
اكتساب السلوك العدواني وتراجع التحصيل العلمي.. أبرز آثار تعلق الأطفال بالهواتف الذكية في سوريا
لم يعد من الغريب اليوم رؤية طفل صغير ممسكًا بهاتف ذكي، يقضي ساعات طويلة في استخدامه دون أي رقابة أو توجيه، حتى بات من الصعب انتزاعه منه. فقد أصبح من الشائع أن يفتح الأطفال بثوثاً مباشرة عبر تطبيق “تيك توك”، ويصلون إلى محتوى ومنصات لا تناسب أعمارهم. وتزداد هذه الظاهرة انتشارًا مع توفر الإنترنت واتساع انخراط السوريين في وسائل التواصل الاجتماعي، ما انعكس سلبًا على حياة الأطفال من النواحي التعليمية، والصحية، والنفسية، والسلوكية.
العنف والسلوك العدواني.. أبرز النتائج السلبية
لمس عدد من الأهالي في سوريا العديد من السلبيات الناتجة عن استخدام أطفالهم المفرط للأجهزة الذكية، ومن أبرزها اكتسابهم سلوكيات عدوانية. وأكدت أمهات أن أبناءهن باتوا يتعاملون بعنف مع إخوتهم وأقرانهم بعد إدمانهم ألعاب القتال مثل لعبة “بوبجي”، ومتابعتهم أعمالاً فنية مليئة بمشاهد الضرب والعراك، ما أدى لتحول العنف إلى سلوك معتاد لديهم في التفاعل مع من حولهم.
التراجع الدراسي وفقدان التركيز
أدى الانشغال المستمر بالهواتف إلى ابتعاد الأطفال عن الدراسة، وانخفاض مستواهم الأكاديمي بشكل ملحوظ. ففي السابق، كان الأطفال يذهبون إلى المدرسة، ويعودون للمنزل للراحة، ثم أداء الواجبات المدرسية ومتابعة البرامج الكرتونية في أوقات محددة. أما اليوم، فقد أصبح الهاتف أو “الآيباد” جزءاً من روتينهم اليومي حتى لحظة النوم. ومع تدفق المحتوى السريع من خلال الهاتف، بات الطفل سريع الملل، غير قادر على التركيز، وغير مستعد لبذل أي جهد معرفي.
الخمول والعزلة عن الأنشطة البدنية
لا يتوقف الضرر عند الجوانب التعليمية والسلوكية، بل يمتد ليشمل النشاط البدني. فجلوس الأطفال لساعات طويلة في مكان واحد باستخدام الهاتف جعلهم يميلون للكسل والخمول، ولا يتحركون إلا عند الضرورة، كتناول الطعام أو الذهاب إلى دورة المياه، ثم يعودون سريعًا إلى أجهزتهم. وهذا يتعارض مع طبيعة الطفولة التي يُفترض أن تكون مليئة بالحركة واللعب واستكشاف العالم المحيط، والمشاركة في أعمال منزلية بسيطة تنمّي شعور الإنجاز والثقة بالنفس.
أضرار صحية ونفسية عميقة
يحذّر الأطباء من الأضرار الجسدية التي قد تُصيب الأطفال نتيجة الاستخدام المفرط للهواتف الذكية، إذ تؤثر الإشعاعات الصادرة عنها على العيون، وتؤدي الجلسات الطويلة دون انقطاع إلى تدهور في الصحة العامة. كما تربط دراسات متعددة بين استخدام الهاتف وتأخر النطق وضعف الإدراك البصري.
من جهة أخرى، يعاني العديد من الأطفال من صعوبات في التعبير عن مشاعرهم غير اللفظية، مثل الغضب أو الخوف أو الرضا، نتيجة الانفصال عن الواقع الاجتماعي، والاعتماد الزائد على التفاعل الافتراضي. كما قد يتعرضون للتنمر الرقمي من قبل مجهولين، عبر رسائل وتعليقات مهينة تفقدهم الثقة بالنفس وتدفعهم نحو العزلة والانطواء.
حلول مقترحة من الأخصائيين
يقدم الأخصائيون عدة حلول للتعامل مع التعلق المفرط بالأجهزة الذكية، من أبرزها:
• تحديد أوقات واضحة لاستخدام الهاتف، بعد الانتهاء من الدراسة والأنشطة الترفيهية مع الأقران.
• التحقق من سبب التعلق بالهاتف، ومحاولة استبداله بأنشطة أخرى ممتعة ومفيدة.
• مراقبة محتوى الهاتف والتطبيقات التي يتابعها الطفل، مع حذف أي محتوى ضار أو سلبي.
• التحاور المستمر مع الطفل، والاستماع له، وتوعيته بالمخاطر المرتبطة باستخدام الهاتف.
تبقى مسؤولية الأهل أساسية في ضبط هذه الظاهرة المتفاقمة، لتوفير بيئة صحية ومتوازنة تتيح للأطفال النمو والتطور السليم في مختلف جوانب حياتهم.