إدلب القنبلة الموقوتة
يراقب العالم بحذرٍ شديد الأوضاع المتأزمة في إدلب السورية وتتوالى الحشود العسكرية والتصريحات النارية من جميع الأطراف بغية تحقيق المكاسب المرجوة لكل طرف في هذه المعادلة الصعبة جداً، فنرى الزيارات الماراثونية الكثيرة ذات الهيئة الدبلوماسية العالية والصبغة الملتهبة وربما المتصادمة في كثير من المواقف والآراء، فمن زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتن إلى موسكو بعد أيام قليلة من الزيارة المهمة التي تحمل في طياتها الكثير من الرسائل السياسية والعسكرية والتي قام بها كل من وزير الدفاع التركي خلوصي آكار برفقة رئيس الاستخبارات هاكان فيدان إلى موسكو أيضاً، وآخرها زيارة مسؤول في الخارجية الأمريكية إلى الشمال السوري، زامنها زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى دمشق.
جبهة الحوامل بلا زواج
ربما تكون زيارة الوفد الأمريكي برئاسة السيد وليام روباك لهذه (الجبهة) التي يسيطر عليها الأكراد والمتمثلة بمناطق الشمال الشرقي في سوريا هي الأهم على الإطلاق لما تعتزم واشنطن القيام به وهو تشكيل جيش كردي بطابعٍ قومي، الأمر الذي أغضب الحليفين تركيا وروسيا كثيراً، ووصفت روسيا بدورها هذه الزيارة (بالعمل الطائش)، وقد شملت هذه الزيارة كلاً من ريف دير الزور وريف حلب وريف الحسكة، وتأتي هذه الزيارة بعد المحادثات التي أجرتها ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية مع النظام الأسدي في دمشق ونتج عنها تحالف جديد بطعم (الباندول).
إدلب القنبلة الموقوتة
استبقت روسيا جميع الأحداث وحذرت قبل كل شيء من أنَّ هناك ضربة بالسلاح الكيمياوي يتم التجهيز لها ستقوم بها جماعات من المعارضة، ولا بد من الإشارة هنا لماهية هذا التهديد المُبطّن، فمنطقة الشمال السوري تعج بالقوات متعددة الجنسيات ولأمريكا وحدها ما يقرب من العشرين قاعدة عسكرية جميعها ستكون ضمن إطار الاستهداف إذا ما انفجر الوضع في إدلب التي يقطنها قرابة الأربعة ملايين جلّهم مُهجرون ونازحون، وبهذا تكون روسيا قد أعفت نفسها من المسؤولية إذا ما حدث فعلاً هجوم بالسلاح الكيماوي ضد أيٍّ من القواعد الأمريكية التي قامت أمريكا مؤخراً بإمدادها بالعتاد العسكري الثقيل والمتوسط.
تركيا: التي تعتبرُ منطقة الشمال السوري عمقاً استراتيجياً يمسُّ أمنها القومي ويُثير مخاوفها كثيراً لكونها منطقة تجمّعٍ لحزب العمال الكردستاني المدرج على قوائم الإرهاب التركية ومخافة تدفق موجة قد تكون مليونية من النازحين الجدد، هي أيضاً لن تقف مكتوفة الأيدي فشريطها الحدودي البالغ طوله أكثر من 900 كلم يشكل خاصرةً هشّة وربما ممراً عبر بعض قنواته لجماعات إرهابية أو عمالية كردستانية تقوم بزعزعة أمنها الداخلي وهذا ما تخشاه تركيا، لذا قامت بتعزيزات عسكرية إضافية على شريطها الحدودي يضمن لها أمناً ولو بشكل من الأشكال، أما سياسياً فتركيا قادرة على إغراق أوروبا بملايين اللاجئين بزمن قياسي إذا ما تخلى حلف الناتو عن دعم موقفها في هذه الحرب المحتملة، وهذه ورقة سياسية مهمة جداً تُجيد تركيا استخدامها ببراعة فائقة.
النظام الأسدي: والذي يقوم منذ أيام بزج تعزيزاتٍ عسكرية هائلة لخطوط التماس مع الشمال متذرعاً بالأسطوانة المشروخة في محاربة الإرهاب واستعادة وحدة التراب السوري، محاولاً بذلك فرض نفسه كلاعبٍ أسياسي في هذه المعادلة، أما الحقيقة فإن هذ النظام وبجميع مكوناته عبارة عن بيدق روسي يحركه كيفما يشاء.
إيران: التي تدافع عن تواجدها في سوريا بحجة أنها جاءت بطريقة شرعية من النظام الأسدي (الفاقد للشرعية أصلاً)، هي تحاول أن تُبقي على مصالحها في سوريا والمتمثلة ببعض القواعد العسكرية التي تقوم من خلالها برفد منظماتها الإرهابية العاملة في لبنان واليمن بالمؤن والسلاح والمقاتلين والخبراء العسكريين والحفاظ على مختبراتها النووية التي أقامتها في سوريا والتي تُشكل حجر زاوية يضمن لها تواجداً إقليمياً لتحاول الالتفاف من خلاله على العقوبات الأمريكية التي ستزيد وطأتها في شباط/ فبراير المقبل من هذا العام.
روسيا: التي تُمسك بزمام جميع الأمور، وتعمل من خلال نفوذها المُطلق في سوريا على مراقبة جميع الجبهات وتحريك أحجار الرقعة بدقة متناهية لضمان دور المايسترو من جهة، ومن جهة أخرى مغازلة العالم وخصوصاً أوروبا من خلال العزف على وتر إعادة اللاجئين وضمان ملف إعادة الإعمار.
جميع المؤشرات تقول إنَّ حرباً ضروساً ستدور رحاها في الشمال السوري خلال الفترة القريبة القادمة، ليبقى أيلول/ سبتمبر موعداً لاجتماعات وقمم عديدة في إسطنبول وطهران وجنيف ستشارك فيها الدول اللاعبة بالإضافة إلى فرنسا وألمانيا (الدولتان القويتان في الناتو) ليس لمنع الحرب ولكن لضمان محدودية هذه الحرب التي ستنتج عنها تفاهمات جديدة، سيتحدد من خلالها وجه المنطقة واصطفافات الدول.