يجب على إسرائيل الاستعداد إن عادت إيران إلى الأسلحة النووية
في سبتمبر (أيلول) من عام 2012 عندما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقف على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، عرض أحد مظاهر المنتدى الدولي لفتاً للانتباه عندما أمسك بلافتة تحمل صورة قنبلة كرتونية، وقال: «في هذه الساعة المتأخرة، هناك طريق واحد فقط للحيلولة سلمياً دون حصول إيران على القنابل النووية، وذلك برسم خط أحمر واضح على البرنامج النووي الإيراني». ثم قام برسم خط أحمر على اللافتة التي يمسكها بيده تحت عبارة تقول: «المرحلة النهائية».
إنها الصورة التي ينبغي أن تظل ماثلة في أذهاننا مع مصير الاتفاق النووي الإيراني الذي أصبح على المحك.
يعد خطاب نتنياهو الذي ألقاه في الأمم المتحدة ذروة جهوده الدبلوماسية العامة لتعبئة المجتمع الدولي لاتخاذ الإجراءات ضد برنامج إيران النووي.
وكان التهديد الضمني واضحاً مثل الخط الأحمر الذي رسمه بيده: إن لم يتحرك العالم، فلن يكون أمام إسرائيل من خيار سوى توجيه الضربات العسكرية.
ومع توقيع الاتفاق النووي المؤقت بين القوى العالمية وإيران في العام التالي، لم يتحول تهديد نتنياهو إلى واقع قط.
ومع نظرة سريعة على أيامنا الحالية، ومع الانهيار المحتمل للاتفاق النووي الإيراني في غضون الأشهر القليلة المقبلة - ونتيجة لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق - ربما نشهد حزمة جديدة من التهديدات من جانب إسرائيل والولايات المتحدة بشأن استخدام القوة العسكرية ضد إيران. ويصدق هذا الأمر بصورة خاصة إذا ما قررت طهران استئناف العمل على إنتاج واستخدام اليورانيوم المخضب لديها بكميات معتبرة ومستويات من النقاء تماثل ما بلغته إيران قبل إبرام الاتفاق النووي.
ولا تزال الضربة الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية من الاحتمالات بعيدة الحدوث. فقد يثبت الجانب الأوروبي نجاحه في إنقاذ الاتفاق النووي. حتى وإن فشلوا في ذلك، فمن غير المرجح للجانب الإيراني الحصول على القنبلة النووية على نحو مفاجئ للجميع؛ حتى وإن فعلوا ذلك، فلا يزال أمامهم أكثر من عام كامل لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية المستخدمة في صناعة قنبلة نووية واحدة.
ولكن لا يمكن أن توجد هناك شكوك في وضعية إسرائيل الأفضل اليوم من حيث توجيه الضربة العسكرية الفعالة ضد المنشآت النووية الإيرانية، ومجابهة عواقب تلك الخطوة وتداعياتها، مما كان عليه الأمر بالنسبة إلى تل أبيب قبل ست سنوات مضت. ولا بد من أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار في الوقت الذي يزن فيه المجتمع الدولي وإيران ردة فعلهم على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران.
خلال السنوات الأولى من العقد الحالي، عندما كان يُنظر إلى الخيار العسكري بكل جدية من جانب الحكومة الإسرائيلية، شكك كثيرون في قدرة تل أبيب على توجيه الضربة العسكرية الفعالة التي قد تُلحق الأضرار الكبيرة المؤثرة في البرنامج النووي الإيراني.
وعلى النقيض من البرامج النووية السورية والعراقية، حيث كانت ضربة وحيدة ضد منشأة واحدة كفيلة بإنهاء الأمر برمته والقضاء التام على القدرات النووية لكلا البلدين، فإن البرنامج النووي الإيراني يتألف من عشرات المواقع المنتشرة في طول البلاد وعرضها، وأحدها أكبر من فرنسا وألمانيا وإسبانيا مجتمعة ويقع على مسافة ألف ميل من إسرائيل.
وعلاوة على ما تقدم، فالمنشآت النووية الإيرانية الرئيسية لا تخضع فقط لحماية أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، وإنما هي فائقة التحصين بشكل كبير.
ولهذا السبب، قدر المحللون العسكريون أن الهجوم الفعال سوف يستلزم موجات متكررة من الغارات الجوية، التي قد تستمر لعدة أيام متتالية، مما يتطلب من المقاتلات الإسرائيلية معاودة الذهاب والإياب لعدة آلاف من الأميال لأجل إعادة التزود بالوقود وإعادة التسلح. وبالتالي سوف تكون عملية عسكرية عسيرة وعالية التعقيد حتى بالنسبة للقوى العظمى.
والأكثر منذ ذلك، من شأن هذه الضربات الجوية أن تثير ردود فعل انتقامية وعنيفة من جانب «حزب الله»، الوكيل الإيراني في لبنان، بما في ذلك إطلاق الآلاف من الصواريخ والقذائف ذات المدى الذي يغطي كل أرجاء إسرائيل. وفي ذلك الوقت، لم تكن لدى إسرائيل أنظمة الدفاع الفعالة لمواجهة هذا التهديد الصاروخي الواسع المجال.
ولقد دخلت «القبة الحديدية»، وهي نظام الدفاع الجوي المصمم لاعتراض الصواريخ بمدى يبلغ 60 ميلاً، مرحلة التشغيل الفعلي ابتداء من عام 2011 فقط. ولم يكن تطوير نظام «ديفيد سلينغ» الدفاعي - المصمم لاعتراض الصواريخ بمدى يصل إلى مائتي ميل، والمطلوب للحماية من ترسانة صواريخ «حزب الله» اللبناني التي تهدد تل أبيب وكثيراً من المواقع الاستراتيجية الأخرى والبنية التحتية الوطنية - قد بلغ مراحل متقدمة بعد.
وأخيراً، فإن عواقب أي ضربة إسرائيلية ضد إيران لن تشمل نشوب حرب طويلة مع «حزب الله» فحسب، وإنما تشمل كثيراً من الإدانات الدبلوماسية القوية من الخارج. ولسوف تحتاج إسرائيل إلى الاحتماء بالمظلة الدبلوماسية الأميركية للتعامل مع كثير من المبادرات العدائية داخل مجلس الأمن، فضلاً عن المساعدات العسكرية العاجلة التي تمكنها من الصمود في الصراع الطويل الأجل ضد «حزب الله». ومن غير المؤكد تماماً أن إدارة باراك أوباما السابقة كانت على استعداد لتوفير مثل هذا الدعم والحماية.
أما اليوم، فإن الأمور قد اختلفت كثيراً عن ذي قبل؛ فلقد حازت إسرائيل وضعية جيدة للغاية من كل سبيل يمكنها من تنفيذ هذه الضربات الجوية والتعامل مع عواقبها.
ومن الناحية العملانية، فإن التحسن في العلاقات بين إسرائيل وبعض دول المنطقة، على مدى السنوات القليلة الماضية، يفتح المجال أمام مجموعة كاملة من الإمكانات لسلاح الجو الإسرائيلي.
وعلى الصعيد العسكري، حققت إسرائيل وثبة هائلة خلال السنوات الأخيرة على صعيد قدرتها على توصيل المزيد من القنابل، بصورة أكثر دقة، وضد المزيد من الأهداف، وفي فترة زمنية معينة. وعلاوة على ذلك، أعلنت إسرائيل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن دخول أسطولها من المقاتلات الأميركية الحديثة طراز إف - 35 الخدمة الفعلية في الجيش الإسرائيلي. ولا يزال هذا الأسطول صغيراً نسبياً من حيث عدد الطائرات، إذ لا يتجاوز 12 مقاتلة فقط، ولكن إسرائيل تخطط للحصول على سربين كاملين آخرين بحلول عام 2024.
وصحيح أن الإيرانيين قد عززوا من قدراتهم الدفاعية أيضاً، حيث تسلموا بطاريات إس - 300 الدفاعية الروسية المتطورة، التي اتخذت مواقعها حول المرافق الاستراتيجية في البلاد. ومع ذلك، تعتقد إسرائيل أنه بإمكانها التغلب على هذه الدفاعات الجوية حتى من دون الحاجة إلى استخدام مقاتلات إف - 35 الخفية، فضلاً عن استخدامها فعلاً.
ومما يُضاف إلى ذلك، أنه من المرجح أن توافق إدارة الرئيس ترمب - بعكس البيت الأبيض في عهد الرئيس أوباما - على تزويد إسرائيل بالقنابل المدمرة للمخابئ الجبلية التي تعتبر ضرورية في تدمير العناصر الرئيسية من البرنامج النووي الإيراني، وعلى وجه التحديد منشأة (فوردو) لتخصيب اليورانيوم التي توجد على بعد عشرات الأمتار تحت سطح الأرض بالقرب من أحد الجبال في إيران.
وإسرائيل في مركز أفضل اليوم من حيث التعامل مع تداعيات مثل هذه الضربات. أولاً، من المؤكد أن إدارة الرئيس ترمب سوف توفر الحماية الكاملة لإسرائيل داخل مجلس الأمن الدولي، في الوقت الذي توفر فيه أيضاً كل ما تحتاج إليه إسرائيل للمحافظة على العملية العسكرية الطويلة الأجل.
ثانياً، في حين أنه يمكن لإسرائيل تكبد بعض الأضرار الكبيرة نتيجة صواريخ «حزب الله» الكثيرة، فإن القدرات المثبتة والانتشار الموسع لبطاريات «القبة الحديدية» الدفاعية، جنباً إلى جنب مع نظام «ديفيد سلينغ» الدفاعي الحديث الذي دخل الخدمة الفعلية، يجعل من الاستعداد الإسرائيلي عند أعلى مستوياته عما كانت عليه الأمور قبل بضع سنوات.
ولا يُفهم من ذلك أنه لمجرد أن إسرائيل قد حققت وضعيات أفضل على عدة أصعدة تتيح لها الهجوم العسكري على إيران أنها سوف تنفذ هذا الهجوم حتماً، فلا تزال الفرص قليلة ومتدنية لمثل هذا الهجوم في الآونة الراهنة.
وهناك كثير من القيود الداخلية ومثلها من العوامل الخارجية التي من شأنها منع إسرائيل من توجيه مثل هذه الضربات في خاتمة المطاف، أو حتى تحولها إلى مجهود عسكري زائد على الحاجة (مثل الضغوط الدولية التي تجبر إيران على الالتزام بضبط النفس).
وعلى الرغم من أن القدرات الإسرائيلية المحسنة تسمح لرئيس وزراء البلاد باتخاذ مقاربة أكثر عدائية إزاء طهران، إن احتدمت الأمور وساءت عما هي عليه، فإن توقعات نجاح الضربة العسكرية سوف تكون أعلى بكثير مما كان عليه الأمر مع تلك اللافتة الكرتونية في الأمم المتحدة.