الغوطة.. صرخة ألم تدمي القلوب
لحم سوري للبيع، صرخة ألم، صرخةٌ تختلف عن كل الصرخات؛ فلها وقعٌ خاص في الوجدان والضمير وتركت أثراً عميقاً في القلوب والعقول، صرخةٌ تدمي القلوب، وتجيشُ لها المشاعر، وتجري لها المآقي. لكن إذا كان الضمير ميت والوجدان غائب والمشاعرُ متبلدة والمآقي لا تجري إلا على من تشتهي فالوضع خطير ومقلق والبشرية وبقاؤها في خطر كبير.
لحم سوري للبيع، صرخاتٍ أطلقها ذاك الشاب السوري الملكوم على أملِ أن تقع في سمع من بقي لديه شيء يسير من ضمير وقليل من إنسانية في عالمٍ أصبح الإجرامُ والإرهابُ ديدنٌ لمن يحكمه ويُسَيِرَهُ في السر والعلن.
عن الصرخة أحدثكم، لكنها ليست الصرخة تلك مجموعة الأعمال للوحاتٍ تعبيرية التي قام بإنجازها الرسام النرويجي إدفارت مونك لتصوير شخصية معذبه أمام سماء حمراء قانية بلون الدم، كما أنها ليست فيلم الصرخة الشهير للكاتب كيفن ويليامسون الذي أخرجه ويس كرافن وقامه بدور بطولته نيف كامبل، كورتني كوكس أركيت وديفيد حيث تدور أحداثه حول قاتل يرتدي قناع مخيف يشبه الصرخة يقوم بقتل أصدقائه بالسكين وبدون رحمة وبأبشع الطرق.
يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بدعوى محاربة الإرهاب! أي إرهاب هذا الذي يمارسه طفل أعزل لا يقوى إلا على حمل حقيبته المدرسية؟!
إنها صرخة من نوع اّخر، صرخة لم يشهد لها العالم مثيل، لا بل ولم نسمع بها من السلف ولا عبر مر السنين العابرة. صرخةُ ألم ألغت كل الصرخات حذفت كل البشاعات، مسحت من التاريخ أفظع الجرائم وقلة الإنسانية والحقد الأسود والكره الدفين، صرخةٌ تربعت على عرش الصرخات.
صرخة رجال الغوطة، صرخة أطفالهم ونساءهم وعويل شيوخهم، صرخة أطفالهم المسحوقين الملكومين التي لم تستطع الكاميرات رصدها ولا الكلمات وصفها ولم يستطع مونك رسمها ولا حتى ويس كرافن من تصويرها وإخراجها، صرخةٌ دونت على صفحات جدران منازلهم، مساجدهم، عانقت أبراج السماء ولم يرجعُ لها صدى؛ لربما ابتلعته شياطين الظلام.
صرخة كتبها حقد من لا يملك الحد الأدنى من الإنسانية على أطفال الغوطة ونسائهم ورجالهم وعلى أشجارهم وأحجارهم، صرخة أخرجها ورسمها نظام تحدى العالم أجمع بجميع مؤسساته ومنظماته وهيئاته ضارباً بعرض الحائط كل المواثيق والمعايير والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والانسانية. نظام يقتل شعبه بدم بارد وكأنه يذبح شاة أو دجاجة! ولا من منقذ ولا من مجيب وكأن الشعب السوري ليس من هذا الكوكب.
والغريب أن جميع المؤسسات العالمة التي تعنى بالإنسان بجميع جوانبه آثروا الصمت على تلك الجرائم البشعة، واكتفوا بعبارات الاستنكار الخجولة التي لا تسمن ولا تغني من جوع التي يطلقونها على استحياء من قاعات مؤتمراتهم الفخمة أو من الأفضل القول قاعات مؤامراتهم القذرة على الشعوب التي لم تر منهم خيراً، وكأن الإنسان إذا كان عربياً لا يعنيهم، فالطفل العربي دمه مباح، والمرأةُ العربية لا حقوق لها ولربما لو أن المقتول كان كلباً لقامت الدنيا وما قعدت.
صرخة قام بدور البطولة فيها جيوش الشرك وفرسان الظلام، صرخة كان يستجدي ضحاياها جلاديهم بأن يقتلوهم بلطف حتى يموتوا بأقل تكلفةٍ من الألم. يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بدعوى محاربة الإرهاب! أي إرهاب هذا الذي يمارسه طفل أعزل لا يقوى إلا على حمل حقيبته المدرسية؟! أي إرهاب هذا الذي تمارسه نساء لا حول لهن ولا قوة؟! وأي إرهاب هذا الذي يمارسه شيوخٌ لا يقوون على حمل رغيف الخبز؟!
يا الله أكاد أسمع صرخات الأطفال المذبوحين تطرق وجداني، تهز ضميري، فلقد استنجدوا فلم يجدوا مجيب، ولقد هزموا فلم يجدو نصير، إلا وجوه جلاديهم البشعة القبيحة مرتدية قناع الحقد الذي تراكم علية غبار الكراهية، وتكدست عليه فتاوي المرجعيات بقتلهم، لا نقول إلا عذراً أطفال الغوطة، أطفال سوريا، عذراً حرائر الغوطة، عذراً عذراً، فعندما صرختم كنا نائمون!!