صورة
صورة
● تقارير إنسانية ١٤ أبريل ٢٠٢٥

أمضيت البكالوريا  بالتنقل ما بين ظل الطائرات وغربة النزوح .. الدراسة خلال الحرب

ينشغلُ الناس الآن بالحديث عن امتحان الشهادتين (الثانوية العامة والتاسع الأساسية)، وعن مواعيد الامتحان وبرنامج الفحص وآخر موعد للتسجيل. بينما أنا أعود 12 عاماً إلى الخلف، واستذكرُ سنة البكالوريا الخاصة بي، وكيف مرّتْ عليّ في ظل الحرب.

منذ أن كنت بصف التاسع وأنا أطمح لأن أصبح صيدلانية، لذلك بدأت الدراسة بشكل جدي، وتحسين نفسي في جميع المواد، فكنت أدرس حتى في أوقات الفراغ والعطل الصيفية، وبدأت من هذه المرحلة أحضر نفسي لامتحان الشهادة الثانوية العامة وأربط جميع تفاصيل حياتي به، وأحلم بأجواء الهدوء والتركيز، والالتزام بالدوام المدرسي طوال السنة، لم أتخيل أن الحرب ستندلع بالبلاد وسوف تتسبب بدمار أحلامنا. في صفي العاشر اندلعت الثورة، وفي الحادي عشر والبكالوريا اشتدت أوزار الحرب.

فقد الأحبة وأصوات الموت 
خلال سنة البكالوريا، استشهدَ اثنين من أعمامي في معارك مع فصائل المعارضة ضد نظام الأسد، الأول في ٱب عام 2012، والأخر بعده بأربعة شهور، وعمي الثالث كان معتقلاً في سجون الأسد ولا أحد يعلم عنه أي شي، كان الشعور بالحزن والعجز يسيطر على والدي، ووالدتي تنهار بمجرد سماع صوت الطائرة. لا تفارق رحلات النزوح ذاكرتي في ذلك الوقت، كنا نترك منازلنا وقرانا ونختبئ في القرى الآمنة هرباً من قصف طائرات الأسد، ونجلس مع أقاربنا في مكان واحد بالكاد يسع لنا. فأمضي وقتي بالاعتناء بإخوتي الصغار ومساعدة أمي في إطعامهم وتنظيفهم. وما إن أنتهي أنشغل بتنظيف الأطباق والكؤوس في المطبخ التي كل ساعة تملأه بسبب كثرة عدد الأفراد في البيت.

كم كنت أتمنى أن تسنح لي الفرصة بأن أدرس، فكنت أنتظر الجميع حتى ينام وأفتح الكتب وأدرس قليلاً. حتى عندما عدت إلى القرية، لم يفسح لي المجال بأن أدرس بشكل جيد. أذكر ذات مرة قررت الدراسة على سطح المنزل، كان الجو دافئاً، وأنا أقرأ بصوت عالي وأتجول براحتي في أرجاء المكان، ظهرتْ طائرة في السماء وصارت تقصف. من شدة خوفي نزلت بسرعة على الدرج، فانزلقت عليه واُصيبت رجلي برضوض وجروح في رأسي ويديّ. 

ملاذ تحت الأرض
لم يعد الناس يأمن على حياتهم في قريتنا، فحفروا مغارات تحت الأرض، وصاروا يمضون ليلهم ونهارهم فيها. وأنا أنتظر العائلة حتى تنام وأدرس، وأحيانا أدرس حول الشجر، فمغارتُنا حفرناها في منطقة الأراضي الزراعية، التي رٱها والدي أكثر أمان. لكن ما إن كنت أسمع أصوات القصف والطيران وما تتركه من أخبار فقد وقتل ودماء، أفقد الرغبة بالدراسة، ولا استوعب أي شيء أدرسه.

توقفتْ الحياة تقريباً في القرية مع ازدياد حدة القصف، المدارس كانت تفتح قليلاً ثم تغلق، ويتم إيقاف الدوام بشكل نهائي عند النزوح والقصف، لم أُحظى بجو الهدوء الذي كنت أحلم به، ولا بالدوام المدرسي المطلوب. مع اشتداد القصف وشموله جميع القرى نزحنا باتجاه مخيمات الشمال، أمضيت فيها ثلاثة أشهر، ثم عدنا إلى القرية، واقترب موعد الفحص، وأن لم أدرس المنهاج سوى دراسة بسيطة.

الحرب تحطم الأحلام
في ذلك الحين كان مكان التقديم في إدلب، التي كانت خاضعة لسيطرة قوات الأسد، سافرتُ إلى هناك  كي أخضع للفحص، فلاحظتُ أن أغلب زملائي امتنعوا عن التقديم لهذا العام، وأجلوه للعام الذي يليه على أمل أن تتحسن الظروف. مع كل اختبار كنت أخضع له، كان يزداد شعوري بالإحباط، فكانت دموعي تجيب ورقة الأسئلة قبلي، فأنا لم أُحضر بشكل جيد، وعدة أسئلة لم أكن أعرفها، كنت أضع أجوبتي وأغادر. الامتحان الأفضل لي كان في مادة الإنجليزي التي أجبتها بشكل ممتاز، فأنا كنت قوية في هذه المادة منذ الصف الثامن.

انهيت امتحاني ثم عدت إلى القرية، وبعد فترة قريبة صدرت النتائج، نجحت لكن لم أجمع النقاط التي تؤهلني لفرع الصيدلة، كانت علامتي متوسطة وجيدة، لكن في اللغة الإنجليزية أحرزت علامة ممتازة، فقررت دراسة هذا الفرع، وعدم إعادة البكالوريا من أجل الصيدلة، لفقداني القدرة على تقديم البكالوريا في ظروف مماثلة للتي عشتها. أنا الٱن أعمل بشهادتي مع منظمة إنسانية وسوف أسعى لخدمة بلدي بها خاصة أن الحرب انتهت والحياة بدأت أمامنا نحن السوريين.

الكاتب: سيرين المصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ