المهرج الذي قتل الجميع.. مزحة أبدية
يُقال أن أقصر قصة رعب في العالم هي للكاتب الأمريكي "فريدريك براون" ونصَّها: "آخر رجل على كوكب الأرض كان يجلس في غرفة وحده حين سمع طرقاً على الباب". يمكنك بالطبع أن تتخيل كل التفاصيل المرعبة والتوقعات المفزعة المحيطة بكل الكلمات في القصة. بينما برأيي ستكون أقصر قصة مضحكة هي قصة "المهرج الذي قتل الجميع" والتي يمكنك أيضاً أن تتخيل تفاصيلها بسهولة بالغة.
فالجميع التفوا في دوائر شبه كاملة حول حلقة السيرك، وشاهدوا العرض تلو الآخر حتى أتى دور المهرج الذي بدأ يؤدي العروض، وبين الواحد والآخر كان يلقي تهديداً قوياً على الجمهور فيدفعهم ذلك إلى الضحك بعمق، وكلما كانت قوة التهديد أكبر وأصدق كلما زاد الضحك شدة، بينما المهرج يبتسم فرِحَاً فرَحَاً صادقاً خلف قناعه الضاحك حتى جاء الوقت فنفذ تهديداً لأول مرة وألقى بالكرة في وجه أحد الحضور بقوة حتى سال الدم من أنفه فعمَّ صمتُ الصدمةِ على الجميع قبل أن يضحكوا كلهم كما لم يضحكوا من قبل.
تكرر الموقف فبدأ البعض يلاحظون أن شيئاً غريباً يحدث وبدأ الانزعاج يتسلل إليهم، بينما ضحك البعض الآخر أكثر من ذي قبل، وكلما تكرر كلما انزعجت الفئة التي لا يزيد عددها إلا ببطء بينما الفئة الأخرى غارقة في الضحك. وبعد وقت طويل بدأت الفئة المنزعجة بالاعتراض أخيراً وطلبت تغيير المهرج على سبيل التغيير ولم تذكر شيئاً عن تهديداته العجيبة ولا عن تصرفاته الغريبة التي يخططون إلى التحقيق معه بشأنها، فوجمت الفئة الأخرى وإن بقيت صامتة بينما ضحك المهرج لأول مرة وتجاهلهم حتى عادوا للجلوس فاستخدمهم في العرض بعد التالي، وتسلل إلى الجمهور فذبحهم بشراسة واستمتاع واضح بالقتل فتناثر الدم على وجوه الجميع قبل أن يغلبهم الضحك مجدداً حين انتهى.
البعض قد يقتلعون أعينهم تماماً إذا أصر أحد على أن يريهم عذاب الأطفال ولو حتى بصورة لفتاة تموت بينما تحتضن أختها التي تضع لها جهاز التنفس محاولة إنقاذها
حتى الأطفال تلطخوا بالدم مذعورين لكنهم لمَّا وجدوا آباءهم يضحكون اطمأنوا؛ فبالطبع لن يأتي بهم آباؤهم إلى مكان خطر عليهم وبالطبع لن يصمتوا إن لحقهم شيء. وعادت الدائرة إلى أصلها لوقت قبل أن يعود ظهور فئة أخرى منزعجة أكبر من الأولى ثم أخرى في جانب آخر ثم ثالثة فرابعة، وزاد ضحك الباقين عمقاً فعمقاً وتولَّهوا بالمهرج عشقاً. وفي الوقت نفسه بدأ المهرج يذبح بأعدادٍ أكبر بين كل عرضٍ وعرض، بل إنه أحياناً كان يؤدي عرضاً بينما يذبح.
ولمَّا زادت الأعداد عن الحد الذي يستطيع معه السيطرة على الأمر أخرج من جيبه الذي أدخل فيه الكرات الملونة قنابلاً يدوية وكيماوية وبدأ بإلقائها في كل اتجاه وبسرعة شديدة فتملك الذعر من الجميع حتى أولئك الذين يعشقونه وإن لم يظهروا ذلك. وبعدما كان بديعاً ساحراً تدمّر المكان تماماً، وبدأ الناس يزحفون بين الجثث والأشلاء للكبار والصغار باحثين عن ملاجئ يختبؤون خلفها بينما الصرخات تعلو من كل جانب ودموع الأطفال تحفر الأخاديد في وجوههم الناعمة وقلوبهم الملائكية. "أين الطرافة في ذلك والضحك؟" لعلك تسأل. بالطبع هناك طرافة كبيرة في كل لك؛ فوسط كل ذلك المشهد الكارثي فإن الزاحف هارباً من ذلك البطش يستطيع أن يسمع خلف الكراسي المدمرة والحواجز أحد الضاحكين يجيب أحد المعارضين حين يسأله عن موقفه من هذا الدمار وهذه الفوضى وهذا الرعب الذي يصيبهما، يجيبه بمنتهى الصدق: "نحن نستحق، فنحن الذين استفززناه، نحن الذين أنكرنا النعمة والضحك وركزنا على السواد والأخطاء...لذا عليه أن يعيد النظام ويعاقبنا كيفما شاء".
فأما إذا سأله: "ماذا عنك وأنت ستقتل مثلنا؟"، فيجيبه بينما هو مختبئ مرتعد "أنه بمأمن لأنه لم يخطئ، فالمهرج لا يقتل عبثاً، فالمهرج عادل...المهرج عادل". وإذا سأله: "ماذا عن القتلى والأطفال والدم؟"...يجيبه واضعاً يديه على عينيه (أنها أخطاء معدودة محدودة ولم يعد يرى مثلها فقد انتهت).
حتى أن البعض قد يقتلعون أعينهم تماماً إذا أصر أحد على أن يريهم عذاب الأطفال ولو حتى بصورة لفتاة تموت بينما تحتضن أختها التي تضع لها جهاز التنفس على وجهها محاولة إنقاذها...بالطبع ذلك لم يحدث فهم أدرى لأنهم اقتلعوا أعينهم. أليس ذلك مضحكاً؟
وإذا كنت ما تزال تبحث عن طرافة أكبر فانتظر حتى تعلم أن كل ما يحدث ينقل عبر الكاميرات إلى ملايين خيام السيرك حول العالم، هذه الخيمة الكبيرة، فيشاهد الناس وهم متأثرين ظانِّين أنهم على الأقل ليسوا هناك فالحمد لله، لكن الظن لا يعدو كونه ظناً والطمأنينة القائمة عليه زائفة وإن طال وجودها، ثم تجدهم ينقلون بصرهم على حلقة السيرك في خيمتهم ليتابعوا مهرجهم وليضحكوا بعمق وكأن ضحكهم سيدوم للأبد.