روسيا تريد الأمريكيين خارج سوريا لا الإيرانيين
ما يريده الروس من تطميناتهم المتواصلة للأمريكيين، بإبعاد الإيرانيين من سوريا، هو في الحقيقة محاولة لمواصلة الاستفراد بالساحة السورية، بعيدا عن الأمريكيين مقابل تطمين واشنطن، بأن موسكو تراعي مخاوفها و»سنعمل على تبديدها، ولكن إبقوا بعيدين».
بلا شك تدرك واشنطن أن روسيا تراوغ، لكن الحفاظ على شعرة معاوية مع بوتين، في بلد يتقلص نفوذ واشنطن فيه يوما بعد يوم، ليس بالفكرة السيئة، خصوصا أن الولايات المتحدة الأمريكية مارست هذه السياسة نفسها في العراق سابقا، بقبولها ومجاراتها لهيمنة إيران المتغلغلة شعبيا وسياسيا، فلم يكن حينها أمام المسؤولين الأمريكيين من خيارات عديدة، وجيشهم يتعرض لحرب من قبل فصائل التمرد السني، كما أوضح الحاكم الأمريكي بول بريمر، لاحقا في مذكراته، لذلك إن كانت أمريكا عجزت عن منع نفوذ ايران في بلد كانت تتمتع فيه بسيطرة كبيرة، وبوجود قوتها العسكرية كالعراق، فكيف يمكن لها منع هذا النفوذ في سوريا، حيث لا تجد موطئ قدم إلا شمالا، وهي في طريقها للانسحاب أيضا؟ وكيف تطلب من الروس ما عجزت عنه الولايات المتحدة في العراق قبل ذلك؟ قراءة تقرير بيكر هاملتون الذي تحدث فيه الأمريكييون عن أخطاء سياساتهم في العراق، قد يعطينا جزءا من الإجابة في سوريا. من الواضح أن الهدف الروسي المتمثل باستعادة نفوذ الاتحاد السوفييتي خلال حقبة الحرب الباردة مع الولايات المتحدة، يتحقق شيئا فشيئا، وسوريا أحد أهم مراحله، لكنه يتحقق الآن بوتيرة متصاعدة في الشرق الاوسط، من دون مقاومة كبيرة من الولايات المتحدة، بسبب تراجع القوة الأمريكية الملحوظ يوما بعد يوم في المنطقة، فهم يتجهون لتحقيق ما قاله برنارد لويس عن ضرورة البحث عن «خروج مشرف» من المنطقة إذا واصلت واشنطن إخفاقاتها.
الساسة الأمريكيون يعرفون أيضا ان موسكو تخادعهم وتبيعهم بضاعة هي لا تملكها أولا، وهي مجرد تحصيل حاصل في سوريا الأسدية ثانيا، فمن ناحية النقطة الاولى، تحدث كثير من المسؤولين الأمريكيين والسفراء السابقين في عدة مقالات في الأشهر الماضية، ولم تلق رواجا لدى القراء العرب، المقبلون كالعادة على انتقائية تناسب رغبويتهم، تحدثوا بشكل صريح عن أن روسيا لا تملك قدرة أو هيمنة على القرار الإيراني في سوريا، وأن دور موسكو هو شراكة مكملة وليس مهيمنة. وناقش محللون آخرون تفاصيل ذلك في مفاصل الدولة السورية عسكريا وأمنيا، لذلك لا تملك روسيا هذا الترف السلطوي لتعد الامريكيين بما لا تملك. أما النقطة الثانية، فهي أكثر مفارقة، فالخروج المادي لبعض المستشارين الإيرانيين في سوريا والميليشيات الموالية لهم، هو اصلا تحصيل حاصل بعد إنجاز مهمتهم التي دخلوا لأجلها، وهي استعادة مناطق المعارضة وتثبيت حكم الاسد، فلا وجود عسكري رسمي ايراني، إلا من خلال ضباط يقودون غرف عمليات عسكرية وأمنية، وميليشيات شيعية معظم افرادها ليسوا إيرانيين، مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، كل هؤلاء لن تكون حاجة لوجودهم بعد استعادة أدلب المفترضة نهاية العام الجاري، لكن النفوذ الإيراني الاكبر سيبقى في سوريا، وهو بشار الأسد، فما دام الاسد باقيا في دمشق فإن ايران باقية وبقوة في سوريا، فهو حليف طهران الذي قاتلت لسنوات من أجله، ودفعت بكل حلفائها لمؤازرته من العراق ولبنان، وهو ثمرة تماسك التحالف الايراني الشيعي الأقلوي في المشرق، وعلينا أن لا ننسى أن سوريا اصبحت اكثر قوة في لبنان بعد خروج جيشها، وليس خلال تواجد قواتها هناك، من خلال تنامي قوة حزب الله في لبنان، وكذلك إيران هي اكثر قوة في لبنان، من دون أن يكون لديها جندي ايراني واحد، لذلك فإن الحديث عن خروج لقوات أو شخصيات عسكرية نظامية ايرانية من بلدان كسوريا ولبنان، لا قيمة له في منطقة لا تعترف بالمقاييس التقليدية، حيث تحول مفاتيح الجنة على صدور الملايين من أتباع آيات الله في العراق ولبنان وشرق السعودية والبحرين واليمن، تحولهم إلى جنود مجندة لإيران غير مسجلين رسميا في القوات الإيرانية.