاغون.

استمرار الفساد والتواطؤ

كشفت الصحيفة أن بعض عناصر حرس الحدود السوريين المعروفين سابقاً بتلقي رشاوى ما زالوا في مواقعهم نتيجة نقص الكوادر، ولا يزالون يغضون الطرف عن التهريب. كما نقلت عن ضابط في القلمون أن بعض كبار التجار يفلتون من الحملات لأن عناصر داخل وحدات مكافحة المخدرات نفسها يسرّبون المعلومات عن المداهمات.

تشدد أردني متزايد

في المقابل، شددت السلطات الأردنية إجراءاتها، وأكدت للصحيفة أنها ستستخدم “قوة متناسبة وغير متناسبة” ضد التهريب. وأفاد مهرّب سابق أن حرس الحدود الأردنيين باتوا يطلقون النار فوراً على أي متسلل ليلاً، وهو ما لم يكن يحدث سابقاً.

تداعيات اجتماعية وصحية

خارج نطاق الحرب الأمنية، تواجه سوريا أزمة صحية متفاقمة. فالدولة لا تملك سوى أربع منشآت لعلاج الإدمان، تقدم خدمات محدودة لفترة لا تتجاوز أسبوعين، دون برامج إعادة تأهيل شاملة.

وقال الدكتور غامدي فرعل، مدير مستشفى ابن رشد في دمشق، إن قدرات العلاج “لا تقترب حتى من حجم المشكلة”، مشيراً إلى أن ارتفاع أسعار الكبتاغون بسبب شحه دفع كثيراً من المدمنين نحو مواد أرخص وأكثر خطورة مثل الكريستال ميث، الذي ألحق أضراراً جسدية جسيمة بعدد من المستخدمين.

حرب طويلة الأمد

خلصت الفايننشال تايمز إلى أن الحرب التي يخوضها الشرع ضرورية لتحسين صورة سوريا الجديدة وإعادة بنائها، لكنها معركة طويلة الأمد في ظل الطلب الإقليمي الهائل والفساد المتجذر.

ونقلت عن الباحثة كارولاين روز قولها: “توقع البعض أن تجارة الكبتاغون انتهت مع سقوط النظام، لكن الأشهر الثمانية الماضية أثبتت أن هذه التجارة بعيدة كل البعد عن الزوال”.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ