المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
● مقالات رأي ٢٠ أغسطس ٢٠٢٥

المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع

أثار الإعلان الرسمي عن لقاء وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع وفد إسرائيلي في باريس بوساطة أميركية، موجة من النقاش والجدل حول طبيعة الموقف السوري من إسرائيل. غير أن قراءة دقيقة في سياق هذا اللقاء توضح أن الحديث عن المفاوضات لا يعني تحولاً في الثوابت السورية، بل انعكاساً لتبدل قواعد الاشتباك التي فرضها العدوان الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة.

الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لمواقع عسكرية وحيوية داخل الأراضي السورية كسر المعادلة التقليدية التي حكمت الوضع منذ توقيع اتفاق فصل القوات عام 1974. ومع استمرار الغارات وتوسعها لتشمل بنى تحتية حساسة، وجدت دمشق نفسها أمام ضرورة البحث عن أدوات جديدة لاحتواء التصعيد، فالتفاوض عبر قنوات رسمية ووسطاء دوليين يأتي هنا كخيار دفاعي، هدفه تثبيت خطوط التهدئة القديمة، لا فتح مسار سياسي جديد.

إطار قانوني قائم

 تركيز المحادثات في باريس على إعادة تفعيل اتفاق 1974 يثبت أن دمشق لا تسعى لتغيير الواقع السياسي أو الدخول في صفقة تطبيع، بل لإحياء الإطار القانوني الذي يشكل أساس وقف إطلاق النار. لكن اللافت أن المباحثات لم تقتصر على هذا الجانب، إذ تطرقت أيضاً إلى ملف محافظة السويداء حيث تصاعدت التوترات في الأونة الأخيرة، وهنا برزت الوساطة الأميركية في طرح فكرة إنشاء ممر إنساني يسمح بوصول المساعدات إلى المجتمع الدرزي في السويداء، وعلى الرغم من صعوبة تنفيذ هذا الممر الذي سيمر عبر درعا بالتأكيد، ومن غير المعلوم كيف كان رد دمشق على هذه النقطة.

ويرى محللون أنه لقطع الطريق على فتح أي ممرات اسرائيلية للسويداء قد تستخدم لإيصال السلاح والمال لميلشيات الهجري، فإن الحل الوحيد أمام دمشق، هو إعادة فتح جميع الطرقات الى السويداء وحماية المحافظة من أي محاولات انتقامية من خارجها، وتشديد عمليات التفتيش، والتأكيد على حماية الخارجين من السويداء، والسماح لجميع أشكال التبادل التجاري مع المحافظة وخارجها، وهذا هو الحل الوحيد الذي قد يقطع الطريق على المحاولات الإسرائيلي لفتح ممرات أمنية للسويداء.

هذه المفاوضات المباشرة والإعلان الرسمي عنها، يُقرأ كمحاولة مزدوجة: من جهة تثبيت اتفاق 1974، ومن جهة أخرى معالجة البعد الإنساني والأمني المرتبط بالسويداء، بما يمنع انزلاق الوضع نحو مواجهة عسكرية أوسع قد تعصف باستقرار الجنوب السوري بأكمله.

الارتباك الإسرائيلي والانتقادات الداخلية والخارجية

في إسرائيل نفسها، برزت انتقادات لاذعة للسياسة العسكرية تجاه سوريا. فقد وصف مسؤولون في المعارضة المعارضة الاسرائيلية، استهداف وزارة الدفاع في دمشق بأنه تصعيد متهور. هذا الانتقاد، إلى جانب انقسام داخلي بين من يروّج لاستمرار الضغط العسكري ومن يحذّر من مخاطره.

ولم يقتصر الجدل داخلياً على الانقسام بين من يدعم التصعيد العسكري ومن يحذّره، حيث ضمّ ردود فعل صارخة من داخل المؤسسات الإسرائيلية. فقد وصف زعيم المعارضة يائير لابيد الغارات الأخيرة على دمشق بأنها “غير ضرورية ومتهورة”، منتقداً حكومة نتنياهو لغياب استراتيجية إقليمية واضحة:

“أعني كأننا كنا ثملين من القوة، نضرب في أي مكان في الشرق الأوسط بدون سياسة واضحة”  .

وكان البيت الأبيض قد صرح حينها ان الرئيس الأمريكي ترامب تفاجأ بالقصف الإسرائيلي على سوريا وأن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، لعب دورا في خفض التصعيد، كما انتقد المبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك التدخل الإسرائيلي في سوريا قائلا إنه أتى في توقيت سيء جدا.

من جهة أخرى، نبه مراقبون أميركيون متخصصون في الأمن إلى أن استهداف وزارة الدفاع في دمشق يعرض فرص التهدئة إلى خطر الانهيار، ويُعد ضربة لمساعي التهدئة الجارية. فقد أكد دانييل شابيرو من مجلس الأطلسي أن:

“الضربات على مقر وزارة الدفاع في دمشق تمثّل انتكاسة للمفاوضات غير الرسمية بين سوريا وإسرائيل”  .

الالتزام بالعباءة العربية شرط للمضي نحو السلام

سوريا لن تخرج عن العباءة العربية فيما يخص أي مسار يتعلق بالسلام مع إسرائيل، خاصة في ظل تحسن علاقاتها مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية. هذا التوجه يؤكد أن دمشق لن تتحرك نحو أي تسوية شاملة بمعزل عن أشقائها العرب، وأنها تلتزم بالموقف السعودي الواضح الذي يربط أي سلام بإقامة دولة فلسطينية وفق حل الدولتين باعتباره الطريق الوحيد لتحقيق تسوية عادلة مع إسرائيل.

القادة السعوديون – وغيرهم من المحيط العربي – جددوا التمسك بموقف ثابت: لا تطبيع إلا بشرط تأسيس دولة فلسطينية مستقلة وحل الدولتين، وهذا يؤكد أن سوريا لن تخوض مفاوضات سلام منفردة، بل في إطار توافق عربي واسع.

التفاوض لمنع الانفجار

المفاوضات في السياق السوري الحالي ليست خيار ضعف ولا تمهيداً لتطبيع، بل أداة لإدارة التوازن ومنع الانفجار، وهي محاولة لتقليص هامش المناورة الإسرائيلي، وتثبيت قواعد اشتباك واضحة تعيد الملف إلى مرجعيته القانونية، بدل تركه مفتوحاً على احتمالات التصعيد.

اللقاء العلني بين دمشق وتل أبيب بوساطة أميركية لا ينبغي قراءته كتبدل استراتيجي او تنازل عن المبادئ والمسلمات، بل كتحرك تكتيكي دفاعي تفرضه التحديات الميدانية، فدمشق ما زالت تتمسك بالثوابت الوطنية، وتستخدم أدوات التفاوض ليس للتقارب مع إسرائيل، بل لتقليص مخاطر العدوان ومنع واقع عسكري أكثر خطورة.

 

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ