من النزاع إلى الشراكة: قراءة في التقرير الأممي حول أحداث الساحل
من النزاع إلى الشراكة: قراءة في التقرير الأممي حول أحداث الساحل
● أخبار سورية ١٤ أغسطس ٢٠٢٥

من النزاع إلى الشراكة: قراءة في التقرير الأممي حول أحداث الساحل

يشير التقرير بوضوح إلى أن التعاون بين الدولة السورية الجديدة والأمم المتحدة وصل إلى مستوى غير مسبوق، حيث تم منح لجنة التحقيق وصولاً غير مقيد إلى المناطق المتضررة، وهو ما لم يحدث طوال عقود حكم نظام الأسد المخلوع. هذه النقطة تمثل تحوّلاً استراتيجياً في النهج السوري، من موقف الرفض والإنكار إلى الانفتاح والشفافية، بما يعزز صورة الدولة أمام المجتمع الدولي ويدعم شرعيتها.

الاعتراف بالمصداقية الوطنية في تقصي الحقائق
التطابق الكبير بين نتائج لجنة التحقيق الأممية واللجنة الوطنية المستقلة التي شُكلت فور الأحداث، يعكس احترافية مؤسسات الدولة الناشئة. هذا التوافق يضعف الاتهامات السابقة التي كانت تقلل من شأن التقارير المحلية، ويؤكد أن الدولة لا تسعى لحماية الجناة، بل تعمل على تحديدهم ومحاسبتهم دون تمييز أو اعتبارات سياسية أو طائفية.

السياق الأمني والسياسي للأحداث
أحداث الساحل وقعت في مرحلة انتقالية حساسة، بعد أشهر قليلة من انتهاء الحرب وسقوط النظام السابق، وسط فراغ أمني، ووجود مجموعات مسلحة خارج السيطرة الكاملة للدولة، التقرير يضع هذه الظروف في إطارها الواقعي، معتبراً أن العنف الذي شهدته المنطقة هو امتداد لإرث طويل من القمع الطائفي والدمار الاجتماعي الذي خلّفه حكم الأسد، وهو ما يجعل الإصلاح الأمني تحدياً مركزياً للدولة الجديدة.

رسائل مباشرة للمجتمع الدولي
التوصية الأساسية للتقرير تدعو إلى دعم الحكومة السورية الجديدة في تنفيذ الإصلاحات وتوسيع نطاقها، مع رفع أي عقوبات متبقية، هذه الدعوة تشكّل اعترافاً ضمنياً بأن الدولة تسير في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج إلى دعم سياسي ولوجستي لتجاوز إرث الحرب وضمان استقرار طويل الأمد.

البعد الحقوقي والعدالة الانتقالية
إبراز التقرير لعدد المتهمين (265 من جميع الأطراف) يعكس التزاماً بمبدأ العدالة الشاملة وعدم الإفلات من العقاب. كما أن توصياته بدمج القوات، وإبعاد المتورطين، ومنع تكرار الانتهاكات، تتماشى مع المعايير الدولية للعدالة الانتقالية، ما يمنح الدولة فرصة لبناء مؤسسات أمنية وقضائية أكثر احترافية واستقلالية.

إدارة السردية الإعلامية ومكافحة التضليل
التقرير يلفت الانتباه إلى تأثير المعلومات المغلوطة وخطاب الكراهية في تأجيج الانقسامات وعرقلة العدالة، وهي نقطة طالما حذرت منها الدولة السورية. إدراج هذه المسألة في الوثيقة الأممية يمنح الحكومة مبرراً لتعزيز برامج مكافحة التضليل الإعلامي، والعمل مع الشركاء الدوليين والمنصات التقنية لحماية الحقيقة.

يؤسس هذا التقرير لمرحلة جديدة من العلاقة بين سوريا والأمم المتحدة، تقوم على الشفافية والتعاون، وتضع العدالة الانتقالية في قلب مسار بناء الدولة. وفي حين لا ينفي التقرير وقوع انتهاكات خطيرة، إلا أنه يقدّم إطاراً واقعياً لفهمها، ويعترف بجهود الحكومة في محاسبة المسؤولين، بما يعزز مصداقية الدولة أمام الداخل والخارج. إذا استثمرت سوريا هذا الزخم الدبلوماسي، فقد يكون التقرير خطوة أساسية نحو استعادة مكانتها الدولية وضمان انتقال مستقر نحو دولة القانون.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ