الصراع بين حلفاء الأمس أعداء اليوم "الزنكي وتحرير الشام" أبعاده ومآلاته
تشتد حدة الصراع بين حركة نور الدين زنكي وهيئة تحرير الشام في ريف حلب الغربي، بالتوازي مع استمرار التجييش الإعلامي والعسكري بين الطرفين، في الوقت الذي شهدت فيه الأيام الماضية اشتباكات عنيفة بين الطرفين على جبهات الأبزيمو ودارة عزة ومناطق أخرى استخدمت فيها الدبابات والرشاشات الثقيلة، راح ضحيتها العديد من عناصر الطرفين.
كانت حركة نور الدين زنكي المنضوية تحت لواء فصائل الجيش السوري الحر أحد المكونات العسكرية التي ضمها تشكيل "هيئة تحرير الشام" الذي أعلن عنه في نهاية شهر كانون الثاني 2017، ساهمت بتطعيم "جبهة فتح الشام" بصبغة تنوع ضمن فصائل من الحر وفصيل متهم بـ"الإرهاب" دولياً، شكل هذا الأمر صدمة كبيرة للفصائل التي تخاصمها تحرير الشام أبرزها فصائل الحر والتي وجدت في تصرف الزنكي ضربة للمشروع المعتدل ضد "بغي" تحرير الشام المتتابع ضدها.
إبان الاقتتال مع أحرار الشام وبعد أن تصاعدت التصريحات الدولية ضد هيئة تحرير الشام وبدء الهيئة بالإعداد لإنهاء الأحرار، أدركت حركة نور الدين الزنكي أو الوقت حان للانشقاق، وللوقوف في موقف الحياد بعيداً عن الصراع بين أكبر مكونين في الشمال، ربما لأنها لم تستطع كبح جماح البغي المتأصل في جذور هيئة تحرير الشام وسابقاتها "فتح الشام والنصرة" والذي تنتهجه قياداتها منذ بداية ظهورها، ففضلت الانشقاق.
أعلنت حركة نور الدين زنكي انشقاقها عن هيئة تحرير الشام في 20 تموز 2017 معللة ذلك بسبب انحراف البوصلة عن مسارها وانحراف البندقية، وعدم تحكيم الشريعة تجلى ذلك في تجاوز لجنة الفتوى في الهيئة وإصدار بيان عن المجلس الشرعي دون علم أغلب أعضائه، وعدم القبول بالمبادرة التي أطلقها العلماء، وتجاوز مجلس شورى الهيئة وأخذ قرار بقتال أحرار الشام علماً أن تشكيل الهيئة بني على أساس عدم البغي على الفصائل.
انشقاق الزنكي وعودتها للصف الأول الذي كانت فيه كفصيل معتدل ضمن الجيش السوري الحر، جعلها في مواجهة مباشرة مع هيئة تحرير الشام التي لن تقبل قطعاً بهذا الانشقاق واعتبر ضربة موجعة لها في وقت عصيب.
كما أن انشقاق العديد من المكونات عن هيئة تحرير الشام أبرزها "جيش الأحرار" دفع الهيئة للخوف من تكتل هذه القوى مع من بقي من أحرار الشام الذي قوضت قوته في كيان واحد يواجه الهيئة مستقبلاً وبالتالي وجود كيان قادر على منافستها في القرار، وهذا ماترفضه الهيئة وتعمل على إنهاء كل صوت أو قوة تقابلها منذ 2014، لذلك كان لابد من خلق التبريرات تباعاً والتحرشات للوصول لمرحلة الصدام مع الزنكي وإنهائه وتأديبه.
كما أن رفض الزنكي مؤخراً لدخول القوات التركية للمناطق التي تسيطر عليها الحركة بحجة عدم التنسيق معها، كونها تريد أن تكون جهة معنية غير مغيبة عما يدور من اتفاقيات سرية بين هيئة تحرير الشام وتركيا، وتنظيمها ماعرف بالاتحاد الشعبي في ريف حلب الغربي كواجهة مدنية لها، جعل الحركة في موضع سخط تركي كبير وبالتالي سقوط ورقتها كما سقطت ورقة الأحرار من قبل.
التحرشات الممتدة من اغتيال "السيد برشة" قائد كتيبة تلعاد وصولاً للاشتباكات التي شهدها ريف حلب الغربي بين الطرفين في شهر آب، ثم عودة التوتر من جديد من اختلاق حجج إضافية للمواجهة كانضمام مجموعات أو اعتقال شخص، كلها تشير لأن قرار إنهاء الزنكي قد اتخذ وبات في موضع التنفيذ كما حصل مع فصائل أخرى في وقت سابق ربما كشفت التسريبات الصوتية لقيادات من الهيئة كيف كانت تحاك هذه التحرشات ويتم استغلال قضايا صغيرة لإنهاء مكون ما في الشمال، لإن تحرير الشام باتت ترى نفسها الطرف الوحيد القادر على تملك المنطقة والتفاوض مع تركيا، وحكم المنطقة مدنياً ولن تقبل قطعاً بوجود أي طرف ينافسها في ذلك ولن تدخر أي جهد في تحقيق هدفها الذي بدأت فيه منذ 2014 مهما كلفها من دماء.
ربما تكون الزنكي قد أخطأت في انضمامها لفصيل شارك في إنهاء أكثر من 20 فصيلاً من الجيش السوري الحر وصولاً لأحرار الشام، وزجت نفسها في موقع مواجهة من هذه الفصائل ومايقابلها في التوجه كونها غدرت بهم حسب رأيهم، ولكن بالتأكيد إن الزنكي اليوم هي ضحية البغي الذي تمارسه هيئة تحرير الشام ضد فصائل الشمال ولربما كانت هذه المواجهة حتمية مع الهيئة سواء كانت انضمت لها أو لم تنضم، لأنها تبقى فصيل مؤثر يسيطر على بقعة جغرافية واسعة في ريف حلب وشمال إدلب لن تقبل تحرير الشام بوجوده قطعاً وبالتالي النهاية واحدة.