
شهيد مجهول الهوية .. كم من الآلام سيجنها الشعب السوري لعقود
تتناثر الصور لاجساد ممزقة ، ووجوه باهتة بلا روح ، وفوقها تمر عبارة سريعة "شهيد مجهول الهوية .. نرجوا ممن يعرفه التواصل معنا" ، هي جملة تحمل مرارة لايمكن وصفها لأهل هذا الشهيد أو ذلك أو تلك ، فتشظي السوريون و تشتت العوائل حوّل معرفة مصير المتناثرين قضية في غاية الألم و التعقيد ، و قد تحتاج لأجيال لتندمل ، وسنوات طويلة من انتظار من لن يأتي .
لايمكن حصر حجم الأذى الذي لحق بالشعب السوري نتيجة ، مطلبه البسيط "الحرية" ، لينتقل إلى فصل لم يشهد له التاريخ مثيل ، فصل أتى على كل شيء و دمر كل شيء ، حتى بذرة الأسرة الأساس في أي مجتمع باتت غير موجودة ، وبات أعضائها بين قتيل و جريح و مهجر و نازح و مفقود إما في غياهب المعتقلات أو في قوائم الشهداء المجهولين .
وتعجز المؤسسات التوثيقية عن تقديم نتيجة شبه حقيقية أو تصل لحد ٥٠٪ من الواقع المرير ، الذي يبدو أنه سيبقى جاثماً حتى لو انتهت الحرب في الغد و عاد المهجرون جميعاً من غرب و شرق و شمال و جنوب الأرض إلى سوريا .
نحن اليوم أمام مجموعة من القوائم التي لايعرف محتواها ، منها ما يشير إلى مفقود في طريق اللجوء ، إلى تائه بين المناطق المتنوعة ، إلى شهداء مجهولي الهوية ، أو الغائبين في ظلام المعتقلات .
قوائم لانملك أسماء فيها و لا حتى معلومات ، قد يكون منتهى أو أفضل ما نملك صورة لوجه متآكل من الجروح أو القروح ، غائر المعالم من الجوع و التعذيب أو آلام مخاض خروج الروح .
خلف هذا القوائم و الصور يوجد آلاف العوائل التي تعيش على قارعة الانتظار ، و لكنه انتظار بلا موعد ، انتظار بلا واعد ، و كل ماهنالك انتظار لاغير .
هذا المشهد المآساوي يضرب ذاكرتي للعودة إلى عقود مضت و تحديداً إلى مجزرة حماه ، عندما غيب نظام الأسد الآلاف من السوريون في أماكن مجهولة و غير ممكنة الوصول ، و احتاجت حماه أكثر من ٣٠ عاماً حتى أيقن أهلها أن الانتظار لم يعد مجدي ، و التسليم بأن الغياب سيكون نهائي ، و كثيرٌ منهم لازال مصراً على الوقوف خلف الباب بانتظار ذلك الغائب رغم موت المُغيب و السجان ، و لكن للسجين حياة أطول في عقل المنتظرين .
حماه هكذا مع عشرات الآلاف القليلة التي غابت ، فكيف الحال في سوريا التي فقدت مئات الآلاف ليس في مكان بعينه ، و إنما في كرة أرضية بأسرها .