حلب التي "لايعلم بها إلا الله" .....
"لايعلم بها إلا الله" حقيقة تجد ظهورها الجلي الواضح و الملموس في حلب اليوم، فمهما نقلنا من صور أو رصدنا ما ينشره النشطاء، تبقى الصورة مصغرة جداً لحد أنها لا تعكس شيء من الواقع، فحلب اليوم تتعرض لـ"المحي" عن الخارطة تماماً حجاً و بشراً.
فوسط صرخات مالك على أبيه "يا يوب لاتتركني"، و بحث الأب اليوم عن بقايا "نفس" في صدر ابنته المدفونة تحت الركام، يتلخص وضع حلب ، بين يتيم و مكلوم و ثكلى، و طبعاً لا مكان للحياة، و أصدق ما سمعته اليوم أن حلب "تصوم عن الحياة و تفطر على الموت".
قد يكون الكلام انشائياً و تعبيرياً أكثر منه مهنياً، لكن في وضع مشابه لحلب يجعل من المهنية شيء منهي، فهنا القتل العلني و الفاضح يُذهب القدرة على الجفاء و التلبد بالمشاعر، فرغم السنوات الخمس من القتل و المجازر، لازالت سوريا ولّادة، ليس للأطفال و إنما للآلام، و كلما بدأت تتأقلم مع المشاهد يأتي مشهد أقسى يذيب القلب و الروح.
وسط هذا الكم المتثاقل من الموت، أقل ما يوصف بـ"الشنيع"، لازالت الأحاديث تدور في أروقة الممرات السياسية عن حل سلمي، و في الوقت ذاته تدور في أروقة المؤامرات خطط لقتال "داعش" بغية البحث عن انتصار على "الإرهاب" سعياً من "أمريكا و روسيا" أن يلخصوا الأمر في سوريا بأنه "داعش و ارهابها" و كل ماعدا ذلك عبارة عن أمور ثانوية.
بين تمثيلة الحل السياسي، و مسرحية قتال "داعش"، ينشأ في جنبات سوريا حقد من نوع "الغير مروّض" و الرافض للسيطرة، ينشأ جيل حاقد بشكل كبير و مهول ليس على شرذمة قاتلة و حلفاؤها، و إنما على عالم بأسره، وهناك ألم دفين قادر على حرق كل ما يخطط و حرق نفسه ، فلا تنطفئ النار إلا بالنار "الأكل المزدوج".
في حلب اليوم و قبل يوم من شهر رمضان المبارك، يقتل الجميع جسدياً و روحياً، و يتحول شهر العبادة إلى شهر شهادة عند السوريين.