"سورية الديموقراطية" إلى حضن النظام
بذل القيادي الكردي في حزب الاتحاد الديموقراطي، صالح مسلم، جهودا كي يكون من ضمن وفد المعارضة السورية في جولات جنيف منذ البداية. وحين رفضت المعارضة طلبه، ووقفت ضد رغبته، ذهب أكثر من مرة إلى هناك، ليواكب المفاوضات من خلال الكواليس. وفي أكثر من مرة، حاول الروس أن يضموه إلى المعارضة، مثلما فرضوا قدري جميل، لكن جواب المعارضة كان دائما بالرفض، وهناك من اعتبر مكانه الطبيعي داخل وفد النظام.
في ذلك الوقت، وتحديدا في اكتوبر/تشرين الأول 2015، تم تأسيس "قوات سورية الديموقراطية"، وعرّفت عن نفسها بأنها "تحالف كردي وعربي وسرياني وأرمني وتركماني، يسعى إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية، وإنشاء سوريا ديمقراطية علمانية"، وبعد فترة قصيرة، تبيّنت "تبعيتها" لحزب الاتحاد الديموقراطي الذي يعتبر الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، وغلبة العنصر الكردي على بقية المكونات في العدد وسلطة القرار، وكانت القوة العربية الوحيدة من حيث العدد هي "قوات الصناديد" التي يقودها حميدي دهام الجربا من قبيلة شمّر الذي تولى منصبا اعتباريا (الرئاسة المشتركة لمشروع الإدارة الذاتية)، وصدر عنه تصريح لافت في أحد المؤتمرات، يدعو رأس النظام السوري بشار الأسد إلى زيارة الحسكة حتى "يرى ما تم تحقيقه من إنجازات"، وفق تعبيره، مخاطبا إياه بـ"السيد الرئيس".
يبدو أن الجربا استبق الأحداث لعدة سنوات، وربما كان مطّلعا على ما يدور في الخفاء من ترتيبات، بعيدة كل البعد عما جرى في العلن، وتؤكّد كل المؤشرات أن أسرارا كثيرة سوف تتكشف، بعد أن صارت المفاوضات والزيارات تتم بصورة علنية، لوفود "قوات سورية الديموقراطية" إلى دمشق، وجاء الحديث، قبل أيام قليلة، عن إمكان انضمامها للجيش السوري، حسب تصريح لرئيسة الهيئة التنفيذية لـ"مجلس سوريا الديموقراطية"، إلهام أحمد، رجّحت فيه انضمام هذه القوات إلى الجيش السوري النظامي.
وفي الوقت الذي شدّدت مصادر كردية على أن انضمام هذه القوات إلى الجيش النظامي مرهون بالتسوية النهائية، والمفاوضات الجارية بين الطرفين، فإن هذه الخطوة سوف تشكّل سابقةً في حال حصولها، لأنها ستكون القوة الوحيدة التي يقبل جيش النظام السوري انضمامها إليه. وعلى الرغم من أن النظام أجرى، على مدى الأعوام الماضية، مصالحاتٍ كثيرة، فإنه لم يضم أي قوة إلى صفوف الجيش الرسمي، لتصبح جزءا منه، بل استخدم "المتصالحين"، ليقاتلوا رفاقهم القدامى.
يثير التفاهم بين النظام السوري وقوات سورية الديموقراطية (قسد) وجناحها السياسي (مسد) ملاحظات كثيرة، ويطرح أسئلة بشأن مستقبل منطقة الجزيرة السورية التي تشكل أكثر من ثلث مساحة سورية، وتسيطر عليها "قسد"، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، تحت لواء محاربة "داعش". ويحيل التفاهم الجديد بين "قسد" والنظام السوري إلى بدايات الثورة السورية، حين سلّم النظام بعض المناطق الحساسة إلى حزب الاتحاد الديموقراطي، خصوصا مواقع النفط في رميلان، ومنذ ذلك الحين لم تحصل بين الطرفين سوى بعض المناوشات.
ولم يكن للتفاهم بين حزب الاتحاد الديموقراطي والنظام أن يسير على نحو تام، لو لم يكن قرار "سوريا الديموقراطية" يأتي من جبال قنديل، مقر قيادة حزب العمال الكردستاني، فليس من السهولة أن يتنازل هذا الحزب عن المكاسب التي حققها على الأرض، وقدّم تضحيات كبيرة من أجلها، لا سيما وأن الدعم الأميركي لا يزال يتدفق، وجديد ذلك تم قبل أيام، وهناك معلومات عن إنشاء مطار عسكري أميركي جديد في منطقة الشدادي.
وليس سرّا أن علاقة قيادة العمال الكردستاني مع إيران على أحسن ما يرام، ومن المرجّح فإن طهران هي التي تولت ترتيب التفاهمات وأشرفت عليها، بما في ذلك مفاوضات "قسد" الجارية للعودة إلى حضن النظام السوري.