منصات التعليم الإلكتروني .. بديل في وقت الأزمات
خلال سنوات الثورة السورية كان قطاع التعليم أحد أهم القطاعات التي تأثرت وبشكل كبير، حيث استهدف نظام الأسد وروسيا وإيران المدارس طيلة عشر سنوات، وارتكب في بعضها المجازر التي راح ضحيتها طلابٌ ومعلمون، لتتفاقم المأساة في آخر عامين، بعد الحملة العسكرية التي شنها النظام مدعوماً من روسيا وإيران، على أرياف إدلب وحلب وحماة، خلفت مئات الآلاف من النازحين الذين تشردوا في المخيمات الحدودية، والقرى والمدن الخارجة عن سيطرة نظام الأسد.
ولتكتمل المأساة، كان فيروس كوفيد_19 بدأ بالانتشار في مختلف دول العالم، ومع وصوله إلى الشمال السوري، أصدرت مديرية التربية في إدلب قراراً يقضي بإغلاق المدارس، ضمن الإجراءات الوقائية للحد من انتشار الفيروس، منتصف العام الماضي.
قاعدة هشّة ومحطمة بالأساس لدى طلاب المدارس في الشمال، دفعت الكثيرين للبحث عن بدائل حقيقية تنقذ ما يمكن إنقاذه من مستقبل أجيال كاملة، قد تقودها الظروف والعوامل الحالية إلى مستنقعات تنعكس سلباً على المنطقة، فكان أحد تلك الخيارات والبدائل هو المنصة التعليمية الإلكترونية عن بعد، والتي تقدم خدماتها التعليمية في المناهج المدرسة عبر مدرسين مختصين عبر الإنترنت.
كيف بدأت الفكرة؟
ما بين الحاجة الملحة لمتابعة التعليم، والعمل على إنقاذ ما تبقى من الأجيال، كانت البداية، وفق ماقال "ياسر ياسين مدللة" مدير منصة "مسارات" التعليمية، والتي تتخذ من مدينة إدلب مقراً ومنطلقاً لعملها، في خدمة طلاب الشهادتين الثانوية والتعليم الأساسي، وبشكل مجاني: "مع سنوات العمل التطوعي لسوريا وأهلنا، ترسخت لديّ قناعة أن أكثر مشاكلنا سببها الجهل. فأولى أولوياتنا يجب أن تكون في محاربته".
وأضاف "مدللة" الذي يقيم في المملكة العربية السعودية، في حديثه لشبكة "شام": "ومع طبيعة عملي والتجارب التي خضتها في الغربة، فكرت أن حجم الاحتياج الضخم في المناطق المنكوبة لا يحله إلا جلب الخبرات السورية من كل مكان، وتوجيهها لمن يحتاجها، فولدت فكرة منصة معرفية تقدم فيها أنواع المعارف التي يحتاجها الفتى أو الفتاة، ويسهم في صناعتها المحترفون السوريون من كل أصقاع الدنيا وتحفظ المعرفة فيها وقفاً عنّا جميعاً ١٠٠ عام أو تزيد".
فانطلقت الفكرة لتصبح واقعاً، اعتمد خلالها الفريق على دعم المغتربين السوريين الذين يحملون هم أهلهم في الداخل، يقول مدللة حول هذا الموضوع: "تؤمَّن التعويضات المالية للمعلمين ووسائلهم التعليمية من اسهامات المغتربين السوريين المؤمنين بالفكرة وواجبهم تجاه أهلهم".
بين الواقع والمستقبل
حظيت المنصة بمتابعة واسعة من قبل الطلاب والمهتمين بالشأن التعليمي والتربوي، فقدمت خلال ما يزيد عن عام، دروساً تعليمية خاصة بطلاب الشهادتين الثانوية والتعليم الأساسي، إضافة إلى دروس تربوية وإرشادات ونصائح هامة، يحتاجها الجيل المتعلم.
سارت الأمور ضمن الخطة الموضوعة من قبل إدارة المنصة، لكن لا بد من وجود بعض العقبات التي تعترض سير العمل، فتحدث "ياسر مدللة" حول تلك العقبات قائلاً: "يمكن تلخيص العقبات التي تعترض عملنا في تأمين التمويل المستقر لتغطية مصاريف التوسع لبقية الصفوف الدراسية، والشحّ الشديد لدى الطلاب في امتلاك أساسيات التعليم (الكتب، القرطاسية، جهاز ذكي لمتابعة الدروس، كهرباء و انترنت)".
بين الإلكتروني والفيزيائي
بما أن التعليم الإلكتروني أصبح طارئاً على المجتمع السوري نتيجة ظروف محددة، كان لا بد للمعلمين من العمل لتدارك السلبيات، والعمل على تطوير الإيجابيات، وفي لقاء أجرته " شام" مع المدرّس "محمود السلوم" للحديث عن الفارق بين التعليم الإلكتروني والتعلم الفيزيائي قال: "التعليم الافتراضي يوفّر الحلّ لتعليم الطلاب في المناطق البعيدة، وخاصة طلاب المخيمات في ظل النزوح وانعدام المؤسسات التعليمية، ما يوفر التعليم المستمر وفي أي مكان. مع اختصار للوقت والتكاليف. وإمكانية التعلم مع الاستمرار بالعمل. في حين تجد التعليم الفيزيائي غير متاح للجميع، بسبب بعد الكثير من الطلاب عن المدارس، بعد تعرض الكثير منها للتدمير بسبب القصف. وأيضاً، ازدحام الصفوف التعليمية وافتقار المدارس لأساسيات التعليم بسبب ضعف دعم القطاع التعليمي".
وتابع "السلوم" متحدثاً عن دور التعليم الإلكتروني في سد الفجوة الحاصلة نتيجة الظروف السابقة، منوهاً إلى أن دوره الإيجابي يكمن في "سد النقص بالقطاع التعليمي، وخاصة بعد تناقص عدد المدارس وخروج أغلبها عن الخدمة، نتيجة القصف أو الاحتلال. وقلة الكادر التدريسي، وكذلك يفتح الآفاق والأمل أمام المنقطعين والأمهات وغيرهم، كما أنه يوفر الوقت والجهد والتكاليف".
في المقابل حدد بعض النقاط التي يعتبرها من السلبيات في عملية التعليم الإلكتروني، يقول " لكن غالباً يواجه التعليم الإلكتروني بعدم تقبل المجتمع لهذا النوع من التعليم وسوء الظن فيه بأنه غير ناجع. إضافةً إلى الاقتصار على الجانب التعليمي والنظري.. وغياب دور مهم وهدف مهم ألا وهو الدور القيمي التربوي وهذه ما نسميها بالأهداف الوجدانية. وعجز الطلاب عن تقييم أدائه وتحصيله بشكل مستمر".
وختم سلوم موضحاً بعض العقبات التي يواجهها في عمله كمدرس للغة العربية في منصة "مسارات" التعليمية، "هنالك بعض العقبات، منها ضعف الشابكة، وانقطاعها في أغلب الأحيان، وهذا يحتاج توفير بنية تحتية ذات جودة عالية من حيث سرعة وسائل الاتصال وتوفير أجهزة حديثة. وبناء مواد ومناهج تعليميّة إلكترونية. وتدريب المدرسين وزيادة كفاءتهم في استخدام هذه التقنيات. وهذا النوع من التعليم الدخيل على مجتمعنا في الشمال السوري".
ماذا يقول المستفيدون؟
الهدف الرئيس من المنصات التعليمية ومحورها هو الطالب، فالطالب هو الذي يحدد الجدوى ومدى الاستفادة منها، ولذلك التقينا بالطالبة بيان سلوم التي كانت أحد المستفيدين من منصة "مسارات" خلال العام الماضي، لتحدثنا عن رأيها في التعليم الإلكتروني، فقالت: "هناك أسباب كثيرة دفعتني للتسجيل في التعليم الإلكتروني. أولا هي تجربة جديدة علينا في التعليم عن البعد، وخروجها عن التعليم التقليدي المعروف.. ولأن دروسها تفاعلية، نشارك ونسأل ونجيب، والأهم من ذلك جمعت كادراً متميزاً، وهي مجانية لنا دون مقابل أو أي تكلفة. فقدمت لي الدروس التفاعلية عن بعد، وجميع المقررات الدراسية دون عناء أو حاجة للذهاب للمعاهد الخاصة".
وتضيف الطالبة بيان "على الرغم من العبء الذي يقع على الطالب في تأمين مصدر الإنترنت، وتكلفته، فغالبا نعتمد على بطاقات إنترنت محدودة الزمن والمدة. إلا أنها سهّلت علينا الدراسة عن بعد ونحن في المنزل.. إضافة إلى عرضها المحتوى بجودة عالية. وتقديمها معلومات قيمة وهامة".
ولعل مواكبة التطور ومواجهة الأزمات للارتقاء بالواقع التعليمي في الشمال السوري، أوجدا منصات التعليم الإلكتروني، على الرغم من بعض السلبيات والعقبات، إلا أنه أصبح واقعاً معاشاً. يسعى العاملون فيه إلى تطويره بشكل أفضل، وتنميته ليتحول من الرديف إلى الأساس في يوم من الأيام.