الصرخة الأخيرة للمجتمعات الحداثية ومنظماتها الدولية من الغوطة الشرقية، فماذا أنتم فاعلون؟!
لا أنسى أبدا عندما كنا في الصف الثالث الإعدادي دروس المختبرات التوضيحية عندما كنا ندرس عمليات تشريح الأرانب والضفادع والفئران وتأثير التفاعلات الكيميائية والسموم المختلفة عليها، ولم يخطر أبدا في بالنا عندئذ أن يتحول 375 ألف إنسان في الغوطة الشرقية إلى حقل تجارب كبديل عن تلك الحيوانات والحشرات التي كنا ندرسها.
ولم يقتصر الأمر على ما ذكر فقط بل تحول إنسان الغوطة الشرقية اليوم إلى حقل تجارب لكل الاختبارات والتجارب العضوية منها وغير العضوية من جوع وعطش ونقص الأدوية وتفاعل للذرات الكيماوية عليه، فضلا عن اختبار الانفجارات المتنوعة الانشطارية وغير الانشطارية واختبار احتراق الغازات المختلفة كالفوسفور الحارق والنترات والنابالم.
تلك التجارب التي كنا نجريها في المدارس تجري على إنسان الغوطة الشرقية اليوم ولا يحتاج العالم إلى مكبر أو مجهر كي يراها، فهو يراها على الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي رأي العين دون عدسات مقعرة أو محدبة.
كل هذا يحدث في الغوطة الشرقية المحاصرة منذ ست سنوات وعلى بعد كيلومترات قليلة يعيش أهل دمشق في رغد وأمان وتخمة من شراب وطعام ونعم .
نعم إنها الغوطة وأهلها المساكين الذين يعيشون اليوم ميدان تجارب ومختبر تحليل حقيقي منذ سنوات لم يتعرض له أي مكان أخر في الكرة الأرضية. ورغم الحصار المطبق من جميع الجهات على الغوطة وأهلها منذ الشهر التاسع عام 2013 ومنع دخول الغذاء والدواء، والقصف المتواصل بمختلف أنواع الأسلحة التقليدية فإن الطغاة والمتجبرين في الأرض لم يكتفوا بهذا فكثفوا في الشهر الأخير هجماتهم بالغازات الكيماوية "السارين والكلور وغيره" وبالأسلحة الفتاكة من جميع الأشكال، ففي كل يوم من الأيام الأخيرة يسجل الراصدون أكثر من 300 غارة جوية وعشرات البراميل المتفجرة والقذائف المتنوعة التي تحول العشرين كم2 من مساحة الغوطة الشرقية إلى أشلاء وأنهار من الدماء، دماء الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، فالكل في بوتقة واحدة وفي محرقة واحدة لا تمييز.
وكل ذلك يحدث ويفاجئك الرئيسان الأمريكي والفرنسي بالقول إنه إذا ثبت استخدم نظام الأسد وحلفائه للسلاح الكيماوي فإننا سنحاسبه!، أفبعد كل الذي جرى ويجري لم يثبت لهما استخدام الكيماوي، وهل الأسلحة الأخرى المستخدمة أقل فتكا؟!
ولكن ماذا يمكننا أن نفعل أو نقول؟ّ!؛ فها هي الأمم المتحدة وبعد فشلها في تطبيق القرار 2041 الخاص بالهدنة وبوقف اطلاق النار وقبل ذلك من القرارات الخاصة بسورية أصبحت كرجل خرف يوصي أبنائه ولا أحد يلقي له بال أو يحترم وصيته التي تفتقد لأي مسوغ رادع لهم.
وها آنا الآن أطلق صرختنا الأخيرة لكل من ينظر إلينا من خارج الغوطة ونحن نموت أمام أعينهم، قائلين لهم قد تكونوا أنتم أو أبنائكم أو نسائكم في هذا المكان فماذا أنتم فاعلون؟!