الذكرى السنوية الأولى للتحرير "حمص".. مدينة تعيد كتابة دورها في مرحلة ما بعد الحرب
الذكرى السنوية الأولى للتحرير "حمص".. مدينة تعيد كتابة دورها في مرحلة ما بعد الحرب
● أخبار سورية ٧ ديسمبر ٢٠٢٥

الذكرى السنوية الأولى للتحرير "حمص".. مدينة تعيد كتابة دورها في مرحلة ما بعد الحرب

في مثل هذا اليوم وقبل عام، تحديداً يوم السبت 7 كانون الأول 2024، أعلنت "إدارة العمليات العسكرية"، تحرير مدينة حمص، لتنضم إلى رفيقات التحرير (حلب وحماة وإدلب ودرعا والسويداء)، وتعيش مدينة الوليد، حمص العدية، فرحة الحرية التي طالما انتظرها أبنائها المعذبين بظلم نظام الأسد وميليشياته الطائفية التي عانى سكانها من بطشهم وجورهم وجرائمهم.

حمص التي تحمل رمزية كبيرة في قلوب السوريين، واحتلت موقعاً مركزياً في مسار الثورة السورية منذ انطلاقتها، بوصفها إحدى أكثر المدن التي شهدت تبدلات حاسمة في المشهدين الشعبي والعسكري. فقد شكّلت المدينة بما تحمله من تنوّع ديموغرافي وجغرافي رمزاً للانتقال المبكر من الاحتجاج المدني السلمي إلى المواجهة العلنية مع نظام الأسد البائد، ما جعلها تُعرف لاحقاً بـ"عاصمة الثورة".

وبرزت حمص كأحد أهم مراكز التظاهر السلمي، حيث شكّلت ساحاتها وأحياؤها الكبرى ــ الخالدية، بابا عمرو، البياضة، كرم الزيتون، والقصير ــ مسرحاً لاعتصامات واسعة واجتماعات شعبية وحراك مدني لافت، وقد جسدت المدينة في تلك المرحلة نموذجاً للتنوع الاجتماعي الذي توحد تحت مطلب إنهاء القمع وفتح الطريق نحو تحول سياسي شامل.

وفي ذلك الموقف إبان التحرير، امتزجت الدموع بمشاعر الفرح في قلوب السوريين مع إعلان تحرير مدينتهم حمص التي يطلق عليها العدية، وكذلك لقب عاصمة الثورة السورية، حيث عادت لتتنفس الحرية بعد سنوات طوال من مناهضة النظام ماعرضها لجرائم عديدة على يده انتقاما منها حيث دمر الأحياء وهجر السكان.

بتحرير مدينة حمص، وماسبقها من عمليات تحرير ضمن عملية "ردع العدوان"، كان الهدف الأخير للعملية في الدخول إلى دمشق، وقطع رأس الأفعى في القصر الجمهوري، لإتمام إسقاط الأسد وكافة رموزه، فكان دخول الثوار في مثل هذا اليوم لمدينة حمص، فتحاً للطريق بشكل كامل باتجاه العاصمة دمشق من الشمال، مع خروج النظام من درعا والسويداء وريف دمشق، وباتت حيتها دمشق محاصرة بشكل كامل من ثلاثة محاور.

كانت حمص من أولى المدن التي شهدت عسكرة مفتوحة للمواجهة بفعل الحملات العسكرية الشرسة التي شنها نظام الأسد البائد، لا سيما حصار بابا عمرو عام 2012 الذي شكّل نقطة تحول كبيرة في الحرب. وقد أنتجت هذه المرحلة رموزاً ثورية بارزة، وأسهمت في ظهور تكوينات عسكرية محلية مثل “كتائب حمص” التي لعبت دوراً مؤثراً في الدفاع عن الأحياء المحاصرة.

تتمتع حمص بموقع جغرافي يربط الشمال بالجنوب والشرق بالساحل، ما جعلها هدفاً دائماً لعمليات النظام الرامية للسيطرة على عقد الحركة داخل سوريا. ولذا كان استمرار الحراك فيها انعكاساً لتهديد مباشر لبنية السيطرة المركزية التي يعتمد عليها النظام. وقد مثّل فقدان النظام لسيطرته على أجزاء واسعة منها في بدايات الثورة ضربة استراتيجية أضعفت قدرته على المناورة.

اختزنت حمص صورة موجزة لسوريا المتعددة: عرباً وأكراداً وتركماناً، سنةً ومسيحيين وعلويين. ونتيجة ذلك، اكتسبت الموجات الثورية فيها بعداً وطنياً لا يقتصر على جماعة محددة، بل عبّر عن كسر الانقسامات التي حاول النظام فرضها. كما أصبحت المدينة رمزاً للمعاناة الإنسانية، بعد المجازر والتهجير الذي تعرضت له أحياؤها، وخصوصاً حمص القديمة وحي كرم الزيتون.

استمرت المدينة في لعب دور محوري حتى بعد سيطرة النظام عليها، حيث تحولت إلى محطة أساسية في ذاكرة الثورة ونموذج للعقاب الجماعي الذي مارسه النظام، مما جعلها مصدر إلهام للمناطق التي واصلت المقاومة، كما أصبحت قضية تهجير أهلها واحدة من أبرز ملفات العدالة الانتقالية التي يُبنى عليها اليوم في أي حديث عن مصالحة أو إعادة إعمار.


بعد تحرير مدينة حمص واستعادة السيطرة على أحيائها كافة، بدأت المدينة مرحلة جديدة تختلف جذرياً عمّا عاشته خلال سنوات الحرب، فقد تحوّلت حمص من إحدى أكثر الجبهات سخونة إلى مساحة مفتوحة لعودة الحياة المدنية وتثبيت الاستقرار، مع إطلاق خطط لإعادة تأهيل البنى التحتية وفتح الطرق الحيوية التي كانت مقطوعة لسنوات. 


وشكّلت عودة الأهالي إلى أحيائهم، لا سيما في حمص القديمة والخالدية وباب السباع، مؤشراً على استعادة المدينة لدورها التاريخي كحلقة وصل بين مناطق سوريا المختلفة. كما بدأ النشاط الاقتصادي يعود تدريجياً عبر إعادة تشغيل الأسواق والمهن المحلية، فيما أطلقت مؤسسات الدولة برامج لترميم المدارس والمراكز الصحية وإحياء التراث العمراني الذي تضرر بفعل الحرب. وبذلك دخلت حمص مرحلة إعادة بناء متوازنة تجمع بين معالجة آثار الدمار وإحياء دورها بوصفها مدينة محورية في الجغرافيا السورية ورمزاً لصمود مجتمعها.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ