
الزواج المبكر في سوريا: ظاهرة تفاقمت مع الحرب وتحرم الفتيات من الطفولة والمستقبل
تفاقمت ظاهرة الزواج المبكر للفتيات في سوريا مع امتداد سنوات الحرب، إذ اضطرت العديد من العائلات، تحت ضغط النزوح وتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، إلى تزويج بناتها في سن صغيرة، ما حرمهن من طفولتهن وألقى بهن في دوامة من المسؤوليات تفوق أعمارهن وقدراتهن، من حياة زوجية إلى الحمل والولادة.
وبحسب بيانات منظمة اليونيسف، فإن نسبة زواج الأطفال في سوريا كانت 12٪ عام 2011، لكنها ارتفعت إلى 18٪ عام 2012، ثم وصلت إلى 32٪ عام 2014. وفي شباط/فبراير 2019، كشف صندوق الأمم المتحدة للسكان أن النسبة بلغت 46٪. وتشير مصادر محلية إلى أن هذه الأرقام ارتفعت في السنوات التالية، مع استمرار الأزمة وتفاقم معاناة السوريين، لا سيما في مناطق النزوح والمخيمات.
إحدى أبرز التداعيات المباشرة لهذه الظاهرة هي حرمان الفتيات من التعليم. إذ أشارت العديد من الشهادات إلى أن المسؤوليات الجديدة الملقاة على كاهلهن بعد الزواج حالت دون استكمال الدراسة. تقول "بيان الناصر"، التي تزوجت في الصف التاسع:"وعدتني حماتي بأن تسمح لي بالدراسة وتساعدني، لكني وجدت نفسي غارقة في أعمال المنزل. حتى زوجي طلب مني نسيان فكرة التعليم. أشعر بالحسرة كلما رأيت صديقاتي يتابعن دراستهن."
إضافة إلى انقطاع التعليم، تنتهي نسبة من هذه الزيجات بالطلاق، بسبب عدم نضج العلاقة، وسوء الفهم بين الزوجين، وغالباً ما يتعرضن لسوء المعاملة من الزوج أو أسرته. تقول "سوزان الخضر": "كنت في الرابعة عشرة من عمري حين تزوجت. تأثرت بالمسلسلات الرومانسية وظننت أن الزواج يشبهها، لكنني صدمت بالواقع. انتهى زواجي بالطلاق بعد عام واحد فقط."
وتحذر تقارير طبية من المخاطر الصحية للزواج المبكر، حيث تكون الفتاة غير مؤهلة جسدياً ونفسياً للحمل والولادة. وتشمل هذه المخاطر: فقر الدم، تسمم الحمل، التهابات الجهاز التناسلي، بل وحتى الوفاة، إذ تُصنّف الولادة من بين الأسباب الرئيسية لوفاة الفتيات في عمر 15-19 عاماً.
في مواجهة هذه الظاهرة، أطلقت منظمات إنسانية حملات توعية تستهدف الأهالي، عبر جلسات ميدانية ووسائل الإعلام، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، للحديث عن تبعات الزواج المبكر على التعليم والصحة والمستقبل.
ورغم أن الزواج المبكر ليس ظاهرة طارئة على المجتمع السوري، فقد أدى النزاع المسلح إلى تفاقمه بشكل غير مسبوق، مما جعل الفتاة هي الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، حيث تُنتزع منها حقوقها الأساسية في التعليم والنمو السليم، لتواجه أعباء الحياة في وقت يفترض فيه أن تعيش طفولتها.
ويؤكد العاملون في الشأن الإنساني أن التوعية المجتمعية وتوفير بدائل آمنة للتعليم والمعيشة هما السبيل الوحيد للحد من هذه الظاهرة وحماية الفتيات من الوقوع ضحية للزواج المبكر.