سوريا الجديدة تستقبل مجلس الأمن: سيادة كاملة واعتراف دولي متزايد
في حدث يعدّ نقطة تحوّل في موقع سوريا على خريطة العلاقات الدولية، وصل وفد كامل من ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى دمشق، في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها منذ أكثر من أربعة عشر عاماً، وتأتي في توقيت لافت يرتبط بمرور عام كامل على التحرير، وبمستجدات سياسية واقتصادية أبرزها رفع جزء من العقوبات الدولية عن القيادة السورية الجديدة، وفي مقدمتها الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب.
هذه الزيارة تحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية عميقة، تؤسس لمرحلة جديدة كاملة من العلاقة بين سوريا والمجتمع الدولي، وتعيد ترسيم دور دمشق في الإقليم والعالم.
أولاً: سورية تدخل عامها الأول من السيادة الكاملة بعد التحرير
تزامن الزيارة مع الذكرى السنوية الأولى للتحرير لم يكن مصادفة، بل رسالة واضحة مفادها أن سوريا أصبحت دولة مستقرة تتعافى من آثار الحرب، وتعيد بناء مؤسساتها على أسس جديدة تتسم بالشفافية والحوكمة والانفتاح.
ويشير توقيت الزيارة إلى اعتراف متزايد بأن سوريا تجاوزت مرحلة "إدارة الأزمة" ودخلت في مرحلة "إدارة الدولة"، فالاستقرار الأمني النسبي، وعودة المؤسسات للعمل، وبدء مشاريع إعادة الإعمار، جميعها عوامل جعلت سوريا تُقدَّم اليوم كـ"نموذج دولة خارجة بنجاح من صراع طويل".
ثانياً: إجماع دولي استثنائي… وسابقة منذ أربعة عشر عاماً
للمرة الأولى منذ عام 2011، يتفق أعضاء مجلس الأمن —الدائمون وغير الدائمين— على زيارة مشتركة إلى دمشق، وهذا الإجماع يعكس "اعترافاً بشرعية المؤسسات السورية الجديدة، وإدراكاً بأن البلاد تسير نحو استقرار دائم، واستعداداً دولياً للتعامل مع سوريا كدولة ذات سيادة لا كملف أمني.
كما أن خلافات الدول الكبرى حول سوريا، والتي عطلت المجلس طوال سنوات، تراجعت اليوم لمصلحة رؤية جديدة مفادها: سوريا باتت مستقرة بما يكفي لفتح صفحة سياسية جديدة.
ثالثاً: محاولة أممية لاستعادة ثقة السوريين
خلال سنوات الحرب، فقد السوريون الثقة بمجلس الأمن نتيجة عجزه عن وقف الجرائم والانتهاكات.
لكن الزيارة الحالية تمنح المجلس فرصة مهمة لـ (إعادة بناء الثقة المفقودة، فهم الواقع السوري بعيداً عن تقارير القاعات المغلقة، والتواصل المباشر مع القيادة السورية الجديدة، وإظهار احترام السيادة السورية بعد سنوات من التجاهل الدولي)، هذه النقلة من "مجلس أمن يراقب سوريا" إلى "مجلس أمن يزور سوريا" تحمل رمزية سياسية كبيرة.
رابعاً: رسالة مباشرة بعد الاعتداء الإسرائيلي الأخير
تأتي الزيارة بعد أيام قليلة من الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي السورية، في لحظة حساسة أمنياً، ويمكن قراءة الزيارة كرسالة دولية واضحة هي (التمسك بسيادة سوريا ووحدة أراضيها، ورفض الاعتداءات الخارجية أيّاً كان مصدرها، ودعم الاستقرار الداخلي، والاعتراف بأن سوريا ليست ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية)، كما أن الوجود الأممي في دمشق بهذا التوقيت يشكّل مظلة سياسية معنوية للدولة السورية في مواجهة أي تهديد خارجي.
خامساً: سوريا تنتقل من مسار الحرب إلى مسار التعافي
تؤكد الزيارة أن سوريا تتقدم نحو مرحلة إعادة الإعمار الشامل، حيث تتركز أولويات الدولة على "إعادة بناء البنية التحتية المنهكة، وإعادة الخدمات الأساسية، وتأهيل الاقتصاد الوطني، وعودة النازحين والمهجرين، وإصلاح المؤسسات الأمنية والإدارية"، فما يجري اليوم يضع سوريا على مسار التنمية بعد أكثر من عقد من الحرب.
سادساً: سوريا لم تعد ملفاً مطروحاً على طاولة الأزمات الدولية
واحدة من أهم دلالات الزيارة أن سوريا خرجت من دائرة الانهيار الأمني والسياسي التي كانت تفرض نقاشات مستمرة داخل مجلس الأمن.
اليوم: تقلصت الحاجة إلى الاجتماعات الطارئة حول سوريا، وتحوّلت الدولة من "أزمة دولية" إلى "دولة مستقرة تتفاعل مع الأمم المتحدة"، وباتت دمشق طرفاً فاعلاً لا موضوعاً للتجاذبات، فاستقبال مجلس الأمن فوق الأراضي السورية هو اعتراف عملي بأن السيادة السورية باتت كاملة وأن البلاد تستعيد دورها الطبيعي كدولة مستقلة كاملة الأهلية.
سابعاً: بداية مرحلة جديدة في علاقة سوريا بالأمم المتحدة
الزيارة تعكس تحولاً عميقاً في علاقة دمشق بالمؤسسات الدولية، من علاقة توتر ومراقبة، إلى علاقة شراكة واحترام، وتفتح الزيارة الباب أمام: مشاركة أممية في برامج التعافي المبكر، ومشاريع إعادة الإعمار، ودعم المؤسسات الإدارية والقانونية، وبرامج دعم العودة الآمنة للنازحين، وتعاون اقتصادي وخدمي طويل الأمد، وهذه العلاقة الجديدة تقوم على التنسيق وليس الإملاء.
ثامناً: ترسيخ مبادئ السيادة ووحدة الأراضي
تؤكد سوريا الجديدة على أن الحلول لا يجب أن تُفرض من الخارج، وأن ملكية القرار الوطني بيد السوريين فقط، وهو ما يعترف به المجتمع الدولي اليوم بصورة أوضح من أي وقت مضى.
الزيارة بحد ذاتها تمثل اعترافاً أممياً بوضوح: بسيادة الدولة السورية، وحدة أراضيها، وحقها في إدارة شؤونها الداخلية دون تدخل.
تاسعاً: اعتراف مباشر بصمود الشعب السوري
لا تغيب الرسائل المرتبطة بالشعب السوري عن المشهد، فالوفود تدرك تماماً أن صمود السوريين ــ رغم كل الظروف ــ هو ما أعاد البلاد إلى موقعها الطبيعي، وتحمل الزيارة دلالة تقدير دولي لـ: الإرادة الشعبية، قوة المجتمع، وشرعية المشروع الوطني الجديد.
خلاصة المشهد
الزيارة التاريخية لمجلس الأمن إلى دمشق تمثل إعلان دولي جديد مفاده أن سوريا استعادت سيادتها، وفرضت استقرارها، وعادت لاعباً شرعياً في المجتمع الدولي، وسوريا الجديدة — بقيادتها ومؤسساتها وشعبها — تدخل اليوم مرحلة سياسية مختلفة، تُبنى فيها العلاقات على الاحترام المتبادل، لا على الضغوط، وعلى الشراكة، لا على الإملاء.