لقاء ترامب وبوتين المرتقب
رغم أن عواصم العالم تترقب لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة العشرين، المزمع انعقادها الأسبوع المقبل في مدينة هامبورج الألمانية، إلا أن اللقاء بحد ذاته، حتى لو كان إيجابياً، لن يؤدي على الأرجح إلى تحولات كبرى في أي من الملفات الدولية.
فعواصم العالم تترقب اللقاء لأنه يأتي في أجواء ملتهبة في أقاليم شتى، لأميركا وروسيا دور في أغلب ملفاتها لكن اللقاء يتم أيضا بين زعيمين لم تتحسن العلاقة بين بلديهما بقدوم ترامب للحكم، كما كان متوقعاً، بل على العكس وصل التوتر لمستويات خطيرة في الأسابيع الأخيرة.
فترامب الذي كان قد أعلن أثناء الحملة الانتخابية أنه سيسعى لتحسين العلاقة مع روسيا وصرح بإعجابه الشخصي بالرئيس بوتين لم تتغير سياسة بلاده كثيراً عما كانت عليه في عهد أوباما تجاه موسكو.
ففي الأسبوع الماضي مثلا، فرضت وزارة المالية الأميركية المزيد من العقوبات على روسيا بسبب الموقف في شرق أوكرانيا. وهو ما تبعه إلغاء روسيا للاجتماعات الثنائية بين مسؤولي البلدين التي كان مزمعاً عقدها في بيطرسبرغ بهدف البحث في تحسين العلاقات، متهمة واشنطن بأنها تبدد فرص التعاون.
وقد أدى صدور تلك العقوبات الجديدة إلى تراشق بالتصريحات بين البلدين بشأن الوضع في أوكرانيا يؤكد على أن سياسة الولايات المتحدة بالنسبة لجزيرة القرم لم تتغير، رغم تصريحات ترامب كمرشح للرئاسة والتي كانت تسير في الاتجاه المعاكس.
والتوتر بين موسكو وواشنطن لم ترتفع حدته فقط في أوكرانيا وإنما أيضا في سوريا وبحر البلطيق. ففي المشهد السوري، كانت آخر حلقات التوتر هي التحذيرات المتبادلة التي بدأت بذلك الذي وجهه البيت الأبيض لقوات الأسد بعواقب وخيمة «إذا ما شنت قصفاً كيماوياً»، فتلاه تحذير روسي للولايات المتحدة بقصف طائراتها إذا ما استهدفت قوات النظام السوري.
لكن لعل الأخطر في التوتر الجاري هو ما وقع من مواجهات جوية فوق بحر البلطيق بين طائرات روسية وأميركية كان أكثرها خطورة عندما اقتربت مقاتلة من طراز إف 16 تابعة للناتو من طائرة كانت تقل وزير الدفاع الروسي فاقتربت طائرة حربية روسية من طائرة ناتو.
والأرجح ألا يغير لقاء ترامب بوتين أياً من ذلك، والسبب ببساطة أنه فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا، يقف ترامب وحده في مواجهة جل المؤسسات الأميركية.
فكما صار معلوماً للكافة فإن أجهزة الاستخبارات الأميركية تتخذ موقفاً متشدداً من روسيا وتتهم الحكومة الروسية بأنها تدخلت إلكترونياً للتأثير في مجريات الانتخابات الأميركية. وقد أدت تداعيات الموقف لتعيين محقق مستقل لبحث تلك القضية تحديداً. والكونغرس، الذي يتمتع فيه حزب الرئيس بالأغلبية، لا يقف في صف الرئيس فيما يتعلق بالعلاقة مع الروس.
فعلى عكس الرئيس الذي لم يقل صراحة حتى الآن أنه يؤمن بما تقوله أجهزة استخبارات بلاده بشأن تدخل موسكو في الانتخابات الأميركية فإن أغلب أعضاء الكونغرس الجمهوريين، قبل الديمقراطيين، يتخذون موقف تلك الأجهزة بل وتوجد تحقيقات داخل الكونغرس نفسه بخصوص تلك القضية يقودها الجمهوريون، كونهم حزب الأغلبية.
بل أن مجلس الشيوخ كان قد أصدر قبل أسابيع وبأغلبية ساحقة مشروع قانون يقنن العقوبات على روسيا التي كان أوباما قد فرضها قبل رحيله بقرار تنفيذي. لكن مشروع القانون لا يزال يلقى محاولات من جانب حلفاء ترامب في مجلس النواب لتخفيف حدته.
حتى ركس تيلرسون، الذي كان في صف الرئيس بخصوص روسيا، غير موقفه ليس فقط لأنه يشعر بتهميش دوره في صنع القرار كوزير للخارجية لصالح زوج ابنة الرئيس جاريد كوشنر وإنما بسبب ما ترتب على اللقاء الذي اجتهد لعقده في البيت الأبيض بين ترامب ووزير الخارجية الروسي.
فبينما تم منع الإعلام الأميركي من حضور اللقاء، نشر الروس صوراً من داخل المكتب البيضاوي التقطها إعلاميون روس دون إذن مسبق. ليس ذلك فقط بل تبين لاحقاً أن ترامب تحدث في ذلك اللقاء مع الروس عن إطاحته بمدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، وعن معلومات سرية في مجال مكافحة الإرهاب، الأمر الذي أحرج تيلرسون.
حتى مجلس الأمن القومي، والذي يتبع الرئيس مباشرة، فإنه على ما يبدو يتخذ المواقف نفسها التي تتخذها باقي المؤسسات الأميركية. فقد برزت معلومات عشية اجتماع الرئيسين في قمة العشرين نشرتها الغارديان في تقرير لها مؤداها أن ترامب طالب مساعديه بالبيت الأبيض بإعداد قائمة تنازلات يمكن استخدامها في ذلك الاجتماع في إطار مقايضة الروس بشأن قضايا أخرى.
لكن الطلب، وفق الغارديان، لقى مقاومة شديدة ليس فقط بين المسؤولين في مجلس الأمن القومى، وإنما في وزارتي الخارجية والدفاع، حيث يخشون أن يقدم ترامب مثل تلك التنازلات دون مقابل.
وفى مثل هذه الأجواء، كان طبيعياً ألا تتم دعوة بوتين حتى الآن لزيارة البيت الأبيض أو تحدث تحولات إيجابية في العلاقات بمجرد لقاء ترامب وبوتين.