
مخلفات الحرب في سوريا.. مبادرة لتوعية الأجيال بما تركه نظام الأسد من موت مؤجل
تعد الألغام والذخائر غير المتفجرة واحدة من أبرز العقبات التي تحول بين النازحين وبين عودتهم إلى قراهم بعد تحريرها من رجس بشار الأسد وأعوانه. وصلت عدد من حوادث انفجار مخلفات الحرب لم تكن بالحسبان، وتضرر بسببها أشخاص لم يكونوا على علم بوجودها، مما دفع المنظمات المحلية وصفحات في منصات التواصل للمحاولة بالمساعدة في حلّ المشكلة. وذلك عن طريق إطلاق مبادرات، والقيام بجلسات توعوية، أو نشر منشورات توعوية.
ومنها المبادرة التي أعلنَ عنها "الصليب الأحمر الدولي" في يوم الاثنين الفائت المصادف لـ 31 من شهر آذار/مارس الماضي، والتي كانت عبارة عن حملة للتوعية حول مخاطر مخلفات الحرب، لتحذير الناس منها حفاظاً على حياتهم، لاسيما أن نحو 900 شخص وقعوا ضحية لها خلال سنة واحدة بسبب الألغام والذخائر غير المنفجرة التي بقيت نتيجة القصف والحرب طوال السنوات الماضية.
ونقلاً عن موقع "تلفزيون سوريا" فإن هدف الحملة هو تسليط الضوء على التهديد المستمر الذي تسببه تلك المخلفات على حياة الناس، خاصة في المناطق الريفية التي دارت فيها معارك عنيفة خلال الحرب. وذكر الصليب الأحمر أن الضحايا كانوا من الأطفال والنساء وأشخاص يعملون بالزراعة، منهم من وافته المنية، وٱخرون تعرضوا لجروح خطيرة بسبب انفجار ألغام أرضية أو ذخائر متبقية من عمليات عسكرية سابقة.
يُشار إلى أن نشاط الحملة سيكون عبارة عن نشر مواد توعوية، وتنظيم ورش عمل في المجتمعات المحلية، هدفها تعليم السكان كيفية التعرف على الأجسام المشبوهة وتفاديها. وسيكون هناك تعاون مع السلطات المحلية من أجل التسريع بعمليات إزالة المخلفات.
وسجلت الأسابيع الماضية عدداً من الحوادث المؤلمة التي حصلت بسبب الألغام، منها إصابة ثلاثة أطفال إخوة بجروح خطيرة بسبب انفجار ذخائر من مخلفات الحرب لنظام الأسد وحلفائه، وذلك بحسب ما أعلن الدفاع المدني عبر صفحته في موقع فيس بوك. ويشار إلى أن تلك الحادثة وقعت في يوم 18 آذار في منزل عائلة الأطفال في مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، ما أدى لدمار في المنزل.
ويذكر أن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أصدرت بياناً كشفت فيه عن عدد المتضررين، منذ بدء معركة ردع العدوان، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حتى 31 ديسمبر/كانون الأول ديسمبر من العام ذاته، أن عدد القتلى كان 45 مدنيا، بينهم 6 أطفال و4 سيدات، جراء انفجار الألغام الأرضية.
ولفت البيان إلى أن الشبكة سجلت مقتل ما لا يقل عن 3521 مدنيا نتيجة انفجار الألغام الأرضية، من بينهم 931 طفلا و362 سيدة، بالإضافة إلى 7 من كوادر الدفاع المدني، و8 من الكوادر الطبية، و9 من الكوادر الإعلامية، وذلك ما بين شهر مارس/آذار 2011 وحتى نهاية 2024.
وكانت قالت مؤسسة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، إن السوريين يواجهون اليوم تحدياً في مواصلة حياتهم بعد سقوط نظام الأسد سببه مخلفات الحرب والألغام التي خلّفتها سنوات طويلة من الحرب والقصف الممنهج على البنى التحتية ومنازل المدنيين، لتزهق أرواح المدنيين وتقتل الأمان وتبث الخوف وتحد من حرية التنقلات والعمل.
ووفق المؤسسة، يعيش السوريون اليوم في نطاق مكاني كبير ملوث بالذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب والألغام التي خلّفها نظام الأسد البائد، وتتعرض حياتهم للتهديد بشكل مستمر نتيجة هذه المخلفات والألغام، إرث ثقيل وقاتل تركه نظام الأسد البائد ليقتل المدنيين لأمد طويل.
وتعد مخاطر مخلفات الحرب والألغام الأرضية موتاً مؤجلاً للسوريين يسرق أرواح المدنيين ويتسبب بإصابات بليغة بينهم ويعمق مأساة المدنيين ويحد من أنشطتهم وتنقلاتهم والعودة لمنازلهم.
وأشارت إلى أنه رغم كل الجهود المبذولة ما تزال أعداد كبيرة من الذخائر غير المنفجرة والألغام موجودة بين منازل المدنيين، وفي الأراضي الزراعية وفي أماكن لعب الأطفال، ناجمة عن قصف ممنهج للنظام البائد وحلفائه، وتحويل منازل المدنيين والمرافق العامة في المدن والبلدات لمعسكرات وثكنات لجيشهم وميليشياتهم.
وبينت أن هذا الخطر الكبير لمخلفات الحرب والألغام استمر على مدى سنوات ومايزال حتى الآن، وستبقى هذه مخلفات الحرب قابلة للانفجار لسنوات أو حتى لعقود قادمة، ومع وجود تلك الذخائر وانتشارها في جميع أنحاء سوريا، ستستمر الخسائر لفترة طويلة.
"هانديكاب إنترناشونال": 15 مليون سوري مهددون بالذخائر غير المنفجرة
سبق أن أعلنت منظمة "هانديكاب إنترناشونال" أن نحو 15 مليون سوري، أي ثلثي السكان، معرضون لخطر الذخائر غير المنفجرة المنتشرة في كافة أنحاء البلاد، والتي تُقدر أعدادها ما بين 100 ألف و300 ألف قطعة. ووصفت المنظمة الوضع بأنه "كارثة بكل معنى الكلمة"، في ظل تداعيات الحرب التي امتدت نحو 14 عامًا.
أكدت مسؤولة برنامج سوريا في المنظمة، دانيلا زيزي، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، أن الحرب دمرت سوريا بشكل واسع وأسفرت عن مقتل أكثر من 500 ألف شخص، وتشريد 10 ملايين آخرين داخل البلاد وخارجها. وأضافت زيزي أن أكثر من مليون قطعة من الذخائر المتفجرة قد تم استخدامها طوال فترة الحرب، ما يزيد من تعقيد الوضع.
وأوضحت المنظمة أن الذخائر غير المنفجرة تؤثر على جميع أنحاء البلاد، مما يعرض حياة ثلثي السكان لخطر مباشر من القتل أو الإصابة. وأشارت زيزي إلى أن أسلحة غير تقليدية، مثل البراميل المتفجرة التي تتمتع بمعدل إخفاق أعلى، استخدمت في العديد من المناطق، بالإضافة إلى الألغام التي زرعها تنظيم داعش في مناطق متفرقة.
وبينما بدأت جهود العودة للنازحين، حيث عاد حوالي 800 ألف نازح داخلياً و280 ألف لاجئ إلى ديارهم في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، أكدت "هانديكاب إنترناشونال" أن الذخائر غير المنفجرة أصبحت تشكل تهديدًا خطيرًا على أمن المدنيين، مما يعوق عملية التعافي في البلاد.
كما حذرت المنظمة من زيادة حادة في الحوادث المتعلقة بالذخائر غير المنفجرة، حيث تم تسجيل 136 حادثة في شهري يناير وفبراير 2025. وأكدت زيزي أن هذه الحوادث أصبحت يومية وأصبحت تشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه سوريا في المرحلة الحالية.
استشهدت زيزي بحالة شابين من دير الزور اللذين تعرضا لحادث انفجار لغم في يناير الماضي، مما أدى إلى بتر ساق أحدهما وإصابة الآخر بحروق خطرة وإصابات بالغة. وأضافت أن الحوادث مشابهة تحدث يوميًا، وتدعو إلى ضرورة رسم خريطة للأراضي السورية وبدء تطهيرها من هذه الذخائر لتقليل المخاطر على حياة المدنيين.