القانون الإسلامي بين النظرية والتطبيق
القانون الإسلامي بين النظرية والتطبيق
● مقالات رأي ٢٩ يونيو ٢٠١٧

القانون الإسلامي بين النظرية والتطبيق

بعيداً عما يحمل هذا القانون أو تلك الوثيقة أو ذاك الدستور - الذي اعتمد من قبل البعض كمرجعية - في طياته من مواد تتناسب مع هذا الواقع أو تتناقض معه ولا تصلح للتطبيق فيه. وبعيداً عن أي انعكاسات متوقعة سلبية كانت أم إيجابية، وعن أي اتهامات متبادلة بالخيانة أو العمالة أو الرقبة، وبعيداً عن المهاترات والرفض أو القبول.

بعيداّ عمن يرى في هذه الصيغة حبل نجاة للأمة ومن يرى فيها ردة تستوجب الحرب والقتال… بعيداً عن كل ذلك...

فإن الناظر إلى الغاية التي لا زالت تجمع كل من في واقعنا المحرر، هي واحدة ولا يكاد يختلف عليها أحد على اختلاف أسمائهم وألوانهم. فالكل يدعي وصلاً بالمشروع الإسلامي العظيم الذي سيعيد للأمة الإسلامية دورها في ريادة العالم وسيادة البشرية وإقامة دولة الحق، وملء أرضنا عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً.

وما أكثر من يسعى جاهداً (بأقواله) ليصحح المسار إن صح التعبير، ويعيد الثورة إلى طهرها الأول لتكون بداية الطريق الصحيح لتحقيق ذلك المشروع المعلن.

لكن رغم كل ذلك فإننا إذا ما نظرنا إلى أرض الواقع لا نكاد نرى شيئاً من ذلك سوى مزيد بيانات وتوضيحات وتبريرات لا تسمن ولا تغني من جوع لا بل وأحيانا تصل الأمور إلى أبعد من ذلك بكثير فنرى أرتال تسير وحروب هنا وهناك بين من يحملون ذات الغاية...فيقف إزاء ذلك الحليم حيراناً.

ولا نكاد نرى تفسيراً لذلك سوى تلك الفجوة الأزلية بين النظرية والممارسة التي وجدت مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم ولا زالت حاضرة إلى يومنا هذا ولربما هي باقية مالم تقم الساعة.

فجميعنا كمسلمين متفقين بشكل أو بآخر على نظرية تعد من المسلمات بالنسبة لنا وليس هناك من إشكالية فيها، فالكل متفق على شرع الله كمبدأ في حياته ومنطلق يحكم من خلاله على أصغر الأمور وأكبرها والقضية في ذلك محسومة نظرياً ولا تحتاج منا لأن ننشغل في الصراعات الفكرية والإيديولوجية التي لطالما انشغل بها غيرنا من الأمم، فالإسلام نموذج حياة متكامل لا نقص فيه.

ولكن لب القضية يكمن في إشكالية تطبيق هذه النظرية وإسقاطها على أرض الواقع، هذه الإشكالية التي كانت سبباً في نشوء هذه الحركات والجماعات المتناحرة المتخاصمة التي لا يعترف بعضها بالآخر مع أن لديها الهدف ذاته (إقامة شرع الله على أرض الله) ومصالحها في ذلك مشتركة ولاشي بينها سوى أن كل طرف ارتأى في نفسه الحق وحصر في ذاته الصواب فلا يريد أن يري الغير إلا ما يرى، فطريقته هي المثلى وسبيله سبيل الرشاد وطريقة وسبل غيره ضلال.

فنجد بناء على ذلك أن مثل أولئك ساهموا من حيث يدرون أو لا يدرون بتعطيل التطبيق عملياً على أرض الواقع.
فهناك من عطل تطبيق أحكام الشرع من حيث يدري (لدنيا يصيبها أو لاتباع هوى)، وهناك من فعل ذلك من حيث لا يدري عندما تعصب لرأي آخر رأى فيه بوابة لمدينة العلم، أما البعض الآخر عطلها بفهمه وتصوره الخاطئ لطبيعة المجتمع المسلم الذي رأى فيه مجتمع السيوف المشرعة والسكاكين القاطعة فجهل بذلك مراد الشرع أصلاً.

تنوعت الأسباب لكن النتيجة واحدة حيث أصبحنا اليوم أشبه ما نكون بأمس غابر من تاريخنا كان اسمه عصر ملوك الطوائف، يومها كان لكل أمير دولته ورجاله ومناصروه ممن يحتمي ويلوذ بهم ضد أخيه، والذين ما فتئوا ينفخون على جمر الفتنة لتستعر نارها أكثر فأكثر حتى تأتي على كل شيء.
لا شك أن ما نجده اليوم من نتائج قائمة وحاضرة على الأرض من تشرذم وتشتت وتصادم ومناوشات تصل لإعلان الحروب وسفك الدماء بين أخوة المنهج ماهي في حقيقتها إلا انعكاس لفقدان الفهم الصحيح لآلية التطبيق.

ذلك الفهم الذي ينظر لتطبيق أحكام الإسلام ككل لا يتجزأ ويرى فيها منظومة حياة كاملة، فلا يجتزئ منها ما يريد ويترك مالا يهوى، فيرى بذلك العدل والمساواة والفضيلة وتحريم الاحتكار والاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي و... كما يرى إقامة الحدود من قطع يد السارق ورجم الزاني و…

إذاً فلا بد من بناء التصور الصحيح عن آلية التطبيق وفهم الواقع المراد تقويمه فهماً دقيقاً، فكم من ساعٍ لتطبيق شرع الله بفهمٍ معوجٍ لم يكن في حقيقته إلا محارباً لهذا الشرع، وعاكساً الصورة المشوهة عن أحد نماذج مدعي تطبيق الشريعة.

الكاتب: نصار نصار
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ