
نساء تحررن من سجون الأسد: حرية جسدية فيما لاتزال الندوب النفسية
فرحنا جميعاً بخروج المعتقلين من السجون بعد تحرير سوريا من قبضة الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر عام 2024. إلا أن سلسلة من العقبات تنتظرهم في طريق بناء حياة جديدة بعد زوال القضبان. وغالباً ما تكون هذه الصعوبات أشد وطأة على النساء مقارنةً بالرجال، خصوصاً في مجتمع تحكمه عادات وتقاليد قد تكون مجحفة بحق المرأة. في هذا التقرير، سنسلّط الضوء على بعض هذه العقبات، استناداً إلى قصص واقعية عايشناها، وأخرى رصدناها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الوصمة الاجتماعية
تأتي الوصمة الاجتماعية في مقدمة المشاكل التي تواجهها الناجية، إذ ينظر إليها البعض كمصدر 'عار' أو 'عيب'، خاصة في المجتمعات المحافظة. وقد تتعرض للنبذ من قِبل العائلة أو المجتمع، حيث اشتكت بعض المعتقلات من هجر أزواجهن لهن بعد الخروج من السجن. كما تُوضَع النساء في مواقف محرجة وتُوجَّه إليهن أسئلة مزعجة، مثل: 'هل حدث لك شيء في السجن؟'، 'هل تعرّضتِ للاغتصاب؟'، وغيرها من العبارات الجارحة التي تُسبّب إحراجاً وألماً نفسياً للناجية.
يشكّل خطف الفتيات أو دخولهن السجن، أو حتى التحقيق معهن، مشكلة كبيرة لدى العائلات، تجعلهم عرضةً للشائعات التي قد تسيء إلى سمعتهم وتعكر صفو حياتهم. تحكي مرام (اسم مستعار)، وهي سيدة في الأربعين من عمرها، عن تجربتها، قائلة: "دخلت السجن وأنا في الخامسة عشرة من عمري بسبب قضية، وخرجت منه ولم أكن متزوجة آنذاك، ولم أتعرض للاغتصاب أو لأي انتهاك جنسي. لاحقًا تزوجت وأنجبت أربعة أولاد، أصبحوا اليوم بطولي. مرّ على تلك الحادثة أكثر من عشر سنوات، ومع ذلك لا يزال الناس يتحدثون عني بسوء. كان الله في عون النساء"
ويلازم المعتقلات اللواتي تعرّضن للتعذيب أو العنف الجنسي شعورٌ دائم بالذنب أو العار. بعضهن تجرأن وكشفن عن تلك الانتهاكات، وتحدثن عنها على الهواء مباشرةً لفضح الأسد وقواته وتسليط الضوء على جرائمهم، بينما لجأت أخريات إلى الصمت خوفًا من كلام الناس ونظراتهم القاسية التي لا ترحم.
الفقر والأثر النفسي
عانت ناجيات أيضاً من الفقر وسوء الأوضاع المادية، إذ لا يملكن مصدرًا ثابتاً للدخل، في ظل معاناة أسرهن من مشاكل اقتصادية متفاقمة. ويُضاف إلى ذلك صعوبة إيجاد فرص عمل، نتيجة الغياب الطويل عن سوق العمل، وضعف الإلمام بمتطلبات التوظيف والإجراءات اللازمة. علاوةً على ذلك، تواجه سوريا عمومًا أزمات اقتصادية حادّة، تسعى الحكومة السورية الجديدة إلى معالجتها.
الأسد كان يودع معتقلات في مشافي للأمراض النفسية
وإلى جانب هذه التحديات، تلاحق المعتقلات ذكريات مؤلمة تبقى حاضرة في أذهانهن، مسببةً لهن حالات من القلق والتوتر، تُعرف بالصدمة النفسية (PTSD). فقد تعاني الناجية من كوابيس، أو نوبات هلع، أو فقدان الثقة بالآخرين، خاصةً إذا كان سبب اعتقالها تقريراً كتبه أحد المعارف أو الأقارب، كما حصل مع العديد من المعتقلين.
خرجت بعض الناجيات من المعتقل بوضع صحي صعب نتيجة ظروف الاحتجاز السيئة والإهمال الطبي المتعمَّد من قِبل نظام الأسد، كعقوبة على اتخاذهن مواقف مناهضة لرئيس النظام المجرم بشار الأسد. وفي لقاء إعلامي، كشفت الفنانة السورية سمر كوكش، التي ذاقت مرارة الاعتقال في سجون الأسد، عن تفاصيل صادمة شاهدتها خلال فترة احتجازها؛ إذ كان النظام يخفي النساء في أماكن احتجاز غير مصنّفة رسمياً كسجون، ثم يُنقلن لاحقاً إلى مستشفيات للأمراض النفسية.
قالت كوكش خلال ذلك اللقاء إنها كانت معتقلة في سجن عدرا، وشاهدت السجّانين يجلبون فتيات ويدّعون أنهن مصابات باضطرابات عقلية، فيتم إيداعهن في السجن مؤقتًا قبل نقلهن إلى مستشفيات الصحة النفسية. وأشارت إلى أنها جلست مع إحدى هؤلاء الفتيات، وكانت تبدو بصحة عقلية جيدة، لكنها تعرضت للتعذيب.
فقدان للذاكرة والهوية
كما شاهدنا مقاطع مصوّرة توثق لحظات خروج معتقلين ومعتقلات من السجون، وظهرت في بعضها حالات صادمة؛ إذ بدا بعض الأشخاص فاقدين للذاكرة نتيجة ما عانوه خلال فترة الاعتقال، فيما بدا آخرون غير قادرين على الاستيعاب، أو على التواصل بشكل سليم مع من حولهم. لذلك، لجأ ناشطون إلى تصويرهم ونشر الصور والمقاطع أملاً في أن تصل إلى أهاليهم ويتم التعرف عليهم
وتبقى الناجيات في وضع يستدعي دعماً نفسياً ومادياً مستمراً، بالإضافة إلى الاحتواء من قِبل العائلة والأصدقاء، كي يتمكنّ من تجاوز التجربة القاسية التي مررن بها. فمن حق كل سيدة أن تعود إلى حياتها الطبيعية، وتمارس حقوقها كاملة دون خوف أو خجل، بعيدًا عن الظلم، والانتقادات، والمظاهر السلبية التي يفرضها المجتمع. إن المعتقلين والمعتقلات ضحايا واجهوا الاعتقال بسبب مواقفهم السياسية ومشاركتهم في انتفاضة شعبية ضد نظام الأسد، وهم يستحقون الدعم لا الوصمة.