
المجالس "الأهلية والأعيان" حراك عفوي ثوري أم ثورة مضادة!
بعد عجز نظام الأسد وداعميه من الروسي والإيراني وحزب الله من العودة والسيطرة على المدن والقرى المحررة بالقوة العسكرية، لجأ الى أساليب جديدة تمكنه من اختراق المناطق المحررة عبر فكرة ابتكرها وزير المصالحة الوطنية علي حيدر.
وركز حيدر على تعزيز فكرة المجالس الأهلية أو مجلس الأعيان في المناطق المحاصرة والتي تعتمد على المبدأ العشائري او العائلي، واعتبرها الوصي الوحيد المعترف به في التفاوض مع نظام الأسد في تلك المناطق.
وقد يظن الجميع أن هذه الظاهرة عفوية وتسير في سياق الأحداث بشكل غير مسبق التخطيط له ، الا أن ظهورها مر عبر مراحل تؤكد بأنها تنفيذ لمخططات سابقة ، حيث تمر على مراحل متسلسلة ومتناغمة مع الأعمال العسكرية للنظام وتشديد الحصار أو تخفيفه.
وأولى المراحل هي مرحلة التسويق لشخصيات المجلس من مدنيين وعسكريين يعملون لصالح النظام ومحسوبين على التيار الثوري ومعظمهم يكونون أصحاب خلفيات حزبية أو دينية مشبوهة يعملون على استغلال عواطف المدنيين مبررين لأنفسهم ترويج بعض المفاهيم كرفع المعاناة عن المدنيين، ومصلحة الأمة، وضرورة التنظيم، في الوقت الذي تتواجد فيه شخصيات ثورية حقيقية لكنها مسلوبة القرار ومهمشة الرأي ووجودها لإضفاء الشرعية والواجهة الثورية للتشكيل لا أكثر.
وتعتبر هذه المرحلة هي المرحلة الأخطر والتي ينال فيها المجلس كامل التفويض ويستلم زمام القرار ويكون ذلك من خلال حدث جذري كخسارة معركة او وقوع مجزرة من الطيران او خلافات عائلية تملك سمة فصائلية ليلعب حينها على عواطف عامة المدنيين ويظهر بدور الحريص والوصي، ويترافق ذلك مع تصعيد من قبل النظام لتعزيز أفكاره لتمرير مشروعه ، وغالباً ما يتم طرح فكرة مجلس الاعيان من قبل أحد الجهات العسكرية التي يتعامل قائدها بالسر مع نظام الأسد، ويتذرع بحجة حاجة العسكريين الى جهات مدنية تكون مشكلة على أساس عائلي او عشائري، ويكون دور أشخاص مجلس الأعيان والعسكريين في الفترات السابقة بث الإشاعات بين الناس والتي تحرض على المؤسسات الثورية كالمجالس المحلية والعسكرية ومؤسسات الدفاع المدني والصحة وترويج فكرة أن سبب الاستهداف هو تلك المؤسسات ويتوقف التصعيد حينما تتم ازالتها ، وتحميل الفعاليات الثورية مسؤولية كل ما يحدث وإيجاد سبب وتبرير لكل جريمة يرتكبها النظام وتوجيه الأنظار الى أن السبب الأساسي هو نشاطات الفعاليات الثورية.
وتعتبر أخطر المراحل في تاريخ الأخيرة هي مرحلة التحشيد الشعبي خلفها باعتبار هذا الكيان الحامل لهموم المواطن والمداعي لحقوقه والمتواصل مع النظام بعد كل تصعيد والطلب منه إيقاف التصعيد ومعرفة مطالبه لتحقيقها وإيقاف التصعيد، وإجراء المفاوضات العلنية مع الجهات الثورية بالتزامن مع بث الإشاعات عليها في مكنة إعلامية مدروسة تعمل على عواطف المواطن المدني وتسعى الى تقسيمه الى قسمين الأول يريد أن يعيش بهدوء وناقم بعد كل قصف على فعاليات الثورة، والآخر يريد استمرار القصف والحرب باعتبار وجوده بوجودها وتظهره بأنه المستفيد من استمرارها على حساب الصنف الأول، وتزيد من هوة الشقاق بين الطرفين عبر مكنتها الإعلامية التي ترفع من وتيرة التشنج من التقسيمات التي تفترضها.
وبعد الاحداث الأخيرة التي انتهجتها يصطف خلفها شريحة كبيرة من المواطنين الذين تم اللعب على عواطفهم ويصبح لها شعبية وتيار كبير باعتبارها الملاك البريء الذي يريد الخير للآخرين والمخلص لهم والحريص على السهر لراحتهم.
وقد يستغرب الكثير ممن يقرأ التفسيرات الأخيرة وخصوصاً قاطني المناطق المحررة المفتوحة باعتبار هذه الظاهرة غير عامة، ولكن الكثير من الذين هُجروا قسراً يؤيدون ما تم ذكره، وأن مايسمى بالمجالس الأهلية او مجالس الأعيان التي كانت تعتبر نفسها " ثورية " هي السبب الرئيسي بما لحق بهم من تهجير، وأن كل أزلامها بقوا في مناطقهم على حساب تهجير كل من له علاقة بالثورة ولم يكن يعمل لصالح النظام.
وقد كشفت احداث التهجير الأخيرة في حمص ودمشق حقيقة مجالس الاعيان بأنها الحراك الناعم للثورة المضادة التي تساعد نظام الأسد على الدخول الى مناطق طالما كانت حلماً لقادته العسكريين بدون إطلاق أية طلقة، وأن ظهور هذه التشكيلات في المناطق الأهلية في الشهور الأخيرة ما هي إلا تطبيق لخطةٍ اثبتت نجاعتها في مضايا وعين الفيجة وبرزة والوعر والتل وغيرها وسيتم نقلها من المختبرات الصغيرة المحاصرة لتعمم على كل الأراضي المحررة، حيث بدأت تظهر في المناطق المحررة التي تقع على تماس مباشر مع مناطق النظام بوادر تلك التشكيلات في الشهور الأخيرة الماضية.