مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٢ يونيو ٢٠١٨
الفشل الإيراني ليس في العراق فقط!

حصلت انتخابات في العراق في الثاني عشر من أيّار – مايو الماضي. بعد شهر على الانتخابات لا يزال الخلاف كبيرا في شأن نتائجها. ليس معروفا من فاز، على الرغم من أن قائمة “سائرون” لمقتدى الصدر حلّت في الطليعة. هناك مبررات مختلفة تساق لمنع الصدر من قطف ثمار النتائج التي حققتها “سائرون”.

كل ما في الأمر أنّ مقتدى الصدر، على الرغم من كل الأخذ والردّ في شأن تصرفاته منذ الاحتلال الأميركي للعراق في 2003، ولعبه أدوارا مختلفة لمصلحة إيران في الماضي، أظهر أخيرا نوعا من الوطنية العراقية. كشف الرجل عن رغبة واضحة في التخلص من اليد الإيرانية الثقيلة التي تسعى إلى تحويل العراق مجرّد مستعمرة تدار من طهران.

ربّما أنّها المرّة الأولى في العالم، التي يشكك مجلس للنواب منتهية ولايته، في المجلس الجديد وبشرعيته بعد حصول انتخابات وفق القوانين المرعية. استغل المجلس القديم الوضع القائم، نظرا إلى أنّ ولايته تنتهي في الثلاثين من حزيران – يونيو الجاري، لإلغاء النتائج المعلنة للانتخابات الأخيرة.

يريد إعادة فرز لكل الصناديق في كل البلاد وعدّا يدويا للأصوات. هناك ضرب لفكرة الانتخابات من أساسها. بالنسبة إلى إيران، لا تعني الانتخابات العراقية شيئا ما دام المجلس الجديد خارج سيطرتها. هذه فضيحة مدوية تعبر عمليا عن الإفلاس الإيراني وعن عجز عن إدارة العراق، بما في ذلك عملية الانتخابات فيه.

هناك بكل بساطة عجز عن متابعة سياسة تقوم على التحكّم بالبلد وبكلّ مفاصل الحياة السياسية فيه. هناك فشل إيراني ليس بعده فشل لا يظهر في العراق فقط. يظهر هذا الفشل في كلّ مكان تدخّلت فيه إيران مباشرة أو عبر ميليشياتها المذهبية. بل يظهر في إيران نفسها، حيث يعاني شعب بكامله من نظام ليس لديه ما يقدّمه له باستثناء الهرب المستمر إلى خارج حدود البلد… والوعد بالجنّة.

عمليا، ألغت إيران الانتخابات العراقية. تريد انتخابات على مقاسها أو لا انتخابات. في غيـاب القدرة الإيرانية على التحكم بالناخب العراقي وتوجهاته، وعلى الرغم من كلّ النفوذ التي تمتلكه ميليشيات الأحزاب المذهبية المنضوية تحت تسمية “الحشد الشعبي”، لم تستطع إيران تحقيق النتائج التي كانت ترغب فيها. هناك عوامل عدّة لعبت ضدها بما في ذلك الانقسامات داخل “الحشد الشعبي” نفسه حيث بدأ طعم السلطة يروق لقياديين فيه.

إذا كان صعود نجم مقتدى الصدر في العراق يعبّر عن بداية وعي لدى العراقيين بأن بلدهم يجب أن يقاوم الهيمنة الإيرانية والابتعاد عن فخ لعبة إثارة الغرائز المذهبية، فإنّ الهجمة الإيرانية على الانتخابات العراقية تعكس ضعفا. في أساس هذا الضعف الإيراني أن ليس لدى النظام في طهران ما يقدّمه للعراق والعراقيين. إذا كان هناك من أمل ما في استعادة العراق وحدته يوما، أو لنقل نوعا من الوحدة في ظلّ دستور وقوانين على علاقة بما هو حضاري في هذا العالم، فان هذا الأمل محصور في الرغبة في الابتعاد عن إيران الحالية بكلّ ما تمثّله على كلّ صعيد.

لا يظهر الضعف الإيراني في العراق فقط حيث طهران مضطرة إلى إبطال نتائج الانتخابات من منطلق أنّها لم تناسب مرشّحيها لتولي موقع رئيس الوزراء، على رأسهم نوري المالكي. هناك سوريا حيث لم تعد إيران تدري ما الذي عليها عمله. عاجلا أم آجلا، سيترتب على إيران الخروج من سوريا. الأكيد أنّها لا تستطيع ذلك على الرغم من تأكدها من أن لروسيا حسابات خاصة بها. ترتبط الحسابات الروسية في سوريا بما تريده إسرائيل من جهة، وبالحاجة إلى إيجاد تفاهم مع إدارة دونالد ترامب من جهة أخرى.

ما أدت إليه السياسة الإيرانية في سوريا إفلاس ليس بعده إفلاس. لم يعد أمام إيران من خيار آخر غير الكلام الكبير للتغطية عن حال من العجز. في الواقع، لم يعد أمام إيران سوى الانسحاب من سوريا أو الذهاب إلى تفجير المنطقة كلّها. تسعى إيران إلى فتح ثلاث جبهات هي جنوب لبنان وغزّة والجولان، فضلا عن ممارسة ضغوط على الأردن. وهذا ما تنبّه إليه الخليج لحسن الحظ.

تريد إيران، بكل وقاحة، التسبب بكارثة أخرى في غزّة التي ما زالت فيها بيوت مدمّرة منذ حرب أواخر 2008 وبداية 2009. من الواضح أن هناك في غزّة من لا يريد أن يتعلّم من تجارب الماضي القريب، وأن لا يقتنع بأن كل ما تفعله إيران هو متاجرة بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين.

من يريد مثلا حيّا على ذلك في إمكانه استعادة الخطاب الأخير للأمين العام لـ“حزب الله” حسن نصرالله في مناسبة “يوم القدس”، وهو اليوم الذي تبلغ فيه المتاجرة الإيرانية بالقضية الفلسطينية ذروتها. حرص نصرالله، الذي بات قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني يطلق عليه لقب “آية الله” على التوجه إلى الإسرائيليين بقوله “إلى الصهاينة الغزاة المحتلّين، اركبوا سفنكم وطائراتكم وعودوا من حيث جئتم… يوم الحرب الكبرى قادم وهو اليوم الذي سنصلي فيه جميعا في القدس”.

يكمن الخوف، كل الخوف، في أن وراء إسباغ سليماني لقب “آية الله” على نصرالله، على الرغم من اعترافه بأنّ ذلك لا يحق له، يستهدف زجّه في الحرب التي تنوي إيران شنّها تفاديا للخروج من سوريا. سيكون ضحايا هذه الحرب، في معظمهم، من اللبنانيين والسوريين والعراقيين.

كيف يمكن لحزب، هو في نهاية المطاف مجرد ميليشيا مذهبية تشكل لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، تحرير القدس التي لا يوجد من يقاوم المحتل الإسرائيلي فيها غير أهلها والعرب الشرفاء من أهل الخليج والأردن الذين يرسلون إليهم المساعدات كي يتمكّنوا من البقاء في أرضهم؟ كيف يمكن لحزب يشارك في الحرب على الشعب السوري من منطلق مذهبي، ويلعب كل الأدوار المطلوبة منه في مجال تدمير المدن السورية، من حلب إلى حمص وحماة، لعب دور في تحرير القدس؟

من يدعو إلى تحرير القدس عبر حلب وحمص وحماة ودمشق والقصير، إنّما يضحك على الفلسطينيين والعرب. إنّه بيع للأوهام من أجل تغطية الإفلاس الإيراني الذي تظل الانتخابات العراقية أفضل تعبير عنه. في النهاية لم تمتد يد إيران أو أدواتها إلى مكان إلّا وساد فيه الخراب. المؤسف في الأمر أنّ الهرب من الواقع إلى الشعارات صار سمة من سمات السياسة الإيرانية.

الأخطر أنّه لا يزال هناك بين العرب من يصدّق. صحيح أن عدد المصدّقين قل كثيرا، لكنّ الصحيح أيضا أنّ عصر الميليشيات الإيرانية لم ينته بعد، بدليل ما يعاني منه العراق وسوريا ولبنان واليمن. متى ينتهي هذا العصر الذي لا مفرّ من نهاية له؟ من الأفضل طرح السؤال بطريقة مختلفة: ما الثمن الذي سيدفعه العراق وسوريا ولبنان واليمن قبل الوصول إلى ذلك؟

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٨
«لا لإيران في سوريا» ذريعة لبقاء إسرائيل فيها

طاف بنيامين نتنياهو على عواصم دول أوروبا رافعاً شعار «لا لإيران في سوريا»، مهدداً بشار الاسد بأنه «لم يعد في مأمن، ونظامه أيضاً ليس في مأمن، وسندمر قواته في حال إقدامه على فتح النار علينا».

يشعر نتنياهو بفائض قوة سياسية يدفعه إلى رفع شعارات ومطالب لا جمهور ولا آذان صاغية لها في عواصم حلفائه القدامى في أوروبا. هؤلاء ليسوا منشغلين بوجود إيران في سوريا، بقدر انشغالهم وحرصهم على استمرار وجودها في الاتفاق النووي الذي أحرجهم، بل خذلهم حليفهم الأكبر دونالد ترامب بخروجه منه. لذا، ليس من تفسير لطرح نتنياهو شعاره ذاك إلا لتبرير بقاء إسرائيل في سوريا.

حتى داخل إسرائيل ثمة من يأخذ على نتنياهو انشغاله بإيران، عمّا يجري في قطاع غزة، والمستعمرات الصهيونية في غلافها. صحيفة «يديعوت أحرونوت» (2018/6/6) كشفت «أن سلطة الطبيعة والحدائق (في الكيان الصهيوني) أكدت أن اطلاق مئات الطائرات الورقية وبالونات الهيليوم المحملة بزجاجات حارقة إلى داخل إسرائيل، تسببت في القضاء على اكثر من 10000 دونم، وأن النيران قضت على اكثر من 17500 دونم من المحميات الطبيعية والحدائق».

في الصحيفة نفسها (2018/6/5) دعا كاتب اسرائيلي مرموق، شمعون شيفر، رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى أن «يحذو حذو سلفه أرييل شارون الذي اعتاد أن يقول «إنه عندما تواجه مشكلتين في الوقت عينه، فليس امامك سوى أن تعمل اولاً على مواجهة المشكلة الاكثر إلحاحاً التي تتطلب حلاً فورياً « (اي مشكلة غزة).

نائب رئيس جامعة تل أبيب أيال زيسر جادل نتنياهو في صحيفة «يسرائيل هيوم» (2018/6/5) قائلاً: «إيران لم تستثمر في سوريا مئات الملايين، وربما مليارات الدولارات، ولم تخسر في المعارك على أرضها آلاف المقاتلين من الحرس الثوري ومن الجيش الإيراني النظامي، ولم تنشر فيها عشرات آلاف المجنّدين الشيعة في ميليشيات تابعة لها تدربها وتمولها، فقط كي تغادر فجأة سوريا، لأن بوتين أو الاسد يطلبان منها ذلك بتهذيب».

هذا إذا كانا بصدد أن يطلبا ذلك اصلاً. وكيف يُعقل أن يطلب بوتين والأسد من إيران إخراج قواتها من سوريا، وقد شاهدا على التلفزيون ملايين الإيرانيين يتظاهرون في 900 مدينة وبلدة، ومئات آلاف الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين يفعلون مثلهم أو يصلّون في مناسبة «يوم القدس» (الجمعة الماضي)؟

إذا كان الشعور بفائض القوة السياسية هو ما يدفع نتنياهو إلى التصلّب، وإطلاق مواقف وشعارات مغالية ومتطرفة، فإن الشعور بفائض القوة الشعبية هو بالضبط ما يدفع القادة الفلسطينيين إلى التمسّك بقضيتهم، بما هي قضية تحرير وطن وعودة شعب إلى دياره، ويدفع القادة الإيرانيين إلى رفض المسّ بالاتفاق النووي والتهديد باتخاذ قرارات سياسية و»نووية» وعسكرية قاسية، اذا ما فكّر ترامب باعتداء على البلاد أو مصالحها الحيوية.

من الواضح أن نتنياهو يركّز جهوده وضغوطه على إيران لظنّه أن إضعافها بإخراجها من سوريا، ينعكس إيجاباً على موقفه المتصلب من منظمة التحرير الفلسطينية عموماً، ومن «حماس» و»الجهاد الإسلامي» في غزة خصوصاً. ولعله يراهن ايضاً على أن حملة ترامب السياسية، وعقوباته على إيران، ستحمل دول اوروبا وغيرها على مجاراته في هذا السبيل، الأمر الذي يُضعف إيران اقتصادياً ويفاقم ازمتها الداخلية، ويضطرها إلى تقليص التزاماتها الخارجية وفي مقدمها دعمها لسوريا ولقوى المقاومة العربية.

الى ذلك، ضاعف نتنياهو من تهديداته لسوريا وللاسد شخصياً، ظنّاً منه أن موسكو ستحسب حساباً لـِ»جنونه» وتنفيذه لتهديداته، فتضغط على إيران من أجل سحب قواتها من سوريا، وبذلك تحمي روسيا مصالحها واستثماراتها طويلة الأمد فيها.

لكن، من المفترض أن يدرك نتنياهو أيضاً أن إيران ليست مستهدَفة من روسيا، لأن موسكو لا ترى فيها، حاليا، خصماً أو حتى منافساً لها. بالعكس، إيران حليف مفيد لروسيا في المرحلة الراهنة، لأنهما يواجهان التحدي نفسه، الولايات المتحدة وسياسة ترامب العدوانية وقد أكد ذلك بوتين وروحاني في قمة شنغهاي الأخيرة،. لذا من المستبعد أن تتجاوب موسكو مع أي ضغوط امريكية أو اوروبية لحمل إيران على إنهاء وجودها في سوريا.

لنفترض جدلاً أن تهديدات نتنياهو للأسد ونظامه، وإعلانه عن اعتزامه «تدمير قواته في حال إقدامه على فتح النار علينا» جديّة وقابلة للتنفيذ، فماذا تراه يكون موقف إيران وروسيا؟

ارى أن هذه التهديدات، حتى لو كانت جدّية، ستؤدي إلى نتائج عكسية:
*الأسد سيضطر، ازاء انهماكه بتحرير ما تبقّى من مناطق في بلاده ما زالت تحتلها «داعش» و»النصرة»، إلى مطالبة إيران بزيادة دعمها المالي والعسكري لبلاده، حتى ،لو اقتضى ذلك إقامة قواعد عسكرية اضافية لمواجهة العدوان الإسرائيلي.
*ايران نفسها، حتى قبل أن يطالبها الاسد، ستجد نفسها مضطرة إلى حماية وجودها ونفوذها في سوريا، بمضاعفة دعمها لها. وهي تدرك ايضا أن صون أمنها القومي يستوجب دعم سوريا بما هي خط الدفاع الأول عن كيانها الوطني ومصالحها الحيوية.
*روسيا الملتزمة الدفاع عن وحدة سوريا وسيادتها ستجد نفسها هي الأخرى محرجة جداً بتهديدات نتنياهو، وبالتالي مضطرة إلى تزويد سوريا منظومةَ دفاعٍ جوي من طراز S-300 وربما S-400 بغية إحباط اي مغامرة قد تُقدم عليها إسرائيل ضد سوريا أو ضد إيران في سوريا.
يتحصّل من هذه الواقعات والاحتمالات، أن تهديدات نتنياهو لن تجديه نفعاً ولن تثني سوريا وإيران عن المضي في تحالفهما والوفاء بمتطلبات هذا التحالف، بما في ذلك إقامة قواعد عسكرية ايرانية في سوريا اذا ما اقتضت الحاجة.
اكثر من ذلك، صمود سوريا، ومن ورائها إيران وروسيا، سيعزز صمود الفلسطينيين عموماً ولاسيما صمودهم في جبهة قطاع غزة.

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٨
ثورة الشعب السوري لم ولن تنكسر

انطلقت الثورة السورية في مارس (آذار) 2011 ثورة شعبية شارك فيها أكثر من نصف الشعب السوري بكل أطيافه وطبقاته وأديانه وطوائفه وقومياته. وهي كانت في بدايتها هَبّة شعبية سلمية علنية شفافة رائعة، عبّر من خلالها الشعب السوري كله عن رغبته في الخلاص من الاستبداد، ورغبته في دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وحريته وكرامته.

مع الوقت تصدرت المشهد السياسي رموز معارضة دفعت أثماناً كبيرة سابقاً في السجون لمعارضتها النظام الديكتاتوري، ونقلت مطالب الشعب السوري إلى المجتمع الدولي على أمل أن يساعد في تحققها كما ساعد شعوب أخرى، لكن في الوضع السوري ما حصل هو العكس تماماً؛ إذ وقفت دول في المجتمع الدولي كله ضد رغبة الشعب السوري، وعملت كل ما بوسعها لدعم الديكتاتورية وترسيخها. ولتصبح سوريا مسرح صراع دولي على حساب دماء السوريين، وخرجت مطالب الشعب السوري من حسابات اللاعبين الدوليين وهي لم تكن أصلاً موجودة لديهم، ويتم تقاسم سوريا كمناطق نفوذ بين اللاعبين.

وليصبح: «أين هي الثورة السورية ومن يمثلها»، السؤال المستحيل الذي عمل الجميع على طمس وتغييب الإجابة عنه، وجعل الجواب الوحيد الممكن هو: «إن الثورة انتهت ولا يوجد من يمثلها».

هل هي حقاً كذلك؟

لا أعتقد ذلك أبداً، بل ربما على العكس؛ أن الثورة السورية تجذرت في نفوس السوريين مع كل الثمن الهائل من الألم والموت والتدمير الذي لحقهم. وأعتقد أن الثورة السورية تتحول يوماً تلو آخر لتصبح مطلباً لدى كل السوريين وبكل المناطق وليس معظمهم. حتى كثر ممن كانوا لا يؤمنون بها من قبل أصبحت الآن حاجة ملحة لهم، ومن كان يتوهم أنه مع الاستبداد كونه ضد احتلال، يجد نفسه تحت نير احتلالات عدة الآن؛ فحرب الدول على الثورة السورية أنتج واقعاً مختلفاً، فلم تعد سوريا تحت سيطرة نظام ديكتاتوري مجرم يمسك بها وإنما أصبحت تحت نير احتلالات أجنبية مكشوفة وعلنية تستعين بأدوات محلية، وبالتالي تغيرت مواقع السوريين فجزء ممن كان مع الثورة ببدايتها أصبح أداة محلية لمحتل من جهة ما، وهناك من كان ضد الثورة بالبداية أصبح الآن ضد الاحتلال وأدواته المحلية. وأنا مؤمن تماماً أن السوري الذي تذوق طعم الحرية لن يقبل أبداً أن تسلب منه مرة أخرى، هذه حتمية التاريخ، وسوريا هي التي صنعت للعالم تاريخه من آلاف السنين.

ومع تغير الأوضاع على الأرض وفي السياسة، وانكشاف كل الأوراق وثبوت فشل الأدوات التي مثلت الثورة السورية في وقت ما، وفشل الأساليب التي اتبعت سابقاً لتصل الثورة السورية لنصرها، يجب أن نفكر في أدوات جديدة وأساليب جديدة تتماشى مع الوضع الآن. نفكر في كيف نعيد صوت الثورة السورية وإرادتها إلى الساحة؟ كيف يخرج السوريون من الاصطفافات الإجبارية التي اضطروا إلى الوقوف بها؟ كيف نعيد لم شمل السوريين التواقين لسوريا الجديدة، سوريا الديمقراطية المدنية؟

إن الجواب في تراث حركات التحرر الوطني، وفيما يمكن لحركة تحرر وطنية سورية أن تبدعه. حركة تحرر وطني عابرة للطوائف والقوميات تخرج السوريين من كل الاصطفافات التي تم إجبارهم على الدخول فيها قسراً، هي الأداة الأفضل لتحرير سوريا من الاستبداد والاحتلالات، وإعادة سوريا للسوريين، وإعادة السوريين إلى سوريا

فمقاومة الاحتلال وحق تقرير المصير، هما من حقوق الإنسان، ومن حقوق الشعوب التي نصت عليها الشرائع والاتفاقيات الدولية. وتكتسب شرعيتها من وجود الاحتلال والأدوات المحلية والمنفذة لمخططات دولة الاحتلال، ومن حق الشعوب بالخلاص من الاحتلال الأجنبي والتخلص من أدواته.

ولنا في التاريخ نماذج ناصعة عن حركات تحرير أنجزت تحرير بلدانها ووحدتها واكتسبت شرعية وجودها تحت هذا المبدأ، كالمقاومة الفرنسية ضد النازية التي احتلت فرنسا ونصبت حكومة موالية لها، والمقاومة الإسبانية ضد الديكتاتور فرانكو، وغيرها كثير من الأمثلة الناصعة في التاريخ.

كيف يبني السوريون حركة تحررهم؟ وما هي وسائل العمل؟

أولاً، يجب أن تبنى حركة التحرر بشكل ينسجم مع هدفها وهو بناء سوريا لكل السوريين دون أي تمييز على أساس العرق أو الدين أو المذهب.. دولة مدنية ديمقراطية موحدة تحترم حقوق الإنسان ومبادئه، ويجب أن تعلن أهدافها بكل وضوح، وتتبنى برنامجاً كاملاً لبناء هذه الدولة على أسس احترام حقوق الإنسان والديمقراطية.

ثانياً، يجب أن تتخذ أقصى درجات السرية والثقة في بناء هيكليتها، وألا يتم الاعتماد إلا على الأشخاص المؤمنين بمبادئها لمنع الاختراقات. وأن تضع هيكلية تنظيمية تعتمد مبدأي الثقة والانتخابات والانتشار بكل المناطق في سوريا.

أن تعتمد على هيكلية تعمل في المناطق المدنية لحشد الجهود لمقاومة الاحتلال وأدواته المحلية بكل أشكال المقاومة، مع الالتزام بتطبيق القواعد القانونية الإنسانية في حالات الحرب واتفاقيات جنيف وتجنيب المدنيين الأذى.

ألا تسعى للسيطرة على المناطق الجغرافية وبذلك يخرج المدنيون السوريون من معادلة القوة المسلحة والحرب والدمار، وإنما هي حالة مقاومة متحركة سرية هدفها طرد الاحتلال وإسقاط أدواته المحلية وعلى رأسهم وبأولهم نظام القتل والإجرام في دمشق.

أن تكون عابرة للطوائف والقوميات، ولا تكون مرجعيتها أي آيديولوجيا سياسية أو دينية أو قومية، وأن يكون هدفها تحرير سوريا من الاستبداد والاحتلالات وإعادتها للسوريين الأحرار لبنائها دولة حديثة مدنية ديمقراطية، وأن يكون شعارها وممارساتها منسجماً مع ذلك.

ألا يكون ظاهراً للعلن إلا الممثل والناطق الرسمي للحفاظ على حيوات السوريين المشاركين في الحركة، ومنع الضغط والتلاعب بإرادات السوريين بالتهديد أو الترغيب كما حصل مع الهيئات السياسية السابقة.

ألا يتم الاعتماد في بناء الحركة على التمويل الأجنبي، بل تعتمد الموارد الذاتية والداخلية؛ حتى لا يتم التحكم بها بالمال أو السلاح.

هذه خطة طريق أضعها الآن أمام السوريين لإعادة إطلاق صرخة الحرية والكرامة بشكل جديد وإجبار كل اللاعبين على إعادة حساباتهم ووضع رغبات وآمال الشعب السوري ببناء بلده في أول الاعتبارات.

لن ننسى أن الشعب السوري عندما قام بثورته كانت كل سوريا تحت سيطرة النظام المجرم بشكل عام وقوي، وأن الانتصارات التي يحققها بواسطة الميليشيات والجيوش الخارجية لم تكن على الثورة السورية وإنما على مجموعات تم تسليحها لتدعي تمثيلها للثورة وبقصد هزيمة الثورة بهزيمتها. وإعادة سيطرته العسكرية على بعض المناطق لا تعني الثورة بشيء.

لم ولن تنكسر ثورة شعب. لم ولن ينكسر الشعب السوري ولم ولن تنهزم ثورته. سبق أن قلت منذ عام 2011 إن ثورة الشعب السوري ستغير العالم كله وهي قد قامت بذلك وسنستمر حتى يكون العالم كله مكاناً أفضل للإنسان.

ستسقط أدوات الاحتلال المحلية وعلى رأسهم نظام الأسد المجرم وسنطرد الاحتلالات حتى آخر أجنبي منح الجنسية لسلب حقوق السوريين. سنحاسب ونحاكم كل المجرمين والقتلة ومغتصبي الحقوق. وسنعيد بناء سوريا كما يتمناها السوريون.

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٨
شركس سورية..مع الثورة أم مع النظام؟

ظهر مؤخرا فيديو لشبيح من الأقلية الشركسية وهو يرقص مع إحدى الفتيات وحولهما بعض المشجعين، وقد انتشر هذا الفيديو انتشار النار في الهشيم، وكأنه الدليل الدامغ بأن شركس سورية هم من مؤيدي النظام المجرم، ومع أن النظام هو المستفيد الوحيد من هذا الادعاء، إلا أن الكثير ممن يزعمون أنهم مع الثورة قد أيدوا ذلك، مع تناسٍ تام لكل التضحيات التي بذلها الشركس منذ بداية الثورة حتى الآن، متماهين في ذلك مع ما قدمته باقي مكونات هذا الشعب العظيم، فقد كان فيديو واحد كافيا لنسف كل ما تم تقديمه من الشركس، وكأن عذابات ودماء العشرات من المعتقلين والشهداء منهم قد صارت هباءً منثورا. وأؤكد هنا أنك إن كنت من مصدقي روايات النظام الإعلامية عن الإرهاب والإرهابيين فلتصدق عندها أن أغلبية الشركس هم من مؤيدي النظام كما يسعى جاهدا أن يبرهن ذلك.

ورغم أن هذا النظام يحوي العلوي والدرزي والسني والشيعي... إلا أن هناك ماكينة إعلامية تجهد لإظهار شخصيات الإقليات المنتمية إليه وكأنها ممثل شرعي لكامل تلك الأقلية، وقد أجاد النظام منذ بداية الثورة في لعب ورقة الأقليات، وللأسف فقد ساعده الكثير ممن يدعون أنهم مع الثورة، عن جهل أو عن خبث، وذلك عن طريق تأكيد رواياته، ونشر أكاذيبه ودعاياته الإعلامية، ورغم أن سبعاً من السنين قد تبدو كافية للتعلم من الأخطاء التي وقعت، إلا أنها لم تفعل، فما زال التخوين والتعميم ديدن كثير ممن يدعون مساندتهم للثورة.

هناك الكثير من الأمثلة التي يمكن أن تُذكر على تشكيلة النظام، وكيف أنه استفاد من كل الوصوليين من مختلف الطوائف والانتماءات لتعزيز سطوته وأخطبوطيته، فمثلا خليل مقداد نائب وزير الخارجية سني من حوران، وزير الأوقاف السوري عبد الستار السيد سني من طرطوس، محمد الشعار وزير الداخلية سني من الحفة، وليد المعلم وزير الخارجية سني من دمشق، المجرم المقتول عصام زهر الدين من الطائفة الدرزية في السويداء، رجال دين ورجال أعمال كثيرون مثل حسام فرفور محمد حمشو وسامر الفوز وغيرهم هل يمكن اعتبار كل هؤلاء ممثلين عن طوائفهم ومدنهم وبلداتهم؟ إذا ستُعتبر سورية كاملة مؤيدة للنظام عندها!

الشركس أيضا هم أقلية سورية، بلغ عددها قبل الثورة بأعوام قليلة ما يقارب 60000، تعود أصولها الى القوقاز، وهي الحد الفاصل بين أوروبا وآسيا، وقد تم تهجير الشركس من أرضهم في منتصف القرن الثامن عشر إلى مختلف دول العالم، ومنها سورية، بسبب الجرائم التي ارتكبها بحقهم القياصرة الروس، أي أن تلك الأقلية تتشارك مع السوريين في عدائها التاريخي  للروس، فالفظائع والمجازر المرتكبة بحقها لا يمكن أن تُنسى، وما زال الشركس حتى اليوم يحيون ذكرى شهدائهم وتهجيرهم من أرضهم على أيد الروس في يوم الحزن الشركسي في أيار/ مايو من كل عام في كل البلاد التي اضطروا للهجرة إليها.

وهم أحد مكونات الشعب السوري، لهم ماله وعليهم ما عليه، وأكثر الشركس هم من المعارضين للنظام، وهذا طبيعي، فهل يُعقل أن يتعاطف من ذاق الظلم والقتل والتهجير مع القاتل وحلفائه، وكيف يكون جلاد الامس حليف اليوم؟ ولكن هذا لا يمنع وجود عدد من الانتهازيين والوصوليين، الذين ارتبطت مصالحهم بمصالح النظام، كما في باقي فئات السوريين جميعهم دون استثناء، وقد استفاد الأخير أيما استفادة من ذلك، عن طريق تركيز دائرة الضوء الإعلامية على هؤلاء، لتأكيد مقولته بأنه حامي الأقليات وأن الأقليات تثق به وتلجأ إليه وتسانده.

وليد أباظة أول مثال حاضر على ادعاء أن الشركس مع النظام، ورغم أن المذكور كان أحد المسؤولين عن مجزرة حماة، إلا أن شركاءه في الجرم كثر، ومع ذلك فإن تعميم التمثيل على أساس القومية او الطائفة لم ينل سواه، فقد أُخذ كل الشركس بجريرة ما فعل ذلك المجرم، ولكن لم يتهم أحد أهل الرستن -مثلا- بسبب مشاركة وزير الدفاع مصطفى طلاس في تلك الجريمة، علما أن ابنة الأخير تمارس الآن دور عرابة المصالحات في ريف حمص.

ومما يُذكر أن ابن وليد أباظة، آنزور أباظة قد أسس إحدى ميليشيات الدفاع الوطني بعد الثورة، وجيّش فيها عددا من أراذل الشركس، وأقام حاجزا في قدسيا أثناء الحصار على تلك المدينة منذ عدد من السنين، مما أوقع فتنة كبيرة بين حي الشركس وأهل قدسيا المتجاورين في تلك المنطقة، ولكن ما لا يذكره أحد، أن الكثير من السيدات الشركسيات، اللواتي كان ذلك الحاجز يتغاضى عن تفتيشهن بحكم الأصول المشتركة، كن يخبئن الطعام في ثيابهن لإيصاله للمحاصرين في قدسيا، على الرغم مما يشمله ذلك من مخاطرة كبيرة. ومما لا يعرفه الكثيرون أيضا، هو أن هذا المجرم المدعو آنزور قد تم قتله على يد تجار مخدرات بعد خلاف على إحدى الصفقات، كما أكد عدد من المقربين من عائلته، وليس على يد الثوار كما ادعى النظام لإظهاره كشهيد أمام أعين المؤيدين، وللأسف، وكما العادة، فقد فرح بعض معارضي النظام بتلك الرواية وأيدوها دون تحقق –فقط- لأنها تتماشى مع رغباتهم.

ويتناسى من يستشهد على عمالة الشركس بهذه الميليشيا أن يذكر كتيبة الشركس الثورية التي تم تأسيسها في القرى الشركسية في القنيطرة (البريقة وبئر عجم)، والتي ضمت العشرات من زهرات الشباب الشركس، والذين استشهد أكثرهم او أودعوا في معتقلات النظام.

ومن الأمثلة التي تُذكر أيضا المخرج الشركسي المؤيد للنظام نجدت انزور، ولكن في المقابل لماذا لا يتم ذكر الشخصيات الشركسية المعارضة؟ لماذا لا يتم ذكر المفكر الإسلامي العالمي جودت سعيد، الذي وقف ضد النظام وممارساته قبل سنين من بدء الثورة واعتُقل عدة مرات بسبب آرائه السياسية؟ ولماذا لا يتم ذكر الكاتب والمفكر الإسلامي د. وائل مرزا، وهو أحد مؤسسي المجلس الوطني؟ ولماذا لا يتم ذكر السيدة سلوى أكسوي، نائبة رئيس الائتلاف السابق؟ ولماذا لا يتم ذكر الفنان التشكيلي ورسام الكاريكتير موفق قات، الذي قدم المئات من الرسوم الفاضحة للنظام والتي نال عليها جوائز عالمية؟ وغيرهم الكثير من الشخصيات الشركسية الوطنية التي تعمل بكل إخلاص وهدوء بعيدا عن الضجيج الإعلامي.

أختتم هنا بذكر نقاش قد دار منذ قرابة العامين بين بعض نشطاء الشركس في إسطنبول وبعض قيادات الائتلاف بخصوص الحصول على مقعد أو تمثيل للشركس ضمن الائتلاف، ورغم كوني شركسية، إلا أنني كنت من المعارضين للفكرة، لأن هذا ليس وقت التأكيد على الهويات الفردية، وإنما هو وقت التأكيد على الهوية الوطنية السورية الجامعة، ووقت التأكيد على القواسم المشتركة وليس المفرِقة، ولكن يبدو أنني كنت مخطئة، فالظاهرأن على كل منا أن يحمل يافطة على صدره يكتب عليها دينه وطائفته وقوميته وإثنيته... علّها تكون شفيعا له أمام باقي السوريين، والأفضل أن يصور فيديو راقص له وهو يحمل علم الثورة حتى ينال شهادة "ثورجي" من "نشطاء" الثورة!

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٨
منبج والحلم الفرنسي

لطالما تحدث الساسة الأتراك عن المرحلة الثانية من معركة عفرين في شمال سورية، وهي الوصول إلى مواقع متقدمة، ذات طبيعة عسكرية في مدينة منبج، ووضع قدم على الضفاف الغربية من نهر الفرات. عندها فقط يمكن التحدث عن خلو المنطقة من حزب العمال الكردستاني، أي من كامل القطاع الذي كانت ترغب تركيا بوضعه تحت الحماية الجوية منذ بدء الثورة السورية. وعلى الرغم من الحديث عن اتفاق بين تركيا والولايات المتحدة بشأن خريطة طريق للمنطقة، بحيث تخرج قوات حزب العمال الكردستاني لصالح نقاط مراقبة تركية، وتسليم المدينة إلى قياداتٍ محليةٍ عربيةٍ، شارك بعضها تحت لواء "قوات سورية الديمقراطية"، إلا أن الولايات المتحدة تبدو حائرةً، وليس لديها تصور عن كيفية تنفيذ هذا الاتفاق، وليس لديها نقطة بدء محدّدة لتنفيذه، وما يجري الحديث عنه خالٍ من أي تواريخ للبدء أو المدة، ناهيك عن الخطوط العريضة للاتفاق الذي من الممكن أن يجري الاعتراض عليه في أي مرحلة، أو ربما إيقافه. وعلى الرغم من معرفة أميركا أنها بحاجة ماسّةٍ للجانب التركي في أية عملية مستقبلية لضبط المنطقة، وضمان عدم رجوع القوات المتطرّفة، سواء كانت "داعش" أو تنظيمات مشابهة، إلا أن الولع الأميركي بقوات حزب العمال الكردستاني، والذي تصنفه جماعة إرهابية، يثير تساؤلاتٍ كثيرة.

قد لا يكون الجانب الأميركي العامل الوحيد في مدينة منبج، إذا استثنينا قوات النظام والقوات الروسية وبقية القوى التي تحمي النظام، والتي تراقب المنطقة عن بعدٍ لا يتجاوز العشرة كيلومترات، فهناك مجموعات عسكرية فرنسية دخلت عقب انتهاء عملية عفرين، وإبداء السلطات التركية رغبتها في توسيع هجومها ووجودها العسكري، ليشمل منبج أيضاً. وقد لا يكون دخول القوات الفرنسية إلى منبج بتسهيل أميركي في هذا التوقيت مجرّد مصادفة، فالولايات المتحدة تريد أن تجعل المعادلة أصعب، بإدخال متغيراتٍ جديدةٍ، وقد فعلت هذا بالوجود الفرنسي. وكل الحديث الذي جرى عن خريطة طريق، لتمكين القوات التركية من منبج، كانت بين الجانبين الأميركي والتركي فقط، وإذا أدخلنا التاريخ القصير للعلاقات التركية الفرنسية، وخصوصا الموقف الفرنسي من دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، نجد أن التعامل بين قوات عسكرية فرنسية وتركية في منطقة منبج يحتاج لغةً مشتركةً، قد لا يوفرها الجانب الأميركي، ويمكن أن يتم التعامل مع القضية كما يتم تسليم العصا في سباق التتابع في ألعاب القوى.

أبدت أميركا رغبتها بالخروج من سورية، وعلى لسان الرئيس دونالد ترامب شخصياً. وهي لن تخرج فوراً بالطبع. ولكن من الواضح أنها غير معنية كثيراً بالوجود غرب نهر الفرات، فمركز ثقل قواها المتمثل بالمطارات ونقاط القيادة يقع في المنطقة شرقي النهر، وهي راغبةٌ بتقليص وجودها غربه، تمهيداً للخروج النهائي لاحقاً، وجبهات المعارك التي ترغب في خوضها هي مع قوات "داعش" في جيوب موزعة على الحدود البعيدة مع العراق، وغالبيتها تقع شرقي الفرات. وأتاحت المماطلة في المحادثات مع الجانب التركي بشأن منبج الفرصة للجانب الفرنسي بالوجود، ولم يتأخر تصريح المتحدث باسم الرئاسة التركية، بكر بوزداغ، "إن الوحدات العسكرية الفرنسية قد تكون هدفاً لتركيا". أما الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المنسجم أكثر مع وضع بلاده، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فقال "ليست لدينا نية بإيذاء الدول الحليفة، لكننا لا نستطيع أن نسمح للإرهابيين بالتجول بحرية قرب حدودنا".

أصبحت منطقة غرب الفرات السورية أمناً قومياً لتركيا، وهي وجدت بالفعل في قسم كبير منها، وبموافقة جميع القوى الفاعلة على الأرض. لكن بقي القطاع المحيط بمنبج، وهذا ما أحدث بعض التوتر مع الجانب الأميركي الذي انسحب بخريطة طريق أعلن عنها، وبقي الجانب الفرنسي الذي يبحث، هو الآخر، عن حلم مدفون في هذه المنطقة منذ منتصف القرن الماضي.

اقرأ المزيد
١٠ يونيو ٢٠١٨
ترتيبات أميركية في سورية

أن يتزامن تحديد مصير الجنوب السوري مع تحديد مصير مدينة منبج  في الشمال الغربي، فهذا مؤشرٌ على أن ما يجري يتجاوز، في أبعاده، مجرد تسوياتٍ ثنائية، بقدر ما هي خطة أميركية لإعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية في الساحة السورية.

رفضت واشنطن، خلال العامين الماضيين، أي محاولة من المحور الروسي الاقتراب من الجنوب السوري، في وقتٍ رفضت أيضا تسليم منبج للفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وتجاهلت كثيرا مطالب أنقرة الملحة بخروج الوحدات الكردية من المدينة.

ليست منبج ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة، كما الحال مع الشمال والشمال الشرقي من سورية (الرقة، الحسكة، دير الزور)، ففي هذه المحافظات الثلاث، تهيمن واشنطن على نحو 60% من مقدرات البلاد الاقتصادية (نفط، غاز، مياه، ثروة زراعية وحيوانية).

ومع ذلك، رفضت الإدارتان الأميركيتان، الحالية والسابقة، تسليم منبج للأتراك، لأنها لن تحصل على مكاسب سياسية أو عسكرية من ذلك، فواشنطن تدرك أن تسليمها المدينة لأنقرة لن يغير من علاقة الأخيرة بموسكو، ولن يجعلها تعود إلى سيرتها الأولى. وقد عبر وزير الخارجية التركي، شاووش أوغلو، صراحة عن ذلك، حين قال أخيرا إن التعاون مع الولايات المتحدة في منبج ليس بديلا من العمل مع روسيا في الشأن السوري.

الاتفاق التركي ـ الأميركي أخيرا، وتصريحات المسؤولين من البلدين لا تكشف ما هو مضمر في الاتفاق، أو الصفقة الثنائية في سورية. إما أن الاتفاق محاولة أميركية لقطع الطريق أمام تركيا للقيام بعمل عسكري، في توقيتٍ يوائم صناع القرار في أنقرة (الانتخابات)، أو أن ما جرى مرتبط بترتيبات أميركية جديدة في سورية.

يبدو الاحتمال الثاني الأقوى إذا ما تم ربط تزامن التحركات الأميركية ـ الروسية في الشمال الغربي والجنوب السوري.

أحد أهم الأوراق الاستراتيجية بيد الولايات المتحدة للضغط على المحور الروسي هي الورقة الاقتصادية، المتمثلة أولا في المحافظات الشمالية الشرقية من سورية، وثانيا في المعابر الجنوبية (الجمرك القديم، نصيب، التنف)، وثالثا في إعادة الأعمار. وأن تتخلى واشنطن بسهولة عن معابر الجنوب، وتعطي النظام رئة اقتصادية في هذا التوقيت أمر يدعو إلى الاستغراب، خصوصا أن الثمن المدفوع من المحور الروسي بخس.

ماذا يعني انسحاب إيران من الجنوب السوري؟ بالأساس لا وجود لحضور عسكري إيراني مهم في الجنوب، لا وجود لقواعد عسكرية، ولا لصواريخ. وعلى مدار السنوات الماضية، لم تشكل إيران أي تهديد لإسرائيل في الجنوب، بدليل أن الضربات العسكرية الإسرائيلية لم تحصل في الجنوب، باستثناء بعض الضربات غير المهمة.

من الواضح أن الولايات المتحدة تعيد ترتيب حضورها بما يقتصر على "قوات سورية الديمقراطية"، وترك فصائل المعارضة للهيمنة التركية. ومن يرفض ترك أرضه في الجنوب يلتزم العمل في إطار محلي ضمن الهيمنة الروسية، من أجل إلغاء فكرة المعارك نهائيا بين المعارضة والنظام، على أن تنسحب إيران تدريجيا من المشهد العسكري، لا الاقتصادي على المستوى الاستراتيجي، لتصبح الجغرافيا العسكرية السورية بين ثلاث قوى (أميركية، روسية، تركية).

في هذا الوضع، يصبح لموسكو القدرة على ممارسة ضغوط على النظام، ويصبح لتركيا القدرة على ممارسة الضغوط الكافية على المعارضة.

لكن ما هو ليس واضحا إلى الآن، هل تأتي الخطوات الأميركية هذه ضمن ترتيبات الانسحاب من المشهد السوري؟ أم أن الإدارة الأميركية طوت صفحة مغادرة سورية، وأن ما يجري جزء من صفقةٍ مع روسيا تشمل حل الأزمة السورية؟

من الصعوبة بمكان الإجابة عن ذلك الآن، لكن ما هو واضح أن واشنطن بدأت عملية الانفتاح على الحلفاء، والاستجابة لمطالبهم: أولا، مع فرنسا الراغبة في الدخول إلى الملف السوري من البوابة العسكرية، وإن كان هذا الحضور رمزيا. وثانيا، مع تركيا من خلال التنازل عن منبج. وثالثا، مع الأردن بإعادة فتح المعابر الحدودية مع سورية، وهي العملية التي ينتظر أن يتم الاتفاق بشأنها قريبا، وكان إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أول من تحدثت عنها عبر ديفيد ساترفيلد معاون وزير الخارجية.

قد تبدو الخطوات الأميركية محاولة لتهدئة الحلفاء الإقليميين، من أجل الاستمرار في إدارة الأزمة السورية، ومن الحلفاء من القيام بخطوات منفردة، بعدما لاحت في الأفق معطياتٌ تؤكد حجم التأزم السياسي التركي، وحجم التأزم الاقتصادي الأردني.

وقد تبدو ثانيا أنها مقدمة لتعبيد الطريق أمام التسوية الكبرى، مع ما يتطلبه ذلك من رصّ صفوف الحلفاء المعنيين بالملف السوري (تركيا، الأردن)، وتقديم تنازلاتٍ لروسيا، يخشى أن تزداد وتيرتها في المرحلة المقبلة.

اقرأ المزيد
١٠ يونيو ٢٠١٨
عن إنهاء الوجود الإيراني في سورية

يبدو أن تقليم مخالب نظام الملالي الإيراني في سورية قد بدأ بالفعل، انطلاقاً من الجنوب السوري، حيث جرت أخيرا تفاهمات دولية وإقليمية على ذلك، خصوصا بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي لم تكن بعيدة عن غطاء أميركي، وأسفرت عن ترتيبات لسحب قوات إيران والمليشيات التابعة لها من مناطق جنوبي سورية، بما يعني إنهاء تغلغله بالقرب من حدود الكيان الإسرائيلي والحدود مع الأردن.

ولم يتوقف الأمر على ذلك، إنما طاول مليشيات حزب الله في ريف القنيطرة، والتي انسحبت إلى ريف دمشق، وتحاول الالتفاف على التفاهمات، بدمجها بوحدات من بقايا مليشيات النظام والحرس الجمهوري. كما طاولت التفاهمات الروسية التركية قوات نظام الملالي الإيراني ومليشياته في الشمال السوري، وتحديدا في مدينة تل رفعت وما حولها، حيث اضطرت إلى الانسحاب مكرهة منها، تمهيداً لتسليمها للقوات التركية، حسب تفاهمات الساسة الروس والأتراك التي أبرمت عبر مسار أستانة.

ويبدو أن الأطراف الدولية والإقليمية الخائضة في الدم السوري تحاول ترتيب صفقات من أجل التحديد النهائي لمناطق نفوذها في سورية، لكن ذلك سيتم فيما يبدو على حساب إنهاء وجود إيران، إذ ستفضي صفقة الجنوب السوري، بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن، حسبما أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى "انسحاب كل القوات غير السورية من منطقة الحدود الجنوبية لسورية مع إسرائيل، في أسرع وقت".

والواقع هو أن تمادي ساسة إيران في مشروعهم التوسعي في المنطقة العربية بدأ بالأفول، والبداية من جنوب سورية، وتحديدا من القنيطرة ودرعا، حيث انتهى الزمن الذي كانت فيه سورية الساحة الأهم والأوسع لممارسة نفوذ هذا النظام، والذي أراده أن يصل إلى درجة احتلال البلد واستباحتها برمتها، كون هذا النفوذ وصل إلى الخط الأحمر بالنسبة إلى ساسة الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، عندما شرع بالوصول إلى الحدود السوريّة "الإسرائيليّة".

وقد وجد ساسة موسكو الفرصة سانحة تماماً أمامهم للتخلص من الشريك والمنافس الحقيقي لهم في سورية، كونه يمتلك مشروعاً توسعياً احتلالياً، لم يخفه ساسة نظام الملالي، حين تخطوا دورهم في سورية، ولم يكتفوا بمجرد الوجود المليشياوي المتعدد الجنسيات. وشكل العامل الإسرائيلي عنصراً مساعداً وهاماً لدى ساسة الكرملين، وهو ما يفسّر الصمت الروسي حيال الضربات والهجمات الإسرائيلية الجوية لأماكن وجود مليشيات نظام الملالي وقواعده العسكرية، حيث لا تريد إسرائيل، بوصفها مشروعا احتلالياً استيطانياً، مشروعا توسعياً احتلالياً آخر منافساً لها، فاعتبرت تغلغل إيران في سورية خطراً يهدد أمنها، ووجهت ضربات عسكرية موجعة لمواقعه وقواعده فيها، من دون أي رد فعل من منظومات الصواريخ الروسية، ما يعيد إلى الأذهان وضع سورية بالنسبة إلى الساسة الروس إبّان الحرب الباردة، ويفسّر رغبتهم في التخلص من التغلغل الإيراني، أو على الأقل تحجيمه، ضمن تفاهمات روسية أميركية إسرائيلية بشأن الوضع السوري.

وظهرت إلى العلن التفاهمات ما بين الساسة الروس والإسرائيليين من خلال الزيارات المتكرّرة التي قام بها مسؤولون إسرائيليون إلى موسكو، إذ تعهد الروس للإسرائيليين بإنهاء تغلغل إيران في الجنوب السوري، وما بعده، في مقابل أن يسمح ساسة إسرائيل لبشار الأسد البقاء في كرسي الرئاسة، بوصفه أفضل من حافظ على أمن إسرائيل، وحرس حدودها من الطرف السوري، منذ ورث السلطة من أبيه، الذي قام بالدور نفسه طوال فترة جثومه على صدور السوريين.

وليس ساسة الولايات المتّحدة، ومعهم الاتحاد الأوروبي، بعيدين عن هذه الصفقات والتفاهمات الروسية الإسرائيلية، بل هم رعاتها وشركاء فيها، حيث يريد الأميركيون مقايضة تفكيك قاعدة التنف العسكرية الأميركية، في مثلث الحدود السورية - العراقية – الأردنية، في مقابل إبعاد قوات إيران ومليشياتها عن الجنوب السوري، في صفقة تُوضع الترتيبات النهائية لها، وخصوصا بشأن الجدول الزمني لتنفيذ بنودها.

وفي الشمال السوري، أنجزت التفاهمات الروسية التركية انسحاباً لمليشيات نظام الملالي من مدينة تل رفعت، ودخول قوات تركية وفصائل معارضة سورية إليها، في مقابل انسحاب فصائل سورية معارضة من مناطق في محافظة اللاذقية، في محاولة من الروس تعزيز وتأمين قاعدتهم العسكرية في مطار حميميم التي سبق وأن تعرّضت إلى هجمات عديدة أخيرا، بطائرات من دون طيار (درون)، وهذا ما يؤكد اتساع الهوة بين ساسة روسيا وساسة النظام الإيراني في سورية.

إذا، في هذه الصفقات والتفاهمات ما بين القوى الكبرى الدولية والإقليمية، لن يجد نظام الملالي من يدعم مشروعه التوسعي، لا في سورية، ولا في سائر المنطقة، وإذا أضفنا ما تمخضت عنه الانتخابات العراقية، والدعوات إلى عدم تدخل إيران بالشأن العراقي والحدّ من نفوذها، فإن على ساستها أن يتعودوا على اللطم بقوة في طهران وقم ومشهد وسواها من المدن الإيرانية، والانكفاء نحو الداخل الذي يدفع ضريبة تدخلاتهم الأخطبوطية في المنطقة، فهم غير قادرين على مواجهة هذا التحالف الدولي الإقليمي في وجه تدخلاتهم.

اقرأ المزيد
١٠ يونيو ٢٠١٨
سورية وداء الخَرس

نبّهتني الحادثة التي مررت بها أخيرا، وهي استدعائي إلى جهاز أمن الدولة في سورية للتحقيق معي بشأن مقالاتي، إلى حقيقة الحالة النفسية لمُعظم الناس. وقد اكتسبت صفة جديدة لا أعرف لم أمتعتني، وهي انفضاض معظم الأصدقاء عني، والأقارب أيضاً. وصرت شخصاً خطيراً يتجرأ وينتقد جهاز الأمن العتيد، ويكتب بإستمرار في "فيسبوك" عن المعتقلين السياسيين الشبان، وعمن مات منهم تحت التعذيب، وأنا أعرف عشرات منهم وأزور أهاليهم.

أعترف بحق الإنسان البسيط المُروع بالخوف من أجهزة الأمن، ومن التُهم التي يُمكن أن تهبط عليه أن يخاف وأن يكون حذراً، ولكن ليس إلى درجة الخرس.. أتساءل: لماذا قامت الثورة في سورية إذاً؟ ألم تكن غايتها الأولى كسر حاجز الخوف، وأن تصدح الحناجر بالحقيقة، برفض الظلم، ومناهضة الفساد  والرشاوي وعتقال الشبان الثوريين، وبتأكيد حقهم بالمطالبة بالعدالة والحرية.

الآن وبعد سبع سنوات من الثورة، أو الأزمة السورية (كي لا يستدعيني مرة ثانية جهاز أمن الدولة لأنني استعملت مفردة الثورة)، أحس بألم لا يوصف، إلى درجة أنني أتخيّل، طوال الوقت، أنني كيفما تحركت، ثمّة سكين في ظهري تنغرس عميقا. ومرة أخرى، للإنسان السوري، لاسيما الفقير واللاهث وراء لقمة الخبز لأولاده، أن يخاف، ولكن ليس إلى درجة الخرس، ليس إلى درجة أن أقوى موقف، وأعظم شجاعة يقدر عليها السوري (غنيا أم فقيرا) هو أن يكتب تحت صور الشبان الذين ماتوا تحت التعذيب في سجون النظام، وغالباً لا تُسلم جثثهم إلى أهاليهم أو تُسلم نتف منها، مترحما عليهم فقط.

أجدني أحياناً، على غير وعي مني، أنفلت بشتائم فاحشة على عيشنا القمة في الذل، إذ نادراً ما قرأت تعليقاً يندد بالنطام المخابراتي الأمني في سورية. أي ذنوبٍ ارتكبها المناضل المسكين سوى توقه للحرية والكرامة، فكانت النتيجة التلذّذ بتعذيبه حتى الموت. .. زرت يوما قرية الدريكيش قرب طرطوس، لمحت نصباً رخامياً عملاقاً يكاد يلامس السماء، عليه كتابة بالأسود العريض. للوهلة الأولى، اعتقدت أن الدولة أرادت أن تستقبل الناس عند مدخل القرية بأشعار للمتنبي، ولا أعرف من أين جاءني هذا الخاطر. وكانت الدريكيش تغص بأكثر من مليون نزحوا من حلب. وتبين أن المكتوب على النصب أسماء أكثر من مئتي شهيد. أما أشقاؤهم من المقلب الآخر، أي المعارضون والمناضلون، فلا أحد يكتب أسماءهم، فهم خونة ومجرمون، ويؤمنون بكلمة ثورة وكلمة حرية. وكيف أنسى يوم المهزلة قبل نحو خمسة عشر عاماً، في محاضرات في مركز ثقافي في سورية، تحت رعاية حزب البعث، كان عنوانها "الحرية في سورية". وهو عنوان مستفز، وقد قررت أن أتناول دواء مهدئاً للأعصاب، وأحضر المحاضرة، وكان المحاضرون عدة أشخاص، ومعظمهم مستشارون للرئيس، ومما قالوه إنه لا يوجد في الكرة الأرضية كلها حرية كالموجودة في سورية. وقال جميعهم إنه لم يتم قتل صحافي أو كاتب في سورية، وهذا أكبر دليل على الحرية فيها.

حين يكون الميت شاباً سورياً مجنداً في النظام، تنهال التعازي عليه والعبارات التفخيمية، والكل يهنئه بالشهادة أي بالموت، إذ لا تقدّر سورية سوى الأموات، وكل نشاطاتها الإجتماعية: التعازي. أسراب من النساء الغاطسات في السواد ذاهبات آيبات إلى التعازي. والتلفزيون السوري يتحدث عن كوكبة من الشهداء، حيث نرى أكثر من عشرين تابوتاً يحملها زملاؤهم المجندون إلى مقبرة جماعية، وكل واحدٍ من هؤلاء الأموات يحمل لقب الشهيد البطل. يا لمسرح اللامعقول، من يقبل أن يبادل الحياة من أجل لقب الشهيد البطل؟ الكل يزغرد فرحاً بوطنية شبان سورية، حتى أهالي هؤلاء الشبان. تخيلوا أماً استشهد ابنها تزغرد فرحاً، وتقول إنها تتمنى لو يستشهد ابنها الثاني وحتى الثالث في سبيل الوطن.

لا أتعجب أن يصل السوري المذعور والمروّع من عيشه الذليل، ومن الفروق الطبقية المقرفة، إلى تلك المرحلة من الجنون والاختلاط الذهني، ففي شارع الصليبة، ذي الأغلبية السنية، تجد مشهدا مُروعاً، ألوفا من النساء والرجال والأطفال يقفون أمام طاقة بمساحة وجه إنسان، ليشتروا الخبز. وفي شارع آخر، يطل على البحر ومنتجع الشاطئ الأزرق، تجد أن سعر أجرة الشالية، الأقرب إلى البحر، 140 ألف ليرة سورية في اليوم. وكل الشاليهات محجوزة. وأمام تلك اللوحة، أو جزء منها، تغدو كلمة ثورة جريمة، ويلومني ويعنفني عليها ضابط الأمن طويلاً.

أيه خسارةٍ أكبر: أن يموت شبان سورية، سواء من اضطروا لأن يلتحقوا بالجيش، لأنهم لم يتمكّنوا من الهروب من الموت، أو دفع المبالغ الطائلة للمهربين، أم من اعتقلوا وماتوا تحت التعذيب في أقبية النظام؟ أليسوا كلهم شباباً يشتهون الحب والزواج والأولاد والرقص والقراءة والفرح.

صديق صيدلاني، ولديه شابان جامعيان هربا من الجندية إلى السودان. سألته: ألم يجدا مكاناً آخر سوى السودان؟ فقال: لا. لأننا في حرب مع تركيا، ولن يتمكّنا من الهرب إليها، وصار المهرّبون يطلبون مبالغ خيالية، والدول الأوروبية لم تعد تقبل لاجئين، ووحدها السودان تقبل أن تستقبل أيقونة العصر في المأساة: السوري. وأخبرني أنه يوم سافر ولداه أصيب بمرض السكري.

هل من أفق للحل في سورية، وقد انفصم الشعب في الداخل إلى قسمين متنافرين: مُروّع من الأمن وهو الأكثرية، ولا يجرؤ أن يكتب أكثر من "الله يرحمه" على القتيل في فرع المخابرات، ومن دون أن يجرؤ على الإشارة إلى الفاعل. والقسم الآخر مبتلى بأنه لم يستطع أن يهرّب أولاده خارج سورية، فحملوا البندقية رغماً عنهم، ليدخلوا في حربٍ تشترك فيها عدة دول على الأرض السورية.

صدقاً، أحس بسعادة من نوع خاص، وهي سعادة النبذ، حين ينبذك من كنت تعتقد أنهم أصدقاء، لمواقفك وجرأتك في قول الحق، ويعتبرونك أبله، لأنك تتجرّأ، وتستعمل لسانك في وظيفةٍ غير تقليب اللقمة من جهة إلى جهة. الكلام. الحل الوحيد للظلم سيبدأ بالكلام، لأن الحق يحرّركم، كما قال المسيح.

اقرأ المزيد
١٠ يونيو ٢٠١٨
النظام الإيراني... عودة هواجس البقاء

اتضحت الصورة بشكل جليّ في طهران. الولايات المتحدة عازمة على تكرار محاولات تغيير النظام الإيراني. هذا ما أوضحه إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بشأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه إيران. جاءت لائحة الشروط الأميركية شاملة لكل نقاط الاختلاف بين إيران وجيرانها العرب والخليجيين من جهة، ومُعبِّرة عن كل الخطوط الحمر، والهواجس الأمنية الإقليمية والدولية تجاه المسألة الإيرانية عموماً.

هناك اعتقاد قوي في طهران بأن الخصوم الإقليميين كان لهم دور كبير في انسحاب الرئيس ترمب من الاتفاق النووي، وفي رسم معالم الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المواجهة مع إيران. لم يعد سراً أن الإدارة الأميركية استجابت بشكل كامل للمخاوف العربية حيال الدور التخريبي الذي تمارسه إيران في المنطقة؛ وهو ما يعني أن طهران خسرت بشكل نهائي المواجهة الطويلة التي خاضتها داخل الولايات المتحدة، واستثمرت فيها طوال عقدين من الزمن، في صناعة وإدارة مجموعات الضغط (اللوبيات) الإيرانية في واشنطن. لم تفلح أيضاً الرهانات على إمكانية إغراء الرئيس ترمب بصفقات تجارية من أجل إبقائه داخل الاتفاق النووي. القوى المعارضة لإيران تجذّرت في واشنطن، وإبرام بضع صفقات تجارية كبيرة، ما كان يُمكنه تغيير واقع العداوة بين الجانبين.

وُصِفت استراتيجية الولايات المتحدة بأنها متماسكة، وشاملة. لكن هناك من أخذ عليها أنها متشدّدة؛ بحيث لم تدع مجالاً لإيران للتفاوض بشأنها، فهي أشبه بدعوة للاستسلام الكامل. الولايات المتحدة شرعت باستخدام كمّاشتين للضغط على طهران: الضغوط السياسية والعسكرية الدولية والإقليمية، وتحفيز الضغوط الداخلية والاعتراضات الشعبية.

تقديرات مراكز التفكير، والمواقع المقرّبة من النظام الإيراني تكشف التقدير الإيراني للموقف: «الرئيس ترمب انسحب من الاتفاق النووي، لأنه يراهن على أن ذلك يُمكن أن يُزعزع الاستقرار الداخلي في إيران، ويمهّد الطريق لاشتعال ثورة جديدة». وبناءً على معلومات تسربت إلى طهران فقد أبلغ رودي جولياني، وهو صديق مقرّب من الرئيس ترمب، منظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية المعارضة في الخامس من مايو (أيار) 2018، بأن الرئيس لن ينسحب فقط من الاتفاقية النووية، بل إنه يريد تغيير النظام في إيران.

لا يعتقد المسؤولون الإيرانيون أن الحرب سيناريو محتمل، على الرغم من إقرارهم بأن الرئيس ترمب يسعى إلى تشكيل جبهة موحدة تضم قوى دولية وإقليمية، لمحاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة. إنهم يراهنون في هذا الخصوص على رغبة الرئيس ترمب بضمان إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، وأن شنّ حرب جديدة في الشرق الأوسط، يؤثر بشكل خطير على فرص إعادة انتخابه. يجادل هؤلاء بأن الرئيس ترمب لن يخوض حرباً مع طهران إلاّ إذا استفزه الإيرانيون بشكل كبير. استفزاز يمنحه حجة قوية أمام الرأي العام الأميركي، وهو سيناريو تحرص طهران كل الحرص على عدم حدوثه.

في مثل هذه الظروف، من الطبيعي أن يشعر القادة في إيران بالحاجة إلى الوحدة الوطنية، فالتحديات تُهدّد بقاء النظام برمّته. وفي مشهد سينمائي أُعدّ بعناية فائقة، جمع خامنئي في بيته كل الذئاب المتحاربة داخل النظام على مأدبة إفطار سياسية، ليقول إن إيران متحدة. الحقيقة أن التصدعات التي أصابت خريطة توزيع القوة في إيران مؤخراً لا تزال فاعلة، ولذلك لن تمنع التحديات الجديدة من استمرار ظهور المؤشرات على الانقسامات، والصراعات الداخلية العميقة.

وبينما كانت طهران تعيش أسوأ أيامها، بادر «الحرس الثوري الإيراني» إلى الترويج لنفسه كبطل قومي؛ إذْ بدأت شركة «خاتم الأنبياء» حملة إعلامية لتعزيز سمعتها بوصفها قوة اقتصادية مُحرّكة في البلاد. وتعهدت الشركة بإنهاء 40 مشروعاً عملاقاً قبل نهاية السنة الإيرانية الجارية، وهي حملة لا يمكن تفسيرها في هذه الأوقات الصعبة إلاّ من باب التبجُّح.

الضغوط الاقتصادية تمثّل أساس الاستراتيجية الأميركية لردع إيران، وتستند هذه الضغوط إلى أسس قوية تتمثل في تعميق أزمة النظام المالية، والإضرار بصادرات النفط الإيرانية، ووقف، أو إضعاف تدفق رؤوس الأموال الأجنبية على إيران بشكل كبير، وتعميق الآثار السلبية لعمليات الإصلاح الاقتصادي الجارية حالياً في إيران. وقد نتج بالفعل عن إجراءات الحكومة الاقتصادية النيوليبرالية الكثير من الآثار الاجتماعية السلبية، والتي تمثلت في شكل اضطرابات واحتجاجات شعبية واسعة النطاق خلال الشهور الماضية.

صحيحٌ أن النظام الإيراني لم يعوّل كثيراً على العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة بعد توقيع الاتفاق النووي، ولم يرغب في ربط الاقتصاد الإيراني كثيراً بالاقتصاد الأميركي؛ لضمان خط العودة في حال أخفقت محاولات التقارب السياسي بين الجانبين. لكنّ ما كان يُهم إيران حقاً هو عدم عزل البلاد عن الأسواق الدولية، لتلبية احتياجاتها في مجال التجارة والاستثمار. وهذا بالضبط ما تستهدفه العقوبات الأميركية.

باتت خيارات طهران محدودة؛ الرهان على عزل الرئيس ترمب وفريقه في داخل الولايات المتحدة تراجع، والرهان على عزل الولايات المتحدة دولياً في المسألة الإيرانية غير ممكن. بقي الرهان على مساندة الحلفاء الشرقيين؛ لكنّ خبراء اقتصاديين يحذرون أيضاً من أن لدى موسكو وبكين مصلحة في عودة العقوبات الأميركية على طهران، لأنها تسمح لهما بالانفراد بالسوق الإيرانية.

لا مجال للتهور في ظل وجود رئيس حازم في البيت الأبيض؛ يحاول الإيرانيون التصرف بشكل مختلف على الساحة الدولية. استئناف البرنامج النووي، أو استفزاز القوات الأميركية في الشرق الأوسط ستكون له عواقب وخيمة. ولعله بات من المطلوب الإذعان بأن الاتفاق النووي انتهى. حاول الإيرانيون إثارة الكثير من الفزع حول سيناريو انهيار الاتفاق النووي. لكنّ هذا السيناريو هو الأقل سوءاً بالنسبة إلى دول المنطقة، لأنّه يُبقِي المواجهة حول المسألة الإيرانية بين إيران والعالم، بينما السيناريوهات الأخرى تُبقي دول المنطقة الطرف الرئيس في المواجهة مع إيران.

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٨
الاتفاق التركي-الأمريكي في منبج ومستقبل الملف السوري

وأخيراً تم الوصول إلى اتفاق مع أمريكا في خصوص منبج، وقد أُصدر بيان يشير إلى أن هذا الحل يتشكّل من ثلاثة خطوات رئيسة، وبناء على ذلك ستكون الخطوة الأولى هي انسحاب بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية من منبج، والثانية هي عودة الشعب المهجّر إلى دياره، ونهايةً سيتم تشكيل إدارة إقليمية وتسليمها لأهل المنطقة.

استمرت تركيا في تقديم هذه الأطروحة لحكومة ترامب لمدة سنة كاملة، كما أشارت خلال هذه المدة إلى التعاون من أجل إعادة الشعب المهجّر على أيدي التنظيمات الإرهابية إلى ديارهم، واستغرقت أمريكا فترةً طويلةً للاقتناع بهذه الأطروحة، لكن في نهاية المطاف تمكّنت الدولتين التركية-الأمريكية من الاتفاق في نقطة مشتركة.

إن الاتفاق الذي تم الوصول إليه بين أنقرة وواشنطن يحتوي على مادّتين رئيستين، الأولى هي أن هذا الاتفاق كامل الرسمية وليس مجرّد عهود مقدّمة بين الأطراف، أي إن نتائج وتفاصيل هذا الاتفاق قابلة للتدقيق والإثبات في المستقبل، وكذلك تم الاتفاق في خصوص العمل المشترك بين الحكومتين التركية-الأمريكية في الساحة خلال جميع مراحل هذا الاتفاق، وذلك يشير إلى أننا سنرى خطوات مشتركة بين الجهات العسكرية والمدنية التابعة لتركيا وأمريكا في الأراضي السورية خلال الفترات المقبلة.

أما المادّة الثانية فتتعلّق بالقاعدة العسكرية الأمريكية الموجودة في منبج، إذ تُشتهر هذه القاعدة بتقديم الدعم اللوجستي لوحدات الحماية الشعبية بشكل مباشر، وبالتالي تشير تفاصيل الاتفاق إلى أن أمريكا ستقطع الدعم عن بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي في الساحة السورية وخصوصاً في منبج.

كانت مسألة دعم واشنطن للتنظيمات الإرهابية التي تهدّد أمن الحدود التركية تمثّل الخلاف الأكبر بين تركيا وأمريكا، وكذلك تشكّل خطراً كبيراً على مسار العلاقات السياسية الموجودة بين الحكومتين، وبالتالي يبدو أن أمريكا تعود للتحالف مع تركيا مرةً أخرى.

من الواضح أن أطراف هذا الاتفاق تسعى إلى بداية جديدة على الصعيد السياسي من خلال هذا الاتفاق، وفي هذا السياق فإن تركيا ستتولّى مهمة إدارة التنظيمات الإسلامية المتطرفة ومنع تمركزها في الجوار التركي، وبذلك تبقى مهمّة إدارة التنظيمات الكردية المسلّحة على عاتق أمريكا.

يبدو أن الاتفاق المذكور أشبه بنموذج جديد يحمل تأثيراً مباشراً تجاه مستقبل القضية السورية، قد يكون هذا الاتفاق خطوة بسيطة كبداية، لكن من الممكن أن يفتح باباً جديداً لتوسيع نطاق التحالف التركي-الأمريكي في الأيام المقبلة، وإن النجاح في توسيع نطاق التحالف المذكور يعني تحديد تصميم جديد للمستقبل السوري.

إن الأمر الأهم في تصميم المستقبل السوري الجديد يتعلّق باتفاق موسكو وواشنطن في البداية، وفي هذا السياق تشير التطورات الأخيرة إلى اتفاق الدولتين الروسية-الأمريكية على ضرورة ضبط العوامل الغير حكومية كخطوة أولى، وكذلك قد تم الاتفاق في خصوص استمرار الأطراف في إدارة علاقاتها الشخصية مع نظام الأسد في المناطق التي تقع تحت تأثيرها.

وبناء على ذلك يمكن القول إن روسيا وأمريكا قد وصلت لنقطة مشتركة في خصوص الوجود الإيراني في الساحة السورية أيضاً، إذ اتفقت روسيا وإسرائيل مؤخراً في المسألة ذاتها، وينص مضمون هذا الاتفاق على دفع الميليشيات الإيرانية للانسحاب إلى الحدود الجنوبية السورية، إلى نحو الحدود الإسرائيلية القريبة من مدينة الجولان المحتلّة، كما لا تعارض إسرائيل على إدارة نظام الأسد للمناطق المتفرّغة نتيجة انسحاب القوى الإيرانية.

يشير وصول أمريكا وتركيا، وروسيا وإسرائيل إلى اتفاق في خصوص أمن حدودهم إلى اتفاقهم في خصوص مستقبل القضية السورية أيضاً، إذ سيتم الحد من التأثير الإيراني في الساحة السورية، وسيكون نظام الأسد مرتبطاً بروسيا بشكل مباشر، وستتم حماية حقوق الشعب السوري المضطهدة على أيدي نظام الأسد من قبل أمريكا.

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٨
لماذا لجأ خامنئي إلى التصعيد؟

مرشد دولة الملالي في إيران أعلن عن أنه أصدر أوامره للسلطات الإيرانية، بالعودة لتخصيب اليورانيوم، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، وإخفاق الأوربيين في إقناع الإيرانيين بالاستمرار في الاتفاقية، حتى ولو انسحبت الولايات المتحددة منها. قرار العودة إلى تخصيب اليورانيوم إلى معدلات عالية، سيمكن الإيرانيين من صناعة القنبلة النووية، وهو ما سوف يدفع بقية دول المنطقة، وعلى رأسها المملكة إلى العمل للحصول على السلاح النووي كرادع لدولة الملالي، التي تسعى إلى احتلال الحرمين الشريفين كما هو معروف، أي أن مرحلة من السباق على التسلح النووي كرادع للإطماع الإيرانية. وتملك إيران الملالي للسلاح النووي قضية مرفوضة ليس من أمريكا فحسب، وإنما من كل الدول الأوربية قاطبة، وكذلك من روسيا والصين، الأمر الذي سيجعل ثني الإيرانيين عن توجههم الخطير هذا قضية منوطة بكل دول العالم، الأمر الذي يجعل إيران إذا ما أصرت على موقفها هذا تتعرض إلى احتمالية ضربة جوية، من شأنها تدمير مفاعلاتها النووية، وهذا ما أشار إليه المرشد، بقوله أن إيران إذا تعرضت إلى عدوان فإنها سترد العدوان بعشرة أضعاف؛ والسؤال : هل في مقدور خامنئي أن ينفذ وعده؟.. وهل يملك من السلاح والتقنية العسكرية ما يؤهله لذلك؟.. الإجابة بكل تأكيد هي (لا) وضع نقطة في نهاية السطر. إيران لا تملك إلا صواريخ بالستية استوردت تقنيتها من كوريا الشمالية، وهذه الصواريخ بدائية، وقدرتها على إصابة الأهداف متدنية، كما يمكن للصواريخ المضادة إصابتها بسهولة، فعلى سبيل المثال أطلق الحوثيون على مدن متفرقة في المملكة أكثر من 120 صاروخا، وتم تحطيمها جميعا في الجو قبل أن تصل إلى أهدافها، ولم يفلت من تلك الصواريخ ولا صاروخا واحدا، في حين أن الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل تمتلك من الصواريخ الموجهة، وفائقة التدمير، ما يجعل استهداف تلك المفاعلات ممكنة بالشكل الذي سيحيلها إلى أثر بعد عين بكل ما تحمله الكلمة من معنى. والسؤال الذي يفرضه السياق: هل ملالي إيران يجهلون ذلك؟.. قطعا لا، لكنهم تعودوا في كل صراعاتهم السياسية أن يدفعوا بالأمور إلى حافة الهاوية، ثم يتراجعون في اللحظات الأخيرة. إضافة إلى أن إيران بسبب العقوبات الاقتصادية التي من المزمع أن يتم فرضها من قبل الولايات المتحدة عليها، ستؤدي إلى كساد اقتصادي من شأنه أن يشل الاقتصاد الإيراني شللا شبه كامل، ما سيجعالإيرانيين يثورون على دولة الملالي، لذلك فإن التصعيد مع أمريكا ودول الغرب سيجعل الإيرانيين، يصطفون خلف دولة الملالي في مواجهة الغزو، الأمر الذي يعطي حكومة الملالي قدرة على المقاومة، ومواجهة العقوبات، وهذا في تقديري أحد الأسباب التي جعلت خامنئي يصعد في المواجهة، وكأنه يستعجل الضربة الأمريكية، التي ستمكنه من البقاء مدة أطول، أما إذا رضخ للضغوط وأذعن، فإنه سيواجه ثورة جياع عارمة، لن يستطيع أن يقمعها مهما أوغل في القتل واستعمل القبضة الفولاذية.

هل سينجح خامنئي هذه المرة في أسلوبه القديم الجديد؟ .. بصراحة استبعد ذلك.

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٨
بعد وصول تنظيم الدولة لأطرافها مجدداً.. السويداء إلى أين؟

تنظيم الدولة على أطراف السويداء.. هل يشعل النظام فتيل المنطقة من جديد؟

لأول مرة وعلى خلاف كل عمليات التهجير الحاصلة في المناطق السورية والتي تم بموجبها نقل جميع المسلحين والمدنيين إلى مناطق الشمال السوري، قام النظام السوري بإخراج عناصر تنظيم الدولة بعد سيطرته على آخر معاقلهم جنوب العاصمة دمشق (مخيم اليرموك والحجر الأسود) إلى منطقة البادية السورية وبالتحديد إلى ريف محافظة السويداء التي تعد المحافظة الوحيدة التي حافظت على نفسها خارج حلبة النزاع السوري وحربه الدموية التي دمرت المدن السورية وقتلت وشردت أهلها على مدار سبعة أعوام، في وقت تضاربت فيه الأنباء والاحتمالات بين طلب تنظيم الدولة الانتقال للمنطقة المذكورة بالتحديد خلال مفاوضات الإخلاء مع الروس والنظام وبين فرض النظام المنطقة من نفسه وإجبار عناصر التنظيم على الخروج إليها، وهو ما خلق موجة من الفرضيات بناء على حقيقة الأحداث وخاصة بالنسبة للمنطقة التي تمركز فيها عناصر تنظيم الدولة بريف السويداء الشمالي الشرقي.

إخراج عناصر التنظيم إلى ريف السويداء رغم إمكانية خروجهم إلى ريف مدينة البوكمال بريف الدير الزور الشرقي والذي بات (معقلاً) رئيسياً لهم بعد سيطرة قوات النظام السوري وقوات قسد الكردية على غالبية مناطق التنظيم في سوريا، عزز من فرضية "أهداف النظام الخفية"، فكما هو معروف فإن النظام يعتمد على ضرب القوى المتناحرة بين بعضها في كل منطقة يريد اقتحامها بهدف إضعافها ثم السيطرة عليها بوقت وجهد أقل مما إذا كانت القوى المسيطرة عليها في حالة استقرار وجاهزية لمحاربته.

يقول الخبير العسكري العميد الركن "أحمد رحال" أن موضوع وصول تنظيم الدولة إلى أطراف السويداء هو من ضمن التكتيكات العسكرية التي يعدها النظام من أجل درعا لا من أجل السويداء، وأن الهدف الحقيقي هو خلط الأوراق في الجنوب وإيجاد مبرر لتدخل النظام عسكرياً في المحافظة" الخاضعة لاتفاقية "خفض تصعيد الجنوب" الموقعة بين روسيا والولايات المتحدة منذ أواخر العام 2017، مشيراً إلى أنه ورغم كافة الاحتمالات والمحاولات والسيناريوهات المفروضة من قبل النظام أو الروس، يكون مصير المنطقة مرتبطاً بما ستوافق عليه الأردن وإسرائيل وفق تعبيره.

يضيف في سياق إجابته عما إذا كان وجود داعش قرب السويداء له علاقة بإضعاف النفوذ الدرزي فيها: "الأمر تخطى الموضوع الدرزي ويتعلق بريف درعا والقنيطرة ويتعلق بالحدود مع الأردن ومعبر نصيب والحدود مع الجولان السوري المحتل"، مشيراً إلى أن وجود عناصر الدولة في مناطق جنوب الفرات وعلى حدود السويداء لا يشكلون مشكلة للتحالف بل لروسيا في الحقيقة وهذا ما سيدفع الأخيرة للقضاء عليهم وهذا سيكون مصيرهم، (لا مكان لهم في الجنوب وحل أنفسهم هو الطريق الوحيد لخلاصهم)".

وجود تنظيم الدولة على حدود السويداء خلق حالة من الهلع والذعر والسخط لدى سكان السويداء، محملين حكومة النظام مسؤولية استقدام (المصائب والتهلكة) إلى منطقتهم من جديد بعد فترة قصيرة من إنهاء وجود التنظيم في تلك المناطق وخاصة (بئر عطشان) والمنطقة الممتدة بين شرقي السويداء والتنف حيث القوات الأمريكية، فإعادة التنظيم إلى السويداء هو سيناريو جديد سيظهر فيه النظام بدور (البطل حامي الأقليات)، وهو ما سينعكس سلباً على أوضاع السويداء المحكومة من قبل شيوخ الطائفة الدرزية، لافتاً إلى أنه من المحتمل أن يستغل النظام وجود داعش بريف السويداء لإضعاف دور شيوخ العقل في السويداء، لا سيما وأنه فقد معظم صلاحياته هناك بوجودهم إضافة لعدم قدرته على تجنيد أي شاب من السويداء خارجها، على غرار ما فعل بشيوخ العشائر في البادية ومناطق دير الزور والرقة.

ورغم كل الاحتمالات المطروحة في المنطقة التي لا يسيطر تنظيم الدولة سوى على بضع قرى فيها، تبقى فرضية "الاستنزاف" واستغلال ضرب القوى ببعضها هي السائدة، إذ يرى الصحفي السوري ومدير تحرير صحيفة زمان مصدر "مرهف مينو" ، أن نقل عناصر تنظيم الدولة إلى الجنوب سيكون لاستنزاف عناصر فصائل الجيش الحر وهو إحدى الخطط التي وضعها النظام للسيطرة على درعا، وسيتحقق ذلك فيما لو تمكن عناصر الدولة بريف السويداء من شق الطريق ووصل منطقتهم بمناطق تنظيم "جيش خالد" بريف درعا الغربي والذي سبق أن أعلن بيعته لزعيم الدولة "أبو بكر البغدادي"، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه خلق كيان من الصعب هزيمته وسيكون هناك استراتيجيات جديدة وتقسيمات حديثة للمنطقة المقسومة بغالبيتها بين النظام والمعارضة.

وحول مصير عناصر التنظيم يوافق "مينو" ما أكده العميد "رحال" حول أنه لا مكان لهم في الجنوب، معبراً عن ذلك بالقول بأن عناصر التنظيم "سيذوبون في الصحراء فجأة ولن يكونوا ذوي تأثير على التحالف الدولي والقوات الأمريكية في التنف رغم قربهم منها"، معللاً ذلك بأن وجودهم سيكون مبرراً لاستمرار وجود القوات الأمريكية في المنطقة وهذا ما تطمح إليه واشنطن عملياً، علاوة على ذلك فإن المنطقة تحوي عشرات الغرف العسكرية التابعة للقوات الإيرانية في المنطقة الواقعة بين درعا والسويداء واحدة منها هي منطقة "تل الصفا" والتلال القريبة في ريف السويداء وهي التي انتقل لها التنظيم قبل أيام.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان