أبو الفوز و"الرسم على الموت"
هل تخيلتم يومًا أنّ الموتَ يمكن أن يكون موطنًا للفنّ؟ على الأغلب: لا. ولكن، إن لم تسمعوا عن الفن المجلّل برداء الموت، أو الموت المحاط بزينة فنّ الحياة، فلتسمعوا عن "أكرم أبو الفوز" الفنّان الدوماني الذي حوّل القنابل العنقودية، والقذائف ومخازن الأسلحة إلى قطع فنية، مجلّلة بألوان الحياة.
أبو الفوز فنّان ثلاثينيٌّ من مدينة دوما بالغوطة الشرقية المحاصرة، والتي تمطرها روسيا على الدوام بقذائف الموت بعد أن تسلّمت مهمّة شبح الموت في الغوطة من براميل الموت الأسدية بدائية الصنع التي كانت تمطر الغوطانيين يوميًا قبل التدخل الروسي.
روسيا تقتل الغوطانيين قتلاً متوحشًا تمامًا مثل النظام الأسدي، ولكنّها تقتل بآلات "متطورة" آلات تقذفها من السماء، فتسقط على الأرض لتقتل من تقتل، وتقتنص حياة من تقتنص من المدنيين الآمنين. ثمّ يتمثّل مشهد الموت الصامت في لوحة مرسومة من رفات الضحايا وبقايا القنابل والصواريخ الشاهدة على حقّ الحياة المنزوع بالوحشية الشديدة.
يجمع فنّاننا أكرم أبو الفوز شواهد الموت، ليبدأ فنًا جديدًا أسماه "الرسم على الموت" ...يستأنس أبو الفوز وحش الموت المخيف ليحوّله إلى قطع فنيّة تتراصّ على أرفف منزله ويلعب بها أطفاله. يحوّل أبو الفوز "الفناء" الذي يوجده الموت إلى "بقاء" الأعمال الفنيّة التي ستشهد أمام العالم كلّه أنّ الروس وصواريخهم وقذائفهم كانوا يومًا هنا في دوما الأبية يخنقون الحياة، ويحولون البشر إلى أشلاء والبيوت إلى أنقاض.
حين بدأ أبو الفوز في مشروع تأنيس الموت وتحويله، عرض صور آلات الموت الملوّنة وكتب معلّقًا:
"تقتلنا ونلونها ..
تدمر بيوتنا ونزينهم بها ..
نعبر من خلالها عن صمودنا
وتفاؤلنا بحياة أجمل
فكما إن الموت حق ..
فالحياة أيضاً حق .."
في يناير الماضي، قصف الأسد مدينة دوما بغاز الكلور الذي خنق النّاس ودمّر النبات، فرسم "أبو الفوز" على قناع الحماية ليجعله شاهدًا على هذه الجريمة، وكتب على صفحة "الرسم على الموت" : "رئتي دمشق وسوارها وقلعة الثورة برجالها الغوطة الشرقية، ومدينتي دوما عروسها ومنبع الرجال وأرض الكرامة، اصرخوا لأجلها وقفوا معها، دوما لم تختنق فقط بغاز كلور الأسد، إنّما اختنقت من صمتكم".
وحين اشتدت حملة القصف على الغوطة الشرقية منذ التاسع عشر من فبراير، رسم أبو الفوز على بقايا آلة من آلات القصف، وكتب: "يقتلنا الأسد كل يوم بقذائفه و حصاره، فيقصف مشافينا و يجوّع أطفالنا و يهدم مبانينا، فيصمت العالم عن مذبحتنا بينما نحن نبحث عن فسحة نبني فيها ما هدمه لنعالج جراحنا و نزرع ما حرقه لنطعم أطفالنا و نرسم على قذائفه من أجل السلام".
وحين كان مؤتمر سوتشي حول سوريا يقام لتقرير حياة من تبقّى من السوريّين في نهاية 2017 عبّر أبو الفوز عن مفارقات سوتشي بطريقته، فجمع فوارغ الرصاص الروسي وبقايا قنابل عنقودية وقذيفة هاون، وحوّلها إلى قصر الكرملين، وكتب : "لأولئك الذين يتفاوضون حول مصيرنا ومستقبلنا: الشمس لم ولن تشرق من موسكو ، سأكون أكثر تشدداً، سأكون الإنسان وأبني لكم قصراً تتفاوضون فيه بالغوطة الشرقية ، قصراً من قذائف سوتشي وصواريخ الكريملن".
فنّ أبو الفوز نوعٌ جديد من الفنّ لم نعرفه من قبل، إنّه "فنّ الموت" ...عرف النّاس فنّ الحروب، وفنون السّلام، لكن أن يحوّل أحدهم "الموت" ذاته إلى فنّ، فربما لم يسبق أحدٌ أبو الفوز بهذا الفنّ. يرسم أبو الفوز على الموت، ويواصل الرسم في كلّ يوم تخطئه قذيفة روسية أو رصاصة أسدية، ليجمع فوارغها ويرسم عليها، ويرجو يوم يبدأ فيه الرسم على الحياة ولأجل الحياة. وإلى أن يأتي هذا اليوم، فلنوصل نداء الغوطة، ونداء أبو الفوز للعالم: الحياة حق، وهم يحبون الحياة إذا ما استطاعوا إليها سبيلاً.