تقرير حقوقي يوثق 214 حالة احتجاز تعسفي في سوريا خلال شهر آب 2024
وثقت "الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقريرها الصادر اليوم، لا يقل عن 214 حالة احتجاز تعسفي بينهم 13 طفلاً، و7 سيدات، في شهر آب/ 2024، ولفتت إلى أنَّ النظام السوري اعتقل 19 شخصاً من المعادين قسرياً من لبنان.
أوضح التَّقرير أنَّ استمرار عمليات الاعتقال التعسفي سبب ارتفاعاً في حالات اختفاء أعداد هائلة من المواطنين السوريين والذي أصبح بمثابة ظاهرة، لتكون سوريا من بين البلدان الأسوأ على مستوى العالم في إخفاء مواطنيها.
وقال إنَّ النظام السوري يتفوق على كثير من الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية بأنَّه صاحب سلطة مطلقة على السلطتين التشريعية والقضائية، مما مكَّنه من إصدار ترسانة من القوانين والمراسيم التي تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان كما تنتهك مبادئ القانون ومحددات الاعتقال والتحقيق في التشريعات المحلية ودستور عام 2012 الحالي.
وأضاف التقرير أنَّ النظام السوري شرعن جريمة التعذيب فعلى الرغم من أنَّ الدستور السوري الحالي، يحظر الاعتقال التعسفي والتعذيب بحسب المادة 53، كما أنَّ قانون العقوبات العام وفقاً للمادة 391 ينصُّ على الحبس من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات على كل من استخدم الشدة في أثناء التحقيق في الجرائم، ويُحظر التعذيب في أثناء التحقيق وفقاً للمادة 391، لكن هناك نصوص قانونية تعارض بشكل صريح المواد الدستورية الماضية، والمادة 391، وتُشرعن الإفلات من العقاب، بما فيها القانون رقم /16/ لعام 2022 لتجريم التعذيب.
سجَّل التقرير في آب ما لا يقل عن 214 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز، بينها 13 طفلاً و7 سيدات (أنثى بالغة)، وقد تحوَّل 173 منها إلى حالات اختفاء قسري. كانت 113 منها على يد قوات النظام السوري، بينهم 3 أطفال و1 سيدة، و46 منهم على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، بينهم 6 أطفال و5 سيدات، بالإضافة إلى 37 على يد قوات سوريا الديمقراطية، بينهم 4 أطفال و1 سيدة، و18 على يد هيئة تحرير الشام.
واستعرض التَّقرير توزُّع حالات الاعتقال التعسفي/ الاحتجاز في آب حسب المحافظات، وأظهر تحليل البيانات أنَّ الحصيلة الأعلى للاعتقال كانت من نصيب محافظة حلب، تليها محافظة ريف دمشق، تليها محافظة دير الزور، ثم دمشق، ثم حمص، ثم حماة وإدلب، ثم درعا.
واستعرض التقرير مقارنة بين حصيلة حالات الاحتجاز التعسفي وحالات الإفراج من مراكز الاحتجاز لدى أطراف النزاع في آب، وقال إنَّ حالات الاحتجاز التعسفي تفوق حالات الإفراج من مراكز الاحتجاز، إذ لا تتجاوز نسبة عمليات الإفراج 30% وسطياً من عمليات الاحتجاز المسجلة، وتفوق عمليات الاحتجاز بما لا يقل عن مرة أو مرتين عمليات الإفراج وبشكل أساسي لدى النظام السوري، مما يؤكد أنَّ عمليات الاعتقال والاحتجاز هي نهج مكرَّس وأنَّ عمليات الإفراج محدودة، لدى جميع أطراف النزاع، وبشكل رئيس في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري.
أشار التقرير إلى رصد عمليات اعتقال/ احتجاز استهدفت لاجئين تم إعادتهم قسرياً من لبنان في منطقة الحدود السورية اللبنانية عند معبر المصنع الحدودي، بعد قيام الجيش اللبناني بحملات دهم واعتقال استهدفت اللاجئين السوريين في لبنان، وترحيلهم إلى الحدود السورية اللبنانية، واقتيد معظمهم إلى مراكز الاحتجاز الأمنية والعسكرية في محافظتي حمص ودمشق.
ذكر التقرير أنَّ قوات النظام السوري قامت بعمليات اعتقال/ احتجاز موسَّعة استهدفت في محافظات ريف دمشق، ودمشق، وحماة، وحلب، بذريعة التخلُّف عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، وحصل معظمها ضمن أطر حملات دهم واعتقال جماعية، وعلى نقاط التفتيش، ومن بينهم أشخاص أجروا تسويةً لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي سبق لها أن وقَّعت اتفاقات تسوية مع النظام السوري، ومعظم هذه الاعتقالات جرت بهدف الابتزاز المادي لأسر المعتقلين من قبل الأفرع الأمنية.
وسجلت الشبكة عمليات اعتقال/ احتجاز استهدفت عدداً من المدنيين أثناء محاولتهم العودة من المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة وهيئة تحرير الشام إلى أماكن إقامتهم الأصلية الواقعة تحت سيطرة قوات النظام السوري. وكذلك عمليات اعتقال/ احتجاز بحقِّ مواطنين في محافظات درعا ودير الزور وحلب ولم تستثنِ الأطفال منهم، وحصل معظمها ضمن أطر حملات دهم واعتقال جماعية وعلى نقاط التفتيش.
وأضاف التقرير أنَّ النظام السوري يستمر بانتهاك قرار محكمة العدل الدولية الصادر في تشرين الثاني/ 2023، بشأن طلب تحديد التدابير المؤقتة الذي قدمته كندا وهولندا في القضية المتعلقة بتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من المعاملات، أو العقوبات القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة من خلال قيامه بعمليات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري.
من جهةٍ أخرى سجَّل التقرير استمرار قوات سوريا الديمقراطية في سياسة الاحتجاز التَّعسفي والإخفاء القسري، عبر حملات دهم واحتجاز جماعية استهدفت بها مدنيين؛ بذريعة محاربة خلايا تنظيم داعش، بعض هذه الحملات جرت بمساندة مروحيات تابعة لقوات التحالف الدولي، كما رصدنا عمليات اعتقال/ احتجاز استهدفت مدنيين بتهمة التعامل مع الجيش الوطني.
وسجل التقرير عمليات اعتقال/ احتجاز استهدفت عدداً من المدنيين بهدف اقتيادهم إلى معسكرات التدريب والتجنيد التابعة لها، وتركزت هذه الاعتقالات في المناطق الخاضعة لسيطرتها في محافظة حلب، وسجل عمليات اعتقال/ احتجاز قامت بها عناصر قوات سوريا الديمقراطية استهدفت عدداً من الأشخاص بتهمة الانتماء لمقاتلي العشائر العربية، وتركزت هذه الاعتقالات في محافظة دير الزور.
ولفت التقرير إلى استمرار قيام قوات سوريا الديمقراطية باختطاف أطفال بهدف اقتيادهم إلى معسكرات التدريب والتجنيد التابعة لها وتجنيدهم قسرياً، ومنعت عائلاتهم من التواصل معهم، ولم تصرح عن مصيرهم.
طبقاً للتقرير فقد شهدَ آب عمليات احتجاز قامت بها هيئة تحرير الشام بحقِّ مدنيين، تركَّزت في محافظة إدلب وبعض المناطق في ريف محافظة حلب الواقعة تحت سيطرتها وشملت نشطاء إعلاميين وسياسيين ووجهاء محليين، وكان معظمها على خلفية التعبير عن آرائهم التي تنتقد سياسة إدارة الهيئة لمناطق سيطرتها، تمَّت عمليات الاحتجاز بطريقة تعسفية على شكل مداهمات واقتحام وتكسير أبواب المنازل وخلعها، أو عمليات خطف من الطرقات، أو عبر نقاط التفتيش المؤقتة.
وسجلت عمليات اعتقال/ احتجاز حصل معظمها ضمن أطر حملات دهم واعتقال جماعية، أو على نقاط تفتيش تابعة لها في محافظة إدلب، استهدفت أشخاصاً على خلفية مشاركتهم في المظاهرات المناهضة للهيئة، وتركزت معظم هذه الاعتقالات في مدينة أريحا في محافظة إدلب.
مـن جهتهـا قامـت جميع فصائل المعارضـة المسـلحة/ الجيـش الوطنـي بعمليات اعتقال/ احتجاز تعسفي وخطف لم تستثنِ النساء منهم، معظمها حدثت بشكل جماعي، استهدفت قادمين من مناطق سيطرة النظام السوري، ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ورصدت الشبكة حالات اعتقال/ احتجاز جرت على خلفية عرقية، وتركَّزت في مناطق سيطرتها في محافظة حلب، وحدث معظمها دون وجود إذن قضائي، ودون مشاركة جهاز الشرطة، وهو الجهة الإدارية المخوَّلة بعمليات الاعتقال والتوقيف عبر القضاء، ومن دون توجيه تهمٍ واضحة.
وسجلت الشبكة عمليات اعتقال/ احتجاز شنَّتها عناصر في الجيش الوطني، استهدفت مدنيين بذريعة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، وتركزت هذه الاعتقالات في عدد من القرى التابعة لمدينة عفرين في محافظة حلب، وسجلت عمليات اعتقال/ احتجاز قامت بها عناصر الجيش الوطني، استهدفت عدداً من الأشخاص النازحين بعد عودتهم إلى منازلهم في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الجيش الوطني، وتركزت هذه الاعتقالات في مدينة عفرين.
وسجلت عمليات اعتقال/ احتجاز قامت بها عناصر الجيش الوطني، استهدفت عدداً من النشطاء الإعلاميين دون توجيه تهم واضحة لهم وتركزت معظم هذه الاعتقالات في ريف محافظة حلب الشرقي، كما سجلنا عمليات اعتقال/ احتجاز قامت بها عناصر الجيش الوطني، استهدفت عدداً من الأشخاص أثناء محاولتهم التوجه من مناطق سيطرة قوات النظام السوري إلى الحدود السورية التركية للعبور إلى تركيا بطريقة غير رسمية، وتركزت هذه الاعتقالات في مدينة عفرين.
على صعيد الإفراجات، سجَّل التقرير إفراج النظام السوري عن 19 شخصاً، بينهم 3 أطفال و1 سيدة، حالة واحدة منها كانت مرتبطة بقانون العفو 7/2022 الصادر عن النظام السوري، كما سجَّل إخلاء النظام السوري سبيل شخص من محافظة درعا بعد انتهاء حكمه التعسفي، وكان قد قضى قرابة 3 أعوام، وكذلك 17 شخصاً، بينهم 3 أطفال و1 سيدة، أفرج عنهم بعد مضي أيام قليلة أو أشهر على اعتقالهم، وذلك دون أن يخضعوا لمحاكمات، وكان معظمهم من أبناء محافظات ريف دمشق، وحلب، ودرعا، أمضى معظم المفرج عنهم مدة احتجازهم ضمن الأفرع الأمنية.
ووفقاً للتقرير فقد أفرجت قوات سوريا الديمقراطية عن قرابة 24 شخصاً، بينهم 1 طفل من مراكز الاحتجاز التابعة لها، حيث أفرجت عن 14 شخصاً، بينهم 1 طفل، تراوحت مدة احتجازهم ما بين أيام عدة وأربعة أشهر، وكان معظمهم من أبناء محافظات دير الزور، والحسكة، وحلب، كما أفرجت عن 10 أشخاص ضمن قانون العفو رقم /10/ لعام 2024، والتي أصدرته قوات سوريا الديمقراطية في 17/ تموز/ 2024، والذي يمنح العفو العام عن الجرائم المرتكبة من قبل السوريين قبل تاريخ 17/ تموز/ 2024، وقد تراوحت مدة احتجازهم ما بين ثلاثة أشهر حتى عام واحد، وكان معظمهم من أبناء محافظات دير الزور والحسكة.
كما أفرجت هيئة تحرير الشام عن 11 شخصاً، من مراكز الاحتجاز التابعة لها في محافظة إدلب، تراوحت مدة احتجازهم ما بين أيام عدة حتى عام واحد، دون توجيه تهم واضحة لهم.
وأفرجت فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني في آب عن 13 شخصاً، بينهم 2 طفل و3 سيدات، من مراكز الاحتجاز التابعة لها، تراوحت مدة احتجازهم ما بين أيام عدة حتى عدة أشهر، دون توجيه تهم واضحة لهم أو إخضاعهم لمحاكمات، وتم الإفراج عن معظمهم بعد تعريض ذويهم لعمليات ابتزاز مادية مقابل الإفراج عنهم.
ذكر التقرير أنَّ بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان أصبحت ذات موثوقية عالية ومصدر أساسي للعديد من هيئات الأمم المتحدة والبيانات والقرارات الصادرة عنها، كان آخرها مشروع قرار حالة حقوق الإنسان في سوريا A/C.3/78/L.43 والذي صوتت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة عليه يوم الأربعاء 15/ تشرين الثاني/ 2023، والذي أدان استمرار ارتكاب النظام السوري للانتهاكات الجسيمة المنهجية والواسعة للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأكَّد أنَّ حصيلة المعتقلين تعسفياً في سوريا في ارتفاع مستمر، وأنَّها بلغت أكثر من 135000 معتقل، ومسؤولية النظام السوري عن الاستخدام المنهجي للاختفاء القسري، وأنَّه يشكل جريمةً ضد الإنسانية.
اعتبر التقرير أنَّ قضية المعتقلين والمختفين قسراً من أهم القضايا الحقوقية، التي لم يحدث فيها أيُّ تقدم يُذكَر على الرغم من تضمينها في قرارات عدة لمجلس الأمن الدولي وقرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي خطة السيد كوفي عنان، وفي بيان وقف الأعمال العدائية في شباط/ 2016، وفي قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في كانون الأول/ 2015.
أكَّد التقرير أنَّ النظام السوري لم يفِ بأيٍّ من التزاماته في أيٍّ من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، وبشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسية، كما أنَّه أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، فقد استمرَّ في توقيف مئات آلاف المعتقلين دونَ مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تُهم، وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية، وتحوَّل قرابة 68% من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
وأضاف التقرير أنَّه وفقاً لحالات الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري الموثَّقة لدينا في سوريا من قبل قوات النظام السوري، فلا يوجد لدينا أي مؤشر ينفي استمرار النظام السوري في عمليات التعذيب، أو قيامه بأدنى الإجراءات كاستجابة لقرار التدابير المؤقتة الصادر عن محكمة العدل منذ صدوره في 16/ تشرين الثاني/ 2023، فضلاً عن استمرار احتجازه لما لا يقل عن 136614 شخصاً لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري، ويعانون من التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة له، ما يؤكد استمرار انتهاك النظام السوري بشكل واضح لبنود اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها سوريا في عام 2004، ولم يفِ بالتزاماته بموجب الاتفاقية.
وأشار التقرير إلى أنَّ الأطراف الأخرى (قوات سوريا الديمقراطية، وهيئة تحرير الشام، والمعارضة المسلَّحة/ الجيش الوطني) جميعها ملزمة بتطبيق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد ارتكبت انتهاكات واسعة عبر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عنه رقم 2042 و2043، و2139، وأكَّد التقرير على ضرورة تشكيل الأمم المتحدة لجنة خاصة حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري، والتَّقدم في عملية الكشف عن مصير قرابة 112 ألف مختفٍ في سوريا، 85% منهم لدى النظام السوري، والبدء الفوري بالضَّغط على الأطراف جميعاً من أجل الكشف الفوري عن سجلات المعتقلين لديها، وفق جدول زمني، وفي تلك الأثناء لا بُدَّ منَ التَّصريح عن أماكن احتجازهم، والسَّماح للمنظمات الإنسانية واللجنة الدولية للصَّليب الأحمر بزيارتهم مباشرة.