
بين فقدان السند وتأنيب الضمير.. أمهات المختفين قسرياً يروين مرارة الغياب الطويل
لا تكاد جراح الغياب تندمل في قلوب السوريين حتى تعيدهم قصة مؤلمة إلى واجهة الألم، مذكّرة ببشاعة ما ارتكبته سنوات القمع والاعتقال. وفي قلب هذه المأساة تقف السيدة أم علاء، التي تعيش وحيدة في منزل يفتقر لأدنى مقومات الحياة، بلا أبواب أو نوافذ أو حتى مكان مخصص لقضاء الحاجة، وتعاني وضعاً صحياً يتطلب عملية جراحية تبلغ كلفتها 5000 دولار لا تقوى على توفيرها.
وسط هذا الحرمان، تبقى حسرتها الأكبر على ابنها علاء، الذي اُعتقل قبل 14 عاماً وهو في العشرين من عمره. تقول أم علاء في لقاء إعلامي: "لو كان حياً لكان عمره الآن 34 عاماً"، قبل أن تغرق في موجة بكاء، وهي تتحسر على مصيره المجهول وعلى الحال الذي وصلت إليه، مطالبة بمحاسبة المسؤولين عن معاناة ابنها وآلاف غيره من المختفين قسرياً.
دعوات متجددة للمحاسبة
أم علاء ليست حالة استثنائية؛ بل هي واحدة من مئات الأمهات السوريات اللواتي يرفعن أصواتهن يومياً مطالبات الحكومة السورية الجديدة بتطبيق العدالة ومحاسبة كل المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال حكم النظام السابق.
فبعد سقوط الرئيس المخلوع وفتح السجون، اصطدمت العديد من العائلات بواقع مرير، حيث غاب أثر الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً. وبحسب تصريحات فضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن عدد المختفين قسرياً الذين لم يُعثر لهم على أثر حتى بعد التحرير تجاوز 112 ألف شخص.
فقدان السند في رحلة العودة
مع انطلاق قوافل العودة إلى القرى والمدن المحررة، تجد كثير من الأمهات أنفسهن في مواجهة صادمة مع واقع فقدان السند، خاصة من لا معيل لهن.
تروي أم عبدو (65 عاماً)، النازحة من ريف حماة: "يا حسرة علينا.. أنجبنا الأولاد ليكونوا عوناً لنا عندما نهرم، لكننا فقدناهم على قيد الحياة. كلما احتجت لتركيب جرة غاز أو إصلاح عطل، يشتعل الحنين إلى ابني محمد الذي مات خلف قضبان بشار الأسد".
العودة إلى الأماكن والذكريات المؤلمة
في موازاة ذلك، تعبر أمهات عن خوفهن من العودة إلى قراهن الأصلية، خشية أن توقظ كل زاوية ذكرى مؤلمة. تقول الحاجة آمنة (70 عاماً)، النازحة من ريف إدلب الجنوبي: "في كل مرة أشتاق لابني عبد الله، الذي اُعتقل قبل 12 عاماً، ألوم نفسي وأتساءل: لو أنني منعته من السفر إلى دمشق للدراسة، هل كنت أنقذته؟ ثم أعود لأستسلم لقضاء الله".
أمهات رحلن قبل معرفة مصير أبنائهن
ولم يمهل القدر بعض الأمهات فرصة معرفة مصير أبنائهن، كما حدث مع أم كرمو، التي توفيت قبل أيام قليلة من تحرير المنطقة، دون أن تعرف شيئاً عن ابنها المعتقل منذ أكثر من 13 عاماً، وسط سلسلة طويلة من الإشاعات وابتزاز السماسرة.
انتظار العدالة رغم الألم
وترفض كثير من الأمهات تصديق أن أبناءهن قضوا تحت التعذيب، طالما لم يسلّمن جثامينهم أو يُقم لهن وداع لائق أو قبر يحمل أسماءهم، واليوم، تقف أمهات المختفين قسرياً موحدات خلف مطلب العدالة، مطالبات بتطبيق المحاسبة الحازمة ومعاقبة المجرمين حتى لا تذهب دماء أحبتهن هدراً.