اتفاق البلدات الأربع تحت المجهر
الهدنة عربون الأسد لصفقات التهجير والتغيير الديموغرافي.
تتعرض المنطقة عموماً وسوريا خصوصاً لتهديدات كبيرة، ومخططات شيطانية مدروسة، تقوم على تنفيذها دول عظمى، بينما تتشاغل عنها الفصائل السورية بصراعات داخلية مقززة لا تؤخر نصرها فحسب؛ بل تجعل من البلاد لقمة سائغة في أنياب تلك الوحوش المفترسة.
من الغباء تبادل تلك الأطراف تهم الخيانة على وسائل التواصل، وألسنة الشرعيين فيما بينهم، لكنها الغفلة وللأسف التي تجعل من الجميع أدواتا في أيدي أصحاب المشاريع الكبرى، وكلما أضاعوا وقتهم واستعجلوا في إفناء بعضهم، اقتربت المشاريع أكثر من النجاح بأقل التكاليف، وكلما فهموا اللعبة استطاعوا مقاومتها، أو تخفيف وطأتها على أهلهم، أو تأخيرها على أقل تقدير.
مع بداية رؤية هدنة “البلدات الأربع” للنور وظهور بعض التسريبات للإعلام، بدأت مكنات إعلامية رفيعة تهاجم الأطراف التي عقدتها؛ تلك الأطراف التي لطالما اتهمت غيرها ممن يعقد مثلها بالخيانة، وشنت حروباً ضده وقضت على بعض الفصائل من الجيش الحر لحضوره مثل تلك الاتفاقات المبرمة كدلالة على طهرها.
هذا الاتفاق الأول الذي يحدث في الشمال السوري بعد تشكيل هيئة تحرير الشام، ويعني وقف إطلاق النار في مدينة إدلب وضواحيها من القرى والبلدات المحيطة بقريتي “الفوعة وكفريا” المحاصرتين، في مقابل وقف إطلاق النار في كل من “الزبداني ومضايا” في ريف دمشق.
مرر هذا الاتفاق كغيره من الاتفاقات بهدوء، دون أن تعلن الفصائل المعنية عن المقابل أو تفاصيله التي يصعب معرفتها إلا من معرفة وحسابات القائمين عليه، والتي أقفلت وتوقفت عن التغريد من تاريخه لأسباب تاريخية.
لا يعني الناس كثيراً ماذا جرى ومن حضر ومن أجبر الآخر على التوقيع، بقدر ما يهمهم أن المنطقة تسير للتقسيم بعد سحب أولئك المقاتلين من ريف دمشق، وترك حاضنتهم بغير سيف يدافعون به عن أنفسهم، مما يسهل على مليشيا حزب الله ونظام الأسد افتراسها وضمها لمقاطعته، كما فعل بغيرها من المناطق، وهنا تطوق لبنان بحزام شيعي بعزل مناطق السنة ويفصل بينها، إضافة للقتل والتهجير التي تضعفهم على حساب المليشيات الشيعية التي تطوق دمشق.
قريباً ستنتهي سمفونية “الفوعة وكفريا” التي لطالما اتهم من يحاصرها بحاميها، كما اتهم من قبلهم بحماية وادي الضيف ومعسكر الحامدية في ريف معرة النعمان.
وحتى تاريخ هذا اليوم تلتزم كل الفصائل الممثلة بجيش الفتح باتفاق البلدات الأربعة بما يتعلق بــ “الفوعة وكفريا، مضايا والزبداني”، ولم يحرك جيش الفتح ساكنا ضد هذه البلدات المحاصرة في إدلب منذ حصارها واستخدمها في الضغط على النظام الإيراني ونظام الأسد، الذين لم يراعوا كل الهدن الموقعة سابقا، وكانت تقصف إدلب وسرمين وبنش وتفتناز وطعوم مع مضايا وبقين دون استثناء، واقتصر تطبيق الاتفاقيات في السابق على إدخال المساعدات الإنسانية للبلدات الأربعة لا أكثر.
اليوم يبرم اتفاق بين الفصائل والنظام الإيراني في قطر وفق التسريبات، يتضمن الاتفاق إخلاء كامل للبلدات الأربع وإخراج حوالي الــ /1500/ من المعتقلين في سجون النظام، كما يتضمن الاتفاق خروج عناصر تحرير الشام من مخيم اليرموك، يتخوف الكثير من هذا الاتفاق الذي سيشمل وقف إطلاق النار فيه بلدات “تفتناز وطعوم ومزارع بروما وزردنا وشلخ ومعرة مصرين ورام حمدان ومدينتي بنش وإدلب” من جهة وسيشمل من جهة أخرى بلدات “يلدا وببيلا وبيت سحم ” جنوب دمشق، وذلك في هدنة مدتها تسعة أشهر. كما يقضي الاتفاق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى حي الوعر بحمص والمناطق المذكورة آنفاً، لتبدأ عملية الإخلاء للبلدات الأربع في الرابع من نيسان على مراحل.
يتواصل بهدوء مسلسل التغيير الديموغرافي في سوريا، وتنفذ المخططات دون أن يوّقع عليها أحد لتسجل في التاريخ ضد مجهول, يحصل هذا التغيير الديموغرافي بعد تقسيم طائفي, ويبدو أنه جزء من خطة استراتيجية بعيدة المدى لا تريد لهذه الثورة أن تصل إلى أهدافها بعلم وعلى مسمع الأمم المتحدة الشاهد الصامت على كل ما يحدث.