"مناطق تخفيف التصعيد".. آمنة؟
"مناطق تخفيف التصعيد".. آمنة؟
● مقالات رأي ٨ مايو ٢٠١٧

"مناطق تخفيف التصعيد".. آمنة؟

تحبّذ الأمم المتحدة استخدام تعبير "مناطق وقف التصعيد" على مصطلح "المنطقة الآمنة" حيث إن تجربتها بين عامي 1993 و1995 في سيريبرنتشا شرق صربيا كانت كارثية. مجزرة بحق آلاف المسلمين ارتكبها الجنرال الصربي ملاديتش تحت مرأى القوات الهولندية – الأممية التي كان واجبها حفظ أمن المواطنين آنذاك... وقد فشلت حينها. واستذكر المجزرة صراحة المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة استيفان دوجاريك، أثناء إبداء الموقف الأممي من اتفاق أستانا 4.

لكنّ ما تفضله الأمم المتحدة من تسمية على أخرى، إنما يختلف في المضمون والتعريف والوظيفة. فلم تعد المسألة مسألة تسميات ومصطلحات بل تتعادها بتداعياتها الآنية والمستقبلية. اتفاق أستانا 4 الذي انتهى بالإعلان عن وقف التصعيد في المناطق الأربعة يحمل في طيّاته تفاصيل سياسية وعسكرية أكثر من "حمامة سلام" ترفرف في أجواء سوريا المأزومة.

الفرق بين المصطلحين جوهري. فـ"المنطقة الآمنة" هي منطقة لا يتم فيها إطلاق رصاصة واحدة ويعيش فيها المدنيون بأمان وتتم حمايتهم عبر طرف ثالث بغطاء أممي، ويفرض في أجواء هذه المنطقة حظر للطيران.

أما منطقة وقف التصعيد، فهي تعمل على الحدّ من الاشتباكات والحدّ من تحليق الطيران وتخفيض وتيرة العمليات على أن تكون هناك حواجز أمنية فاصلة بين طرفي النزاع عادة داخل المناطق عبر طرف ثالث (على الأرجح روسيا، التي هي أصلا طرفا بالنزاع) كما يتم وضع لجنة مراقبين لوقف التصعيد، لا لمنعه أو منع حدوثه.

طبعاً، كانت الأمم المتحدة لترحّب بالتوصّل إلى أيّ اتفاق يحمل عنواناً أكثر إيجابية من الوضع الحالي ولو بالشّكل. فدورها "الداعي إلى إحقاق السلام" يتحتّم عليها الترحيب بأي اتفاق يحمل في طياته تخفيض التوتر.

العنوان رنّان وجذّاب، ولا يمكن المبادرة إلى رفضه دولياً وإعلامياً بدون حجة قوية لأيّ من الدول. وهنا تُطرح تساؤلات حول هذا الاتفاق وظروفه ونجاعته.

روسيا بهذه النتيجة، كلّلت مساعيها في لعبة الأمم للتوصل إلى "اتفاق" في أستانا، لو بعد أربع دورات. وهذا الاتفاق الذي استبعد أو استبعدت نفسها منه واشنطن وحضرته بصفة مراقب، كرّس الوجود الروسي بسوريا.

كما أنّه ثبّت وضعا عسكريا قائماً، وعلّق بعضاً من هذه الحرب لفترة من الوقت. ولكنّ اختيار المناطق الأربعة ليس اعتباطياً، كما أنّ مصادر في المعارضة ـ والتي ترفض هذا الاتفاق ـ تؤكد أن الخرائط حول تقسيم المناطق أحاديّة وتفصّلها روسيا على مقاس مصالحها والتي تمرّ بالنظام.

ففي درعا، أعطى الاتفاق راحةً للنظام بأنّ العمليات الهجومية ضد مواقعه جنوب سوريا ستتوقف.

وفي دمشق، فإنّ الهجوم المباغت الذي شنته الفصائل المعارضة والتي اقتربت فيه فعليا من العاصمة في الشهور الأخيرة، لن يتكرّر بتطبيق هذا الاتفاق.

أما إدلب، فهي أصلا بمعظمها خارج سيطرة النظام وتم ضمها لهذه المحافظات لإعطاء بعض من "الصدقية" وإظهاره على أنه غير "أحاديّ المصلحة".

كما أنّ الإيرانيين وقّعوا على هذا الاتفاق وهم طرف أساسي في الحرب.. وفيما المكاسب السياسية لإيران منه غير معلومة بعد، وغير واضحة... فإنّ ذلك يُرجّح نظرية المكاسب العسكرية كالتي تمت الإشارة إليها في الفقرة السابقة من هذا المقال. وبالتالي يتقاطع ذلك مع تصريحات المعارضة بأنّ هذا الاتفاق هو "انتصار عسكري للنظام". وما يعزّز هذه الفرضيّة أكثر من غيرها، هو أنّ النية من اتفاق أستانا ليست بإنهاء الحرب بل بتعليقها، وإلا كان ليكون الاتفاق على كامل الأراضي السورية وليس انتقائياً وفق الخطة الميدانية. إضافة إلى أنّ الساعات الأولى من دخوله حيّز التنفيذ شهدت سلسلة خروقات (بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان) عبر براميل متفجرة وقذائف صاروخية ومدفعية في ريف حماه الشمالي واشتباكات على أكثر من محور، كما قصف في شرق دمشق، وفي ريف حلب الشمالي.. بين النظام وحلفائه من جهة والفصائل المعارضة من الجهة الأخرى (ولم يكن القصف والمعارك يستهدف داعش لإيجاد مبررات).

أما أنقرة، فيزداد الشرخ بينها وبين واشنطن ويلتئم تباعاً مع موسكو. قضية إسقاط الطائرة الروسية تم حلّه، أما الأوضاع مع الأميركيين فتزداد تعقيدا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة ورفض واشنطن تسليم فتح الله غولن، وما تلاه من دعم أميركي متزايد لقوات سوريا الديمقراطية ورفض أنقرة الشرس له (بسبب موقفها من الأكراد)، وصولا إلى اللقاء الأخير بوتين - أردوغان.

بالخلاصة، فإنّ استبعاد مصطلح "المنطقة الآمنة" واستخدام "مناطق خفض التوتر ووقف التصعيد" إنما يشير إلى وضوح البعد السياسي – العسكري للاتفاق، الذي لا يصبّ إلا في مصلحة محور عرّابي "أستانا". والشرح يكمن في التسمية وتفاصيلها.

المصدر: العربية الكاتب: بديع يونس
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ