لم تقابل "إدارة العمليات"... "هيئة التفاوض" تدعو لتشكيل حكومة جامعة وإطلاق حوار وطني شامل
قال "بدر جاموس" رئيس هيئة التفاوض السورية، إن "إدارة العمليات العسكرية" بقيادة "أحمد الشرع" لم تتجاوب مع دعوة الهيئة للقاء حتى الآن، لافتاً إلى أنه سيزور دمشق خلال الأيام القليلة القادمة، خصوصا بعدما أنهى اجتماعاً مع الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش.
وأوضح "جاموس" في مداخلة مع قناة "العربية"، أن من حق السوريين أن يجتمعوا ويقرروا مستقبلهم، لافتا إلى أن كل الأطراف تريد أن تعمل يدا بيد من دون تهميش لأي طرف، وقال إن النظام غير موجود، ولا أحد تحدث عن إشراكه، لكن هناك رفاق درب يجب أن يشاركوا، وشدد على أنه يجب على كل الأطراف البحث عن وطن يستوعب الجميع.
واعتبر أن المعركة لم تكن عسكرية فقط، إذ كانت هناك مفاوضات سياسية وأيضا إجراءات قانونية، وأكد أنه لا بد من دعم العمل المشترك من أجل إعادة بناء سوريا، خصوصا أن إدارة العمليات العسكرية تشمل عدة فصائل وليس فقط "هيئة تحرير الشام".
وكان عقد وفد من هيئة التفاوض السورية يوم الاثنين اجتماعًا مع المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا السيد غير بيدرسن وفريقه في فندق “الفورسيزن” في العاصمة السورية دمشق، وجرى بحث آخر التطورات الراهنة في الساحة السورية على جميع الأصعدة.
تحدّث وفد الهيئة حول الوضع السوري الراهن، على المستويين الأمني والسياسي، وناقش مواد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، من حيث احتواؤه على خارطة طريق جيدة وقابلة للتنفيذ وتحظى بقَبول جميع الأطراف السورية دون وجود للنظام البائد بأي شكل من الأشكال.
وأكّد أن تنفيذ القرار 2254 يتم دون وجود للنظام بحكم زواله، أي أنه لا وجود لجهة قادرة على إعاقة تنفيذه، والأمر محصور في مكونات قوى الثورة التي تمثل الجهات السياسية والمدنية والعسكرية من مكونات الشعب السوري وأطيافه كافة، ومن مصلحة الشعب السوري وقوى الثورة إنجازه في أقصر وقت ممكن، عبر عملية سياسية بملكية السوريين وقيادتهم، وعبر حوار سوري لا تتحكم به الأمم المتحدة بل تقوم بتيسيره وتقديم الخدمات الاستشارية له.
وأعرب الوفد عن أمله ورغبته أن يقوم المبعوث الدولي إلى سوريا بتسهيل الحوار بين الأطراف السورية كافة، للبدء بتشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية التشاركية، التي تضمن تهيئة البيئة الآمنة والمحايدة، وينبثق عنها لجنة تضم قانونيين وخبراء من أجل صياغة دستور عصري جديد لسوريا، وصولًا إلى الدعوة لانتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة.
وكان أكّد جاموس خلال إحاطة قدّمها يوم الثلاثاء خلال جلسة خاصة عقدت في نيويورك حول سوريا، والتي تعتبر أول إحاطة سورية في المجلس بعد سقوط النظام، أن السوريين سيلاحقون النظام البائد ورئيسه الفارّ قضائيًا، ولن تدّخر الهيئة جهدًا لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، وأن العدالة الانتقالية والمساءلة ليست خيارًا بل ضرورة لضمان عدم تكرار هذه الجرائم.
ورحّب رئيس الهيئة بالتعاون مع الإدارة الحالية في دمشق لاستعادة الأمن وتقديم الخدمات للمواطنين، مؤكدًا استعداد الهيئة للتعاون معها لبناء سوريا الجديدة؛ دولة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، خالية من التدخلات الخارجية، وتحافظ على علاقات متوازنة مع جيرانها وأصدقائها.
وأكّد إيمان الهيئة بأن القرار الدولي 2254 يُشكل خارطة الطريق لتحقيق تطلعات شعبنا. صحيح أن الظروف قد تغيرت، وأن النظام الذي كان طرفًا في هذا القرار قد انهار، إلا أن روح القرار وجوهره، المتمثل في تحقيق حكم الشعب لنفسه من خلال انتخابات نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، لا يزال هو المبدأ الذي نستند إليه.
ودعا إلى العمل على تشكيل حكومة وطنية انتقالية شاملة تمثل جميع أطياف الشعب السوري، من الثوار إلى السياسيين والمجتمع المدني، مع ضمان تمثيل المرأة والشباب، وعقد مؤتمر وطني شامل، تتولى الحكومة الانتقالية تنظيمه لاختيار جمعية تأسيسية من الحكماء والخبراء والعلماء والسياسيين ورجال الدولة ووجوه المجتمع من الرجال والنساء ومن المخضرمين والشباب تُكلّف بإعداد دستور جديد يعبّر عن تطلعات السوريين، ويُجرى استفتاء عليه والمضي قدماً نحو انتخابات حرة ونزيهة في بيئة آمنة ومحايدة تحت إشراف الأمم المتحدة.
وشدّد على الحاجة الماسّة إلى إنشاء صندوق لدعم المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم، وصندوق لدعم أسر شهداء الثورة، وإعادة دمج المنشقين عن النظام والمفصولين ظلمًا من وظائفهم فورًا، وإنشاء صندوق لدعم اللاجئين والمهجرين الراغبين في العودة إلى سوريا. وطالب برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على الدولة السورية وزيادة الدعم الإنساني والإغاثي لتمكين السوريين من إعادة بناء وطنهم.
وسبق أن أعلنت "جبهة التغيير والتحرير"، الممثلة ضمن "هيئة التفاوض السورية" تحت اسم "منصة موسكو"، تعليقَ عضويتها في الهيئة، مؤكدة أن الأولوية مع انفتاح أفق العمل السياسي الواسع في الشارع السوري، هي العمل المباشر على الأرض وبين الناس، باتجاه حشد قواهم وتنظيمها للدفاع عن مصالحهم والوصول إلى حقوقهم، على كافة المستويات الاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية والوطنية.
وبات القرار الأممي "2254"، موضع سجال جديد، عقب دعوة "لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا، في اجتماع العقبة إلى تطبيق القرار لإنجاز العملية الانتقالية في سوريا، تلا ذلك مساعي "بيدرسون" في دمشق لتثبيت القرار، ومن ثم إعلان "الإئتلاف الوطني" وهيئة التفاوض، في بيانه الصادر يوم الاثنين 16 كانون الأول، تمسكه بتطبيق القرار كـ "خارطة طريق" للمرحلة الانتقالية في سوريا.
يأتي هذا الحديث عن تطبيق القرار الأممي، رغم أن بنوده لم تُنفذ خلال كل جلسات التفاوض على مدار سنوات، بسبب تعنت نظام الأسد ومراوغته، وبات القرار برأي محللين في حكم المنتهي بعد سقوط نظام بشار الأسد عسكرياً أمام تقدم "إدارة العمليات العسكرية" التي باتت تدير السلطة وسط حراك دولي واسع للتواصل مع السلطة القائمة وإرسال الوفود وفتح السفارات، فيما لم يبادر أي من أعضاء الائتلاف للنزول إلى دمشق أو حتى طرح الأمر، متخذاً وضع المراقب الباحث عن باب لتمكين استمراريته كممثل لقوى الثورة سياسياً.
ويرى نشطاء الحراك الثوري، أن القوى السياسية في الخارج، التي تقول إنها تمثل تطلعات الشعب السوري، فشلت طيلة سنوات مضت في تحقيق أي تقدم سياسي، وتماهت مع كل المؤتمرات والاجتماعات وقدمت التنازلات منها الكثير ولم ينجح حراكهم في تحرير معتقل، أو إدخال سلة غذائية لمحاصر، أو فرض موقف سياسي يحترم، أو حماية لاجئ، أو بناء علاقة مع أبناء الثورة الحقيقيين في الساحات، فشغلتهم المناصب والكراسي.
ورغم مرور أربعة عشر عاماً على الحراك الشعبي السوري، ورغم كل مامرت به الثورة السورية من مراحل قوة وانكسار وتراجع، ورغم حجم الصمود المتواصل لملايين المدنيين في المناطق المحررة ورفضهم الخضوع للنظام أو القبول بأي تسويات تنهي مأساتهم، لاتزال المعارضة في الخارج مفككة مضطربة لا تمثل هذا الحراك ولا المعاناة، تعيش حالة انفصام عن الواقع.
وكان دور منصات المعارضة، منوطاً بإصدار البيانات الخشبية المتكررة التي تحمل في كثير منها صيغة استجداء المجتمع الدولي للتوصل لحل، دون أن يكون لها أي دور حقيقي في تمثيل معاناة الشعب الشكل الصحيح، وترك التحزبات والمصالح والتنافس على المقاعد الوظيفية، علاوة عن تحول جزء كبير من متصدري المشهد السياسي لبيادق بيد الدول التي تحركهم.
وكان واضحاً حجم البعد بين الحاضنة الشعبية على الأرض ضمن المناطق المحررة والتي مثلت من بقى صامداً في وجه الأسد وقادراً على التعبير عن ثورته ورفضه التصالح، إذ باتت منصات المعارضة تجري الزيارات وبروفات التصوير والاستعراض في مناطق شمال غرب سوريا مقتصرة على مناطق سيطرة الجيش الوطني، ولم يسجل خلال الأعوام الماضية أي زيارة لأي مسؤول في منصات الائتلاف وغيرها لمناطق ريف إدلب التي تعتبر من أكبر التجمعات البشرية لأبناء الثورة بكل ما فيها من سكان أصليين ومهجرين ونازحين من شتى مناطق سوريا، بدعوى سيطرة هيئة تحرير الشام.
وطيلة السنوات الماضية، رهنت قوى المعارضة نفسها للأجندات الدولية، وتمسكت بالقرارات التي لم يتعد تنفيذها حبر الورق الذي كتبت به، ولاتزال رغم كل المراوغة الروسية متمسكة بالاجتماعات واللقاءات المتعلقة بالشأن السوري دون أي يكون لها موقف شجاع ولو مقاطعة مثل هذه المؤتمرات والاجتماعات التي تتزامن مع التصعيد واستمرار قتل أبناء الشعب السوري، كما كان عام تبديل المناصب والكراسي والأدوار والتنافس على من يتصدر المشهد ويتملك الواجهة.