سورية كحقل تجارب للأسلحة الروسية
لا أخلاق في سياسات الدول العظمى، فكم بالحري إذا تعلّق الأمر بالحروب وعلى وجه الخصوص تلك التي تنشب في ساحات بعيدة. في هذه الحال تكون المصالح هي سيّدة الموقف. والمصالح، مهما تمّ تغليفها بكلام معسول، هي مصالح اقتصادية في نهاية المطاف. أمّا الشعوب ومصائرها فليست بذات بال في حسابات الربح والخسارة لدى واضعي السياسات في أروقة الدول العظمى.
لننظر، على سبيل المثال، إلى تصريح الجنرال الروسي، فلاديمير شامانوف، في البرلمان الروسي مؤخّراً. فقد أشار هذا الجنرال إلى أنّ الجيش الروسي دفع إلى ساحات القتال في سورية بـ200 نوع من الأسلحة الروسية الجديدة لإجراء التجارب عليها. ثمّ أضاف هذا الجنرال أنّ هذه التجارب قد أثبتت نجاعة وفعالية السلاح الروسي. وهو الأمر الذي سيزيد مبيعات السلاح الروسي في العالم وسيدفع بالاقتصاد الروسي قدماً. وإذا علمنا أنّ الاقتصاد الروسي يتأسّس على الصناعات العسكرية فقط، فليس لدى روسيا ما تصدّره إلى العالم سوى هذه السلع العسكرية فمعنى ذلك أنّ الحرب الروسية في سورية هي فرصة يستغلّها القيصر الروسي لاختبار الأسلحة الروسية الجديدة. وما ينطبق على روسيا في هذا المجال ينطبق على أميركا وسائر الدول العظمى، فكما ذكرنا، لا أخلاق في السياسة.
هكذا أضحت الحال السورية بتعقيداتها الطائفية والدينية مسرحاً للتجاذبات وشدّ الحبل وحقل تجارب لكلّ القوى الإقليمية والدولية. أمّا الزعامات العربية التي تدعو «المجتمع الدولي» إلى التدخّل لوضع حدّ للمأساة السورية، فإنّما تعبّر بهذه التصريحات عن فشلها القومي الذريع في تدارك ما يجري في ساحاتها العربية.
فلو كان هنالك شيء اسمه «عروبة» ذات أواصر قوية بحقّ وحقيق، لما دعا هؤلاء وأمثالهم «المجتمع الدولي» إلى التدخّل لوضع حدّ لهذه المذابح والمجاز. ولو كان هؤلاء عرباً حقيقيّين لهم أواصر تجمعهم لتدخّلوا هم لوضع حدّ للمذابح التي تُرتكب بحقّ أبناء جلدتهم. أليسوا زعماء يقفون على رأس دول ولديها جيوش جرّارة؟ فما بالهم، والحال هذه، يقفون مكتوفي الأيدي ويطالبون «الغرباء» من المجتمع الدولي أن يتدخّلوا لحلّ مشاكلهم هم؟ ولماذا لا يفعلون ما يطالبون المجتمع الدولي القيام به؟
ثمّ لاحظوا الفرق بين سلوك العالم الآخر مع اللاجئين الذين طرقوا أبوابه وبين سلوك العرب مع لاجئين يُفترض أنّهم أبناء ملّتهم. ألا ترى، عزيزي القارئ، أنّ مخيمات اللاجئين موجودة فقط في بلاد العرب والمسلمين. انظر إلى الملايين التي نزحت إلى أوروبا، فكلّ هذه الملايين لا تعيش في مخيمات لاجئين، وإنّما يتمّ استيعابها في المدن الأوروبية فتصبح جزءاً من المواطنين. فقط في بلاد العرب والمسلمين، الأردن، لبنان، تركيا وغيرها يتكدّس العرب في مخيّمات مزرية. فماذا يعني هذا؟ إنّه يعني شيئاً واحداً، وهو أنّ العرب والمسلمين لا يستوعبون لاجئين بخلاف سائر الشعوب الأوروبية، وهي الشعوب «الكافرة» بنظر الأيديولوجيات التي رضعوها وترعرعوا عليها.
ألا تعني هذه الحال التي يراها القاصي والداني أنّ ما يُسمّى اصطلاحاً «عروبة» هو مجرّد أوهام لا تستند إلى أيّ أساس متين؟ ثمّ عندما يستعين نظام يدّعي العروبة، كالنظام السوري مثالاً، بطيران أجنبي روسي للفتك بمن يُفترض أنهم «مواطنوه» أو «أبناء شعبه»؟ ألا يعني ذلك أنّ هذا الذي يُفترض أنه شعب واحد ليس كذلك بأيّ حال؟
إنّ هذه الحقائق التي تتكشّف أمام ناظرينا تدعو العربي الذي لا يزال يملك ذرّة كرامة إنسانية أن يخجل من انتمائه إلى هذه الأمّة البائسة وزعاماتها على اختلاف مشاربها التي طالما أشبعته بالشعارات الفارغة. إنّها عقود طويلة من علك لشعارات لم تقدّم شيئاً للمواطن العربي، فماذا كانت حصيلة هذه الشعارات بعد كلّ هذه العقود؟ لقد أضحى العرب شراذم بشرية لا يجمعها شيء، تهيم على وجهها في عالم من التصحّر السياسي والاجتماعي والثقافي والأخلاقي.
لقد أضحت الجغرافيا العربية مختبراً تجري فيه الدول العظمى تجاربها، وأضحى العرب حيوانات مختبرية تهيم على وجهها فلا تعرف سبيلاً للخروج من أزماتها. هذه هي الحقائق جلية وعلى الملأ ولا يمكن كنسها وإخفاؤها تحت البساط.