تقرير تحليلي لـ "مركز جسور للدراسات": "حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام" جدل العلاقة ومستقبلها
منذ أن تشكَّلت حكومة الإنقاذ في إدلب أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 بدت العلاقة بينها وبين هيئة تحرير الشام ملتبسة وغير مُعرَّفة.
تكمن أوجُه الالتباس بأنّ خصوم الإنقاذ يعدّونها جهازاً مدنياً وإدارياً تابعاً للهيئة التي سهّلت لها الدعم وكل ما يتعلّق باستمرار عملها من لوازم لوجستية وموارد مالية وغيرها. بالمقابل، فإنّ الحكومة تؤكد دائماً على استقلالها التام عن الهيئة وبأنّها تقف على مسافة واحدة من الجميع.
تضمّ حكومة الإنقاذ 10 وزارات ليس من بينها الدفاع والخارجية؛ وما يحول دون ذلك سيطرة الهيئة على القوّة العسكرية وشبكة العلاقات. وحتى مع وجود وزارتَي الداخلية والاقتصاد فلدى الهيئة ما يقابلهما أي جهاز الأمن العامّ والمكتب الاقتصادي. وفي الوزارات التي لا يوجد مقابل لها عند الهيئة هناك مكتب المتابعة، المَعنيّ بالحصول على معلومات مفصّلة عن عمل كل وزارة.
إن العلاقة بين الطرفين إذاً تحتاج لتعريف أكثر وضوحاً ودقّة لاستشراف مستقبلها أو التحوّلات التي قد تطرأ عليها بعد مرور 5 سنوات على تشكيل حكومة الإنقاذ.
وقد تشكّلت حكومة الإنقاذ في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، بعدما انبثقت عن المؤتمر السوري العامّ في 16 أيلول/ سبتمبر من العام ذاته. وحتى 3 كانون الثاني/ يناير 2022، يكون قد مرّ على حكومة الإنقاذ 5 دورات. علماً، أنّه ومنذ 10 شباط/ فبراير 2019، تم إيكال مسؤولية تحديد الإدارة المدنية في إدلب إلى مجلس الشورى العامّ نيابة عن الهيئة التأسيسية.
أولاً: تعريف العلاقة بين حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام
إنّ محاولة تعريف العلاقة التي تربط هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ غالباً ما تقود إلى واحد من نموذجين هما: التبعيّة التامة أو الاستقلاليّة النسبيّة. كما هو موضّح أدناه:
1. التبعية التامّة:
كان انعقاد المؤتمر السوري العامّ بناء على مبادرة الأكاديميين في 24 آب/ أغسطس 2017، التي ناقشت في الاجتماع الذي عقدته بجامعة إدلب مسوّدة لإطلاق "الإدارة المدنية عالية المستوى في مناطق سورية المحررة"( )، والتي تحوّلت لاحقاً لمشروع حكومة الإنقاذ.
نالت المسوّدة موافقة من الهيئة حتى قبل عرضها في اجتماع مبادرة الأكاديميين. كان مضمونها بمثابة تطبيق عملي للدعوة التي أطلقتها الهيئة في 23 تموز/ يوليو من العام ذاته، لتشكيل إدارة مدنية تحكم مناطق شمال غرب سورية، في بيان حمل عنوان "الثورة مستمرّة".
نصّ بيان الهيئة بشكل واضح على وضع القوى الأمنية في خدمة الإدارة المدنية. وبالفعل، تسلّمت وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ اختصاص ومهام ومعدّات ومراكز جهاز الشرطة الإسلامية التابعة للهيئة منذ مطلع عام 2019. تلا ذلك حملات مشتركة بين الإنقاذ والهيئة لتفكيك جهاز الشرطة الحرة وتجريده لصالح وزارة الداخلية.
ووزارة الإدارة المحلية والخدمات تقوم أصلاً على هياكل "الإدارة المدنية للخدمات"، التي تسلّمتها الحكومة في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، من الهيئة التي أسّستها في 11 أيلول/ سبتمبر 2013 تحت اسم "الإدارة العامة للخدمات"، وأعادت تسميتها منتصف عام 2017.
بالتالي، تسلّمت حكومة الإنقاذ كامل الدوائر والمؤسسات التي استحدثتها أو نظّمتها الإدارة المدنية للخدمات التابعة للهيئة وهي: المياه، والخدمات، والكهرباء، والاتصالات، والآثار، والمعابر، والعقارات، والإعلام، والتعليم، والنقل، والتموين، والرياضة، والأفران وغيرها.
على سبيل المثال، استطاعت وزارة الاقتصاد السيطرة على إدارة سوق الحوالات والتحكم بحركة الأموال وبمكاتب الصرافة بفضل المؤسّسة العامة لإدارة النقد، وهي كيان أنشأته الهيئة في 11 أيار/ مايو 2017، تحت اسم "المؤسسة العامة لإدارة النقد وحماية المستهلك"( )، قبل إلحاقه بالإدارة المدنية للخدمات.
كذلك، فإنّ المؤسّسة العامة للكهرباء التابعة لوزارة الإدارة المحلية والخدمات هي ذاتها المؤسسة العامة للخدمات التابعة للإدارة المدنية للخدمات التي سبق وسيطرت على كامل قطاع الكهرباء في تموز/ يوليو 2017، بعد إجبار هيئة إدارة الخدمات التابعة لحركة أحرار الشام على حلّ مؤسسة الكهرباء الخاصة بها.
في الواقع، كان لسيطرة الهيئة على المعابر الحدودية مع تركيا في 23 تموز/ يوليو 2017 دور بارز في الدعوة لتشكيل إدارة حكم واحدة لمناطق الشمال السوري، وقبل انعقاد المؤتمر السوري العامّ بذلت جهوداً حثيثة في إقناع فصائل المعارضة بالمشاركة في هذه الإدارة، وهو ما قد يُفسّر بقاء حقيبة وزارة الدفاع شاغرة في حكومة الإنقاذ، والعمل لاحقاً على ملئها عَبْر المجلس العسكري.
وخلال الفترة بين 2017 و2019 شنّت الهيئة حملات عسكرية واسعة ضد حركة نور الدين الزنكي وحركة أحرار الشام وصقور الشام وغيرهم، وكانت تُصِرّ أثناء توقيع اتفاقيات الصلح على إخضاع إدارة المناطق التي تسيطر عليها هذه الفصائل لحكومة الإنقاذ كشرط رئيسي.
كانت قيادة الهيئة تحضر جميع اجتماعات الهيئة التأسيسية للمؤتمر السوري العامّ، ولم يُفوّت قائدها أبو محمد الجولاني فرصة تدشين الطريق الواصل بين مدينة سرمدا والدانا في 7 كانون الثاني/ يناير 2022، رغم أنّ هذا الإعلان كان لا بدّ أن يتصدّره رئيس الحكومة علي كدّة إلّا أنّ مشاركته كانت ثانوية.
لم تكن تلك المرّة الأولى التي يبرز فيها قائد الهيئة كمسؤول عن الإدارة المدنية التي تمثّلها حكومة الإنقاذ، حيث حضر اجتماعاً لمجلس الشورى العامّ ومجلس الإفتاء ووزراء من الإنقاذ في كانون الأوّل/ ديسمبر 2021، وأعلن عن عدد من الإجراءات لدعم مادة الخبز في إدلب، رغم أنّ ذلك من اختصاص الحكومة نفسها.
في هذه الحالة لا تستخدم الهيئة التمويل كمجرّد أداة للضغط على الإنقاذ من أجل التدخّل في اختصاصها وصلاحياتها؛ لأنّ موارد المنطقة ليست لدى سلطة إدارية واحدة وإنما موزعة بطريقة تسمح للهيئة بالتدخل الكامل في الشأن المدني. لذا، وبالمقارنة مع سياق تشكيل الحكومة فإنّ تبعيتها تبدو مطلقة للهيئة.
2 - استقلاليّة نسبيّة:
لم تكن هيئة تحرير الشام الطرف الوحيد الذي عُرضت عليه مسوّدة الإدارة المدنيّة المعدّة من قِبل مبادرة الأكاديميين قبل الاجتماع الرسمي في 24 آب/ أغسطس 2017، بل تم تقديمها أيضاً إلى معظم القوى المحلية في الشمال السوري من فصائل وحكومة مؤقتة وغيرهم من أجل المشاركة فيها.
وبالتالي، فإنّ موافقة الهيئة عليها لم تكن أكثر من إجراء عمد فريق المبادرة إلى تطبيقه مع الجميع، على أمل تحقيق قاعدة وصول وتمثيل أوسع يضمن للإدارة المدنية عند انطلاقها النجاح أو عدم التعطيل على أقل تقدير، فقد نصّت الخطوات الإجرائية على ضرورة الحصول على موقف واضح إمّا بالمشاركة أو المباركة أو الصمت.
وقد اعتبرت المبادرة أنّ الأولويّة يجب أن تكون لبناء الدولة بعد الانشغال بالاستجابة الطارئة والخلافات والانقسامات بين القُوَى العسكرية والسياسية والمدنية والتي أثّرت على تحقيق أهداف الثورة.
لذلك، ربّما لا يُمكن تفسير موقف الهيئة بالموافقة ومن ثَم تسليم الإدارة المدنية للخدمات لحكومة الإنقاذ على أنّه تعبير بالضرورة عن التَّبَعِيَّة المطلقة والتنسيق المُسبق بين الطرفين، بل قد تكون الهيئة وجدت المبادرة فرصة ملائمة لإعادة تقديم نفسها كطرف يسعى للبناء، وضمان الاستفادة من الخدمات المدنية والإنسانية عَبْر فرض نفسها كقوّة تقدم خدمات الأمن والعسكرة، عدَا تخفيف الأعباء عنها في القضايا الإدارية.
وطالما أنّ الحكومة لن تنافس الهيئة على قضايا الأمن والعسكرة فإنّها لن تُشكّل تهديداً لها. لكنّ الموافقة على المبادرة لا تعني عدم مراقبة ومتابعة أعمالها. هذا ما قد يُفسّر حضور اجتماعات الهيئة التأسيسية ومجلس الشورى، إضافة إلى استحداث مكتب متابعة في كل وزارة.
وإجراءات المراقبة والمتابعة الأمنية تعني أنّه قد يكون لدى الهيئة مخاوف من أنشطة الحكومة إضافة إلى الرغبة في تقديم الدعم والمساعدة دون التدخّل في رسم السياسات.
ولو كانت الحكومة غير مستقلة أو تابعة للهيئة لكان من المفترض على الأخيرة تسليمها أيضاً كامل الأجهزة الشرطية مباشرة دون تباطؤ. على سبيل المثال، أنهت الهيئة في أيلول/ سبتمبر 2021، عمل "مركز الفلاح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو جهاز حسبة تأسَّس عام 2018، دون أن تُسلّم اختصاصه ومهامه ولوازمه لحكومة الإنقاذ.
يُمكن القول: إنّ الهيئة قد لا تثق بقدرة الحكومة على الاستجابة الكافية لقضايا الأمن في ظل بيئة غير مستقرة ومهدّدة دائماً، إضافة لضعف الإمكانيات والموارد لديها. وبالتالي، فضّلت الحفاظ على الأجهزة الأمنية. ومع ذلك، فإنّ قبولها بتشكيل وزارة للداخلية يبدو بمثابة محاولة للاسترضاء لا سيما مع تقديم الوعود الدائمة لها بتسليمها كافة المهامّ الخاصّة بها تباعاً.
على أيّ حال، إنّ حكومة الإنقاذ بشكلها الحالي لا تبدو مستقلّة تماماً عن الهيئة لا سيما مع وجود رقابة ومتابعة شديدة عليها، لكن ذلك لا يعني عدم امتلاكها الشخصية الاعتبارية لا سيما في القضايا التنفيذية والتنظيمية والإدارية عموماً، ولا بدّ أنّ الهيئة استفادت من تراجُع بقيّة القوى المدنية عن دعم مبادرة الأكاديميين عام 2017.
قد تكون الهيئة فضّلت هذا الشكل من العلاقة مع حكومة الإنقاذ؛ أي بالحفاظ على استقلال نسبي لها، حتى لا يتم إيقاف الدعم عن مناطق وجودها في إدلب بدعوى مكافحة الإرهاب، ولكي تستطيع استقطاب فصائل المعارضة المسلّحة لمشروع عسكري مشترك على اعتبار أنّها مستعدّة لتقديم تنازُلات في بعض قضايا الحكم، ولتحقيق قبول لدى السكان المحليين نظراً لحرصها على دعم أو عدم اعتراض أي مبادرة تهدف لتشكيل إدارة حكم موحّدة للمنطقة.
كذلك، بالنسبة لحكومة الإنقاذ ربّما تكون تقبّلت هذا الشكل من العلاقة مع الهيئة؛ لأنّها أصلاً بحاجة إلى قوّة عسكرية تدعم سلطتها التنفيذية على الأرض ولاستبعاد الحكومة السورية المؤقتة ومؤسساتها من المنطقة باعتبارها المنافس الوحيد لها.
ثانياً: مستقبل العلاقة بين حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام
إنَّ مستقبل العلاقة بين الحكومة والهيئة قد يتجه إلى واحد من ثلاثة سيناريوهات أساسية، وهي: سلطة مدنية غير مستقلّة، أو سلطة مدنية بصلاحيات محدودة، أو سلطة مدنية مستقلة.
1 - السيناريو الأوّل - سلطة مدنية غير مستقلّة:
قد يكون لدى الهيئة مخاوف عديدة من حكومة الإنقاذ في حالة الاستقرار النسبي أمنياً وعسكرياً تتمثّل بامتلاك القدرة والفرصة للتحوّل من جهاز تنفيذي إلى سلطة حكم مدنية تقوم على إدارة منطقة إدلب بشكل منفرد، مع / أو أن تتعرّض لاختراق كبير يقوّض من قدرة الهيئة بالسيطرة على قراراتها.
لذلك، تحرص الهيئة على الحضور في مختلف المناسبات والإنجازات إلى جانب الإنقاذ، إضافة إلى استمرار احتفاظها بمهامّ واختصاص قضايا أجهزة الأمن والعسكرة.
من الواضح أنّ دور وحضور حكومة الإنقاذ لن يتجاوز مهامّ السلطة المدنية غير المستقلة، فالهيئة لن تتوانى عن فرض مزيد من المراقبة والمتابعة على أعمالها وأعضائها بشكل مباشر وعَبْر مجلس الشورى لتحقيق السيطرة التامة على القرار المدني والإداري، بما في ذلك تراجُع الحاجة أكثر فأكثر إلى الأكاديميين المؤسِّسين للحكومة والعمل على تقديم كوادر جديدة تابعة لها بشكل مباشر.
إنّ حرص الهيئة على التعامل مع حكومة الإنقاذ كجهاز تنفيذي غير مستقلّ يرتبط أيضاً بالاستعداد للاستثمار والاستفادة القصوى من مشاريع التعافي المبكّر في حال الشروع بتنفيذها أو منح مناطق شمال غرب سورية استثناءً من العقوبات.
2 - السيناريو الثاني - سلطة مدنيّة بصلاحيات محدودة:
قد تحاول الهيئة في شكل العلاقة مع حكومة الإنقاذ تكرار نموذج الحكم في العراق (1968-2003) الذي يحتوي على الحكومة ومجلس قيادة الثورة المسؤول الرئيسي حينها عن صناعة القرار، أو نموذج الحكم في إيران (1979-1989) الذي يحتوي على الحكومة ومجلس الثورة الإسلامية الذي كان مسؤولاً أيضاً عن صناعة القرار إلى حدّ كبير.
لذلك، ووَفْق هذا النموذج من الحكم فإنّ الهيئة تدفع إلى تأطير العلاقة مع حكومة الإنقاذ وَفْق صلاحيات محدّدة تقتصر على الخدمات وتصريف الأعمال دون التدخّل في قرارات السلم والحرب والأمن والاستقرار.
من شأن هذا النموذج من الحكم أن يُحمّل الإنقاذ مسؤولية أي قرارات غير مقبولة بالنسبة للسكان المحليين مثل الضرائب، دون أن يمسّ الهيئة بشكل مباشر. بذلك، يسهل احتواء الاستياء أو السخط على سياسات السلطة المحلية بقرارات تنفيذية أو بإعادة اختيار لفريق حكومي جديد أو الاكتفاء باستقالة وزير ومسؤول واستبداله بآخر جديد يُعطي تطميناتٍ ووعوداً للأهالي.
يُمكن أن يؤدي مكتب المتابعة الذي تضعه الهيئة في كل وزارة إلى تقليص صلاحيات واستقلال الوزراء لا سيما مع بقاء الموارد الاقتصادية خاضعة لسلطة الهيئة بشكل مباشر قبل أن يتم تحويلها للحكومة، إضافة إلى تقييد عمل الوزارات عَبْر نفوذها في مجلس الشورى الذي يمتلك صلاحيات التشريع والتعطيل والمصادقة على الحكومة ووزرائها.
3 - السيناريو الثالث - سلطة مدنية مستقلة:
هناك احتمال -يبدو تحقيقه مستحيلاً وليس مجرّد مُستبعَد- بأن تمتلك حكومة الإنقاذ فرصة لتعزيز استقلالها وإعادة تعريف العلاقة مع الهيئة؛ بالتوجّه إلى السيطرة والاستحواذ على قضايا الأمن والقضاء العسكري والاقتصاد.
هذا يقتضي العملَ على إلغاء المحاكم العسكرية التابعة للهيئة وجهاز الأمن العامّ، والسعي لإلحاق كل الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية، ومحاولة الوصول إلى الموارد بشكل مستقلّ عن الهيئة وإلحاقها بوزارة الاقتصاد والموارد.
إنّ نجاح هذا السيناريو يحتاج إلى توفُّر عوامل خارجية مؤثرة تجعل الهيئة مضطرة إلى تقبُّل ذلك. كَأَنْ تلجأ الهيئة لتقليص تدخُّلها في الحكومة لأقصى درجة؛ استجابة لضغوطات دولية أو لطرح مبادرة لتوحيد الجسم الإداري بين مناطق إدلب وشمال حلب، أو لضرورة تفعيل حقيبة وزارة الدفاع مع تخصيص ميزانية مستقلّة لها.
خُلاصة ونتائج:
لا يُمكن التعامل مع حكومة الإنقاذ كجهاز أو سلطة مستقلّة في إدلب فهي مرتبطة بشكل وثيق منذ تأسيسها بهيئة تحرير الشام. ومع ذلك، إنْ كانت لدى الأخيرة رغبة في إزالتها عن قوائم الإرهاب فلا بدّ أن تَتَّخِذ خطوات من شأنها تغيير هذا الواقع، ليس بمنح الإنقاذ صلاحيات واسعة إنّما بإعادة تشكيل الإدارة المدنية في المنطقة وإتاحة الفرصة أمام هذا الخيار.
وإنّ عدم استعداد الهيئة للتنازل عن قضايا الأمن والعسكرة لصالح أي حكومة أو سلطة مدنية في إدلب سواءً الإنقاذ أو غيرها، لا يعني غياب الفرصة عنها بل قد يُساهم التخلّي عن قضايا الاقتصاد في إظهار الجدّية لديها في عدم السيطرة المطلقة على المنطقة وإتاحة المجال أمام مشاركة مدنية حقيقية في إدارة شؤونها.
من الواضح أنّه لا توجد فرص متوفّرة لاندماج حكومة الإنقاذ بالحكومة المؤقتة، فالهيئة لا يُمكن أن تعود خطوات للوراء بعدما استطاعت إخراج دوائر ومؤسسات هذه الأخيرة من إدلب. لذلك، فإنّ تناوُل إدارة المنطقة خدمياً يقتصر على حكومة الإنقاذ أو جهاز آخر تقبل به الهيئة على أقل تقدير.
هذا الواقع لا ينفي وجود رغبة أو مساعٍ -وإنْ كانت محدودة- لدى بعض الأشخاص في حكومة الإنقاذ ومجلس الشورى العامّ لتوسيع صلاحياتها وامتلاك قدر أكبر من الاستقلال على مستوى القرار والموارد، لكنّ الهيئة تحرص على تقويض هذه التوجّهات أو على الأقل مراقبتها ومتابعتها وتوظيف نشاطها للتسويق لوجود استقلال نسبي في إدارة المنطقة.