
بعد النزوح والأحداث الدامية: أهالي من عشائر البدو بحاجة إلى متابعة نفسية
في ظلّ الحروب، لا تقتصر الخسائر على الدمار والقتل والنزوح، بل تمتد إلى ما هو أعمق من ذلك: الجراح النفسية. حيث يعيش آلاف الأفراد تحت وطأة آثار نفسية قاسية خلفتها سنوات من العنف والخوف والفقدان. فمشاهد الدمار، وصرخات الضحايا، والفقد المتكرر، كلها تترك ندوباً داخلية يصعب شفاؤها.
وينطبق هذا الواقع على العائلات في سوريا، التي عاشت فترة حرب امتدت لأكثر من 14 عاماً، تعرضت خلالها للنزوح والقصف وفقدان الأحبة والممتلكات، وتدمير المنازل. وتشير تقديرات أممية إلى أن شخصاً من كل خمسة يعيشون في مناطق النزاعات المسلحة، يعاني من اضطرابات نفسية، أبرزها اضطراب ما بعد الصدمة، إلى جانب تدهور ملحوظ في مؤشرات الصحة العامة.
وأجرت منظمة الصحة العالمية مسحاً في عام 2020، تبيّن من خلاله إصابة 44% من المشاركين المقيمين داخل سوريا باضطراب نفسي حاد، فيما أظهر 27% منهم الأعراض الكاملة للاضطراب النفسي الحاد المصاحب لاضطراب إجهاد ما بعد الصدمة.
وشهدت عشائر البدو تكراراً لمشاهد الحرب خلال الفترة الأخيرة، عقب اندلاع الأحداث الدامية في السويداء. واجهوا ظروفاً مرعبة شملت قتل المدنيين والتمثيل بجثثهم، وإجبار العائلات على مغادرة منازلها المحترقة، وسرقة الممتلكات، إضافة إلى تعرضهم لعنف وانتهاكات وحشية على يد مجموعات خارجة عن القانون.
أكد معالجون نفسيون، خلال لقاءاتهم مع مهجّري السويداء، الحاجة الملحّة لتدخل أطباء نفسيين متخصصين. من بينهم المعالج النفسي جعفر الحسين، الذي برز في لقاء مصوّر نشرته صحيفة "زمان الوصل"، مشدداً على الصعوبة الكبيرة في وصف الأدوية اللازمة لهؤلاء المرضى، ما يسلط الضوء على ضرورة تكثيف الدعم الطبي والنفسي العاجل لهم.
وأشار خلال جولته إلى وجود العديد من الحالات المرضية المختلفة، إلى جانب حالات تعاني صدمات نفسية ناجمة عن أحداث السويداء، من بينها الفصام، اضطراب الهلع، القلق الاكتئابي، نوبات الهلع، واضطراب ما بعد كرب الصدمة.
وأكد على الحاجة الملحّة لتوفير أطباء نفسيين متخصصين لعلاج هذه الحالات بشكل مباشر، خاصة أن بعض المرضى المشخصين يعانون من انقطاع أدوية ضرورية لهم، مما يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية. واقترح تشكيل فريق دعم نفسي طارئ يهدف إلى تقييم أكبر عدد ممكن من الحالات، مشدداً على الدور الحيوي للخدمات النفسية في هذه المرحلة الحساسة.
ويذكر أن وسائل الإعلام تناقلت عدة قصص مأساوية للأهالي من عشائر البدو خلال الفترة الأخيرة، من بينها حكاية سيدة ناجية تعرّضت للضرب المبرح على وجهها داخل منزلها على يد أحد أفراد المجموعات المسلحة.
ويذكر أن وسائل الإعلام تناقلت عدة قصص مأساوية حصلت مع الأهالي من عشائر البدو في الفترة الأخيرة، من بينها حكاية سيدة ناجية تعرّضت للضرب المبرّح على وجهها داخل منزلها من قبل أحد أفراد المجموعات المسلحة.
وقد بدت آثار التعنيف جليّة على وجهها، قبل أن يُجبرها المعتدون على مغادرة المنزل تمهيداً لنهبه. ولم يكتفوا بذلك، بل أقدموا على إحراق البيت أمام عينيها، في مشهد يختزل قسوة ما عاشه المدنيون خلال تلك الأيام.
كما انتشرت صوراً ومقطع فيديو لطفلة صغيرة اسمها روان، تفضح الكدمات المنتشرة على وجهها وجسمها الضرب الوحشي الذي تعرضت له من قبل المجموعات الخارجة عن القانون، وظهر والدها إلى جانبها ليكشف المأساة التي تعرض لها، والتي تمثلت بمقتل ابنه الصغير ذا العامين، إذ قاموا بقطع رأسه.
هاتان القصتان تمثلان جزءاً يسيراً من سلسلة الانتهاكات التي تعرضت لها عشائر البدو على يد المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون. فرغم نجاة بعض الضحايا، تركت هذه التجارب آثاراً نفسية عميقة لا تزول بانتهاء المعاناة، بل تتطلب رعاية ومتابعة دقيقة من أطباء وأخصائيين نفسيين.