ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
● مقالات رأي ١٣ أغسطس ٢٠٢٥

ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى

أثار فيديو إعدام أحد الأشخاص داخل مستشفى السويداء الوطني، قبل أيام، موجة واسعة من الغضب والإدانة، اجتاحت المنصات الإعلامية والحقوقية على السواء. وانهالت المواقف من شخصيات عامة، ومسؤولين رسميين، ومؤسسات حقوقية، معتبرة أن ما حدث يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون، وضربًا لقيم الدولة والمؤسسات، وإهانة للعدالة.

وهذا الغضب، على فظاعته، كان مفهومًا تمامًا، رغم عدم وضوح ملابسات الحادثة بشكل كامل حتى اللحظة. ومع ذلك، فإن ما لا خلاف عليه هو أن إذلال أفراد الطواقم الطبية أو استهدافهم، سواء ميدانيًا أو معنويًا، أمر مرفوض بالمطلق.

لكن يفترض أن تكون معايير الأخلاق والعدالة واحدة. فعندما تقع انتهاكات هنا أو هناك، يجب إدانتها جميعًا دون تمييز، وعدم الانحياز لطرف ضد آخر لمجرد القرب الفكري أو الطائفي. فالانتهاك يبقى انتهاكًا، سواء صدر من صديق أو من خصم.

اليوم، وفي مشهد لا يقل خطورة، انتشر مقطع مصور يُظهر مجموعة مسلحة تتبع لميليشيات حكمت الهجري، وهي تطلق النار مباشرة على المسجد الكبير في مدينة السويداء، ما أدى إلى تدمير أجزاء من بنائه وتخريب محتوياته، وسط شعارات طائفية فجّة. مشهد يُنذر بموجة غضب طائفي، وقد يجر وراءه تداعيات لا تُحمد عقباها.

اللافت في هذه الحادثة لم يكن فقط الاعتداء على أحد دور العبادة، بل الصمت شبه الكامل من ذات الجهات والشخصيات التي كانت الأعلى صوتًا في إدانة مشهد القتل داخل المستشفى. تلك الأصوات غابت أو تجاهلت، وكأن استباحة مسجد لا تستحق موقفًا أو إدانة، فقط لأن الفاعل هذه المرة من “جماعتها”، أو لأن الضحية لا يتوافق مع الامتداد السياسي أو الطائفي لها.

هذا الصمت الانتقائي، الذي تحكمه الهوية والانتماء والمزاج، لا يقل خطرًا عن الانتهاك ذاته. بل إنه يكرّس ثقافة أخطر، تقوم على تصنيف الضحايا وشرعنة الظلم متى ما وافق هوى البعض، وتحوّل العدالة إلى أداة انتقائية، لا قيمة لها إلا حين تناسب الانحيازات.

الاعتداء على المسجد لا يمكن فصله عن سياق التوترات الطائفية المتصاعدة في السويداء، في ظل تنامي سلطة الفصائل المسلحة، وتزايد الخطاب التحريضي والطائفي، لا سيما من شخصيات ذات تأثير واسع داخل الطائفة الدرزية، أمثال ماهر شرف الدين، الذي لم يتوقف منذ أسابيع عن ضخ خطاب عدائي صريح ضد المسلمين السنة.

وفي ظل غياب القانون، وعدم القدرة على محاسبة أي طرف متورط بانتهاكات — سواء داخل الفصائل المسلحة أو خارجها — تستمر بعض الجهات في تحميل الدولة كامل المسؤولية عن كل ما يجري، بينما تتغاضى تمامًا عن مسؤولية ميليشيات الهجري، التي ارتكبت انتهاكات موثقة ضد أبناء العشائر البدوية، من قتل وتهجير وتدمير للممتلكات.

ما يجري في السويداء هو اختبار حقيقي للنخب والمثقفين والناشطين، الذين لطالما تحدثوا عن العدالة والحياد الأخلاقي، لكن كثيرًا منهم يتراجعون عن هذه القيم عندما يكون الطرف المخطئ هو ذاته الذي يدعمونه. بل يسارع بعضهم إلى اختلاق مبررات سخيفة لأفعال لا يمكن الدفاع عنها بأي معيار أخلاقي أو قانوني.

فهل تُرفع الأصوات هذه المرة دفاعًا عن حرمة المسجد كما رُفعت سابقًا دفاعًا عن المقتول في المستشفى؟ أم أن المعايير ستبقى مزدوجة، والإدانات انتقائية، تُقاس بميزان الطائفة والانتماء لا بميزان العدالة؟

العدالة لا تتجزأ. من يرفض القتل، يجب أن يرفض أيضًا تدنيس دور العبادة. ومن يندد بغياب القانون في المستشفى، يجب أن يرفضه أيضًا حين يغيب في المسجد. أما من يختار الصمت حين لا تناسبه هوية الضحية، فلا يمكنه بعد اليوم التحدث باسم الإنسانية أو الأخلاق.

في لحظة كهذه، تبدو سوريا بأمسّ الحاجة إلى خطاب وطني نزيه، لا يستند إلى الخلفيات المذهبية ولا الاعتبارات الفصائلية، بل إلى القيم التي تُبقي المجتمعات موحدة وتحول دون سقوطها في مستنقع الكراهية والدمار.

الكاتب: أحمد ابازيد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ