غوطة دمشق بلون الدم
جاء دور الغوطة. كل من اعتقد أن روسيا تريد الحل السياسي في سورية، وأن خطواتها في تخفيض التصعيد كانت من أجل ذلك، عليه الآن أن يكتشف وهمه، وأن يتلمس كم آذى الثورة. ينطلق جوهر الإستراتيجية الروسية من سحق الثورة، وتدمير كل مواقعها، وهذا يتوافق مع إستراتيجية إيران والنظام، على الرغم من أنهما يعزوان "الانتصارات" لقواتهما وليس للقوات الروسية، ليس بالطيران فقط، بل بقيادة عمليات وجنود ومرتزقة أيضا. ويتفرّغ وزير الدفاع الذي يمتلك مخططاً لتحقيق هذا "الانتصار الكبير"، سيرغي شويغو، لهذا الغرض. لكن المشكلة أن قوات النظام المتبقية وقوات إيران وأدواتها لم تكن قادرة على الحسم، حتى بحماية الطيران الروسي، كما ظهر في الأشهر الأولى من التدخل الروسي. لهذا، عاد الروس إلى خطة النظام وإيران، بتقطيع مناطق الثورة وحصارها بأقسى ما يمكن. وكانت قوات النظام وإيران قد فشلتا، على الرغم من ذلك في السيطرة على أي من هذه المناطق المحاصرة. لكن، نتيجة عدم وجود قوات قادرة على الحسم، لجأت روسيا إلى سياسة "مناطق تخفيض التصعيد"، حيث اقترحت أربعة ثم ارتفعت إلى سبعة. ولقد دفعت لتحريك جبهة النصرة للسيطرة على بعض هذه المناطق، خصوصاً في الشمال الغربي (إدلب وريفها) التي نجحت في السيطرة على مناطق واسعة، هي التي سلّمت معظمها لقوات النظام وإيران وروسيا، مع بدء الهجوم على ريف إدلب الشرقي. وما زالت تلعب بهذه الجبهة في تلك المنطقة.
"تهدئة الجبهات" في الجنوب السوري، وريف دمشق، وريف حمص، وريف حماة الجنوبي، وإدلب وريفها، سمح لروسيا التي تريد حسم الصراع بالقوة الاستفراد في هذه المناطق، واحدة وراء أخرى. فهي تستطيع، بهذه الإستراتيجية، تجميع قوى عسكرية كافية كما تعتقد. وبالتالي، تستطيع السيطرة على هذه المناطق واحدة بعد الأخرى. هذا ما فعلته في حلب، لكن بعد صفقة مع تركيا أضعفت إمكانية الدفاع عنها، وقامت به قبل ذلك في داريا ووادي بردى والمعضمية وغيرها. ولهذا، لم تكن مستغربة إشارة وزير الخارجية، سيرغي لافروف، إلى تطبيق ما جرى في حلب في الغوطة.
يتعلق الأمر هنا بفهم منظور روسيا القائم على حسم الصراع بالقوة، وإخلاء المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام من سكانها، وتدميرها قبل ذلك، وهو منظور النظام وإيران أيضا، فعلى الرغم من أن روسيا فاوضت "جيش الإسلام" في أستانة فهي تتعامل معه باعتباره مجموعة إرهابية، وكذلك كل من تمرَّد على النظام وأراد التغيير، بينما تتخذ جبهة النصرة، كما كانت تتخذ "داعش"، شماعة من أجل تحقيق ذلك. فقد سلمت "داعش" بادية تدمر مناطقها بعد أن انتهت مهمتها، وسلمت جبهة النصرة جزءاً من مناطقها في ريف إدلب، بعد أن بات النظام بحاجة إلى استرجاعها، وهكذا. و"داعش" وجبهة النصرة اللتان تسيطران على مخيم اليرموك والحجز الأسود وغيرها من المناطق في جنوب دمشق بعيدتان عن أي هجوم.
إذن، جاء دور الغوطة، حيث يجب أن تعود إلى سيطرة النظام، بعد أن يكتمل تدميرها وتهجير ساكنيها. أتحدث عن روسيا، لأنها التي باتت تقرّر كل شيء في سورية. ولهذا كان سيرغي شويغو هو الذي أعلن وقف إطلاق النار ساعات (مخالفاً قرار مجلس الأمن)، وهو الذي يفاوض، والذي يهدئ أو يقصف، وطائراته الأحدث يتم تجريبها على رؤوس أهالي الغوطة، فهل هناك أفضل من هذا المكان لتجريب سلاح جديد؟ ولقد أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وكبار قادة في جيش بلاده عن تجريب أكثر من مائتي سلاح جديد على رؤوس السوريين، فقط ليتأكدوا أنهم يبنون جيشاً جديراً بإمبريالية ناهضة، تستحق أن ترث الإمبريالية الأميركية.
ما يتناساه الروس، كما النظام وإيران، أنه ليس من الممكن سحق الثورة، وكل حديث عن انتصار هو وهم، فقد ظنّ النظام أنه سينتصر وحده وفشل، وظنت إيران أنها سوف تنتصر له وفشلت، حتى روسيا ستلاقي المصير نفسه.