
"ترامب" يوقف تمويل برامج غذائية حيوية في الشرق الأوسط والأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية
كشفت وكالة "أسوشيتد برس"، نقلاً عن مسؤول أمريكي، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قررت وقف تمويل عدد من برامج المساعدات الغذائية التي يشرف عليها برنامج الأغذية العالمي في الشرق الأوسط، مما ينذر بتداعيات إنسانية واسعة النطاق في المنطقة.
وأكد مسؤول في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن واشنطن أرسلت أكثر من 60 إخطارًا رسميًا لإنهاء عقود تشمل عمليات لبرنامج الأغذية العالمي، بما في ذلك برامج إغاثية حيوية في سوريا ولبنان والأردن، وهو ما أكده أيضًا مسؤول أممي على اطلاع مباشر بالمراسلات.
وجاء هذا القرار بعد أقل من أسبوع على إصدار وزير الخارجية ماركو روبيو إعفاء خاصًا للمساعدات الغذائية الطارئة، مما يسلط الضوء على تناقض داخلي في السياسات الأمريكية تجاه المساعدات الإنسانية.
برنامج الأغذية العالمي: هذا قرار قاتل
وصف برنامج الأغذية العالمي قرار وقف التمويل بأنه "أشبه بحكم بالإعدام" على ملايين الأشخاص الذين يواجهون المجاعة وانعدام الأمن الغذائي. وفي بيان نشره على منصة "إكس"، أعرب البرنامج التابع للأمم المتحدة عن "قلقه العميق" من تداعيات الخطوة الأمريكية، مشيراً إلى أن 14 دولة على الأقل ستتأثر مباشرة، بينها دول عربية تعاني من أزمات إنسانية مزمنة.
ودعت المديرة العامة للبرنامج، سيندي ماكين، قادة العالم إلى "إعادة النظر فوراً في العواقب"، مشيرة إلى أن "خفض التمويل سيؤدي إلى تفاقم الجوع، ويزيد من عدم الاستقرار، ويجعل العالم أقل أماناً بكثير".
إنهاء 90% من عقود المساعدات الخارجية
من جانبها، أعلنت إدارة ترامب أن القرار يأتي ضمن مراجعة شاملة لأوجه الإنفاق الخارجي، مؤكدة أنها ستوقف 90% من عقود المساعدات التي تُدار عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بدعوى أن هذه المشاريع "لا تخدم المصالح الوطنية الأمريكية بشكل كافٍ"، وفق بيان رسمي.
ويُقدّر أن هذا القرار سيؤثر على نحو 60 مليار دولار من التمويل المخصص لمشاريع إنسانية وتنموية في مختلف أنحاء العالم، مما يهدد استمرار عدد من البرامج الحيوية في مجالات الصحة والتعليم والغذاء.
الدول الأكثر تضرراً
تشمل الدول المتأثرة بالقرار دولاً تعاني من أزمات مزمنة مثل اليمن والسودان وجنوب السودان وهايتي وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية ومالي. وتُدار معظم هذه البرامج عبر برنامج "الغذاء من أجل السلام"، الذي يعتبر أكبر مساهم في المساعدات الغذائية الدولية الأمريكية بميزانية سنوية تتجاوز ملياري دولار.
ويتم تنفيذ البرنامج من خلال شراكة بين وزارة الزراعة الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ما يجعل تعليقه بمثابة ضربة مزدوجة للجهود الإغاثية في العديد من المناطق المنكوبة.
مخاوف دولية من آثار كارثية
ويرى مراقبون أن تعليق هذه المساعدات سيُعمق الأزمات الاقتصادية في عدد من الدول، ويهدد استدامة مشاريع تنموية وإنسانية تمس حياة ملايين البشر. كما حذر مسؤولون في الأمم المتحدة من أن القرار قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات الاجتماعية، وسط تفاقم معدلات الفقر والنزوح.
الأغذية العالمي: الأمن الغذائي في سوريا يواجه أزمة متصاعدة بفعل النزاع والتغير المناخي
حذر برنامج الأغذية العالمي، في تقرير حديث، من تفاقم أزمة الأمن الغذائي في سوريا خلال الأشهر المقبلة، مؤكداً أن التحديات لن تتراجع في المدى المنظور، بل تتعاظم نتيجة هشاشة الأوضاع الاقتصادية، واستمرار النزاع، وتداعيات التغير المناخي. ودعا التقرير المؤسسات الإنسانية والجهات الفاعلة دوليًا إلى التحرك العاجل للحد من تدهور الأوضاع ومنع تفاقم الأزمة الغذائية.
موسم زراعي مضطرب وتحوّل في أنماط الزراعة
لفت التقرير إلى أن موسم زراعة الحبوب الشتوية للعام 2024-2025 بدأ متأخراً بسبب تأخر هطول الأمطار في تشرين الثاني الماضي، كما تأثر سلباً باستمرار التوترات الأمنية، وتزايد حالات النزوح، إضافة إلى المتغيرات السياسية التي طرأت بعد سقوط النظام السوري أواخر عام 2024.
وسجلت البلاد، بين شهري تشرين الثاني وكانون الثاني، موجة جفاف مبكرة تسببت في تقليص إمكانية الوصول إلى الأراضي الزراعية، وخفضت معدلات الأمطار، ما انعكس سلباً على المساحات المزروعة، وأدى إلى توقعات بانخفاض إنتاج الحبوب خلال هذا الموسم.
كما دفع ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي، كالوقود والأسمدة، العديد من المزارعين إلى التحول نحو زراعة محاصيل ذات مردود مالي أعلى مثل الكمون واليانسون والحبة السوداء والكزبرة، وهو ما ساهم في تعميق أزمة الحبوب.
تراجع في إنتاج الحبوب وتوقعات بزيادة الاستيراد
قدرت تقارير مشتركة بين برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن إنتاج الحبوب في سوريا عام 2024 بلغ نحو 3.4 ملايين طن، ما يمثل انخفاضاً بنسبة 13% مقارنة بمتوسط إنتاج السنوات الخمس الأخيرة، وتراجعاً حاداً بنسبة 33% عن مستويات ما قبل عام 2011.
وعزت التقارير هذا الانخفاض إلى عدة عوامل متراكبة، أبرزها سوء توزيع الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة في نيسان وأيار من العام الماضي، إضافة إلى تفشي الأمراض النباتية وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج.
ورغم هذا التراجع المحلي، توقعت منظمة "الفاو" أن ترتفع واردات القمح في سوريا خلال العام التسويقي 2024-2025 لتتجاوز متوسط الأعوام السابقة، غير أن استمرار تقلبات الاقتصاد، وتدهور سعر صرف الليرة السورية، والاضطرابات السياسية والأمنية، لا تزال تمثل عقبات كبيرة أمام تأمين تلك الاحتياجات.
نصف السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي
أظهرت التقديرات أن أكثر من نصف سكان سوريا يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 9.1 ملايين شخص في حالة انعدام حاد، وبحسب بيانات كانون الثاني 2025، بلغ متوسط الإنفاق الضروري (سلة الحد الأدنى) لأسرة مكونة من خمسة أفراد نحو 2.5 مليون ليرة سورية شهرياً، وهو أدنى مستوى يتم تسجيله منذ عام، رغم أنه يشكل تراجعاً بنسبة 15% عن الشهر السابق.
وفي الوقت ذاته، لا يغطي الحد الأدنى للأجور في البلاد – والمقدر بنحو 280 ألف ليرة – سوى 18% من مكون الغذاء في هذه السلة، ما يعكس الانحدار الحاد في القدرة الشرائية للأسر السورية.
تخفيف نسبي في أسعار الغذاء مقابل استمرار المعاناة
شهدت أسعار المواد الغذائية انخفاضاً طفيفاً خلال الفترة الماضية، بفضل تراجع سعر صرف الليرة في السوق الموازية، وتخفيف القيود على الاستيراد، إلى جانب إزالة بعض الحواجز العسكرية على الطرق الرئيسية، مما ساهم في انسيابية حركة البضائع وخفض تكاليف النقل.