"تحـ ـرير الشـ ـام وزلزال إدلب" هل نجحت الهيئة في إدارة الكارثة أم استثمرتها سياسياً ..؟
قبل أن تهدأ الأرض وتعود لسكونها، بعد زلزال مدمر ضرب مناطق جنوبي تركيا والشمال السوري في السادس من شهر شباط 2023، في كارثة غير مسبوقة، بات واضحاً حجم التفاعل من طرف القوى المسيطرة في الشمال السوري مع الأزمة التي تفوق إمكانياتها، وفي الوقت الذي لاقت تلك الجهود ثناءً كبيراً، علت أصوات تتهمها باستثمار الكارثة على حساب المنكوبين.
وفي ظل حجم التضافر والتعاون بين المكونات العسكرية والفعاليات الأهلية والمنظمات المحلية، التي بذلت جهوداً أكثر مايمكن وصفها بـ "المعجزة" لمواجهة أكبر كارثة في المنطقة، في ظل إغلاق الحدود وتباطؤ المنظمات الأممية في الوصول للمنطقة، تخرج أصوات تتهم بعض القوى منها "هيئة تحرير الشام" بأنها استثمرت "الزلزال" لتحقيق مكاسب سياسية ومدنية.
في موقف آخر، ساهمت هذه الكارثة - وفق بعض الآراء - في ظهور توجه جديد لدى الكثير من المعارضين لـ "هيئة تحرير الشام" ومؤسساتها، واعتبروا أن المرحلة تتطلب التفكير جلياً في الكثير من المواقف، وأن التكاتف والتلاحم بات ضرورة، شريطة أن يكون لدى جميع المكونات بادرة صادقة في بناء جسور التواصل وتغليب مصلحة المنطقة بمن فيها.
وفي سابقة هي الأولى، دخلت عدة وفود أممية رسمية إلى إدلب، بحماية كاملة من القوة المسيطرة هناك وهي الهيئة وبتسهيلات كبيرة للوفود الإعلامية والأممية والطبية وغيرها، وبتنسيق مع المنظمات المحلية والمؤسسات المدنية المرتبطة بالهيئة، ولعبت - وفق متابعين - "إدارة الشؤون السياسية في إدلب" دوراً كبيراً في منع تحكم النظام بالمساعدات ورفضت إدخالها إلا عبر المنافذ الحدودية مع تركيا.
شبكة "شام" استطلعت آراء بعض الشخصيات، والتي تباينت في آرائها بين من يعتبر أن الكارثة "فرصة ذهبية" للهيئة للخروج من حالة التقوقع الداخلية والانفتاح خارجياً، ضمن السياسة التي انتهجتها في فترة الكارثة، وبين من يعتبر أن نهجها لن يتغير وأنها تستثمر الفرص دوماً لتمكين مشروعها.
نجحت في إدارة الطوارئ والاستجابة
الناشط "عمر حاج أحمد" وهو رئيس "رابطة الإعلاميين السوريين"، اعتبر في حديث لشبكة "شام" أن "هيئة تحرير الشام" نجحت في مواجهة كارثة الزلزال لحدٍ ما، تمثل ذلك في إدارة لجنة الطوارئ والاستجابة التي حصلت إثر وقوع كارثة الزلزال المدمر، وحتى في مدينة جنديرس.
ولفت "حاج أحمد" إلى أن نجاح الهيئة كان في "حسن الإدارة للموارد البشرية واللوجستية" خلال الأيام العشر الأخيرة وتوزيعها ضمن نطاق العمل في رفع الأنقاض أو في فرق الاستجابة الانسانية الطارئة.
وأكد أنه رغم وجود تشتت وضياع في اليومين الأولين من وقوع الكارثة وعدم وجود إدارة كافية الا أن الأيام الأخيرة أثبتت حسن إدارة الهيئة لملف الكارثة، حتى أنها كانت أفضل من الحكومة المؤقتة أو حكومة الأسد في حسن الادارة - وفق رأيه - من حيث تنظيم توزيع الجهد وتوثيق مباشر لكل آثار الزلزال المدمر في إدلب.
واستدرك "حاج أحمد" حديثه لشبكة "شام" إلى أن الأمر لا يخلو من بعض السلبيات في طرق توزيع الاستجابة الإنسانية بسبب العبثية التي كانت موجودة، ولكن من ناحية عملية الإنقاذ والترابط بين المؤسسات والمنظمات وتسهيل العمل الإنقاذي والإنساني والأمني فكان أكثر من جيد، بحسب رأيه.
الكارثة درس للمتخاصمين
وتمنى رئيس رابطة الإعلاميين السوريين، أن يستمر هذا الترابط الوثيق والتشاركية الفعالة بين كل مكونات الثورة بحسنها وسيئها، في المرحلة القادمة، من أجل تحسين الواقع وتوحيد الجهد، والعودة لهدفنا الأساسي من الثورة السورية، وألا يبق الحال على ما هو عليه من تفرق وتشتت وتشرذم في القرار السياسي والعسكري والإنساني، وأن تكون هذه الكارثة درساً للمتخاصمين والمتشرذمين وأصحاب المصالح الضيقة أن يكونوا يداً واحدة، كما كانوا خلال الأيام القليلة الماضية في فترة كارثة الزلزال.
وختم "حاج أحمد" حديثه لشبكة "شام" بالقول: "فنحن لا يعنينا هيئة تحرير الشام ولا جيش وطني ولا أي مسمى عسكري أو سياسي، وما يعنينا هو الشعب السوري الحر، ومبادئ ثورتنا العظيمة، وهذا لا يتحقق إلا بتوحيد جهود الجميع فيما يخدم شعبنا وقيم ثورتنا".
جميع الفصائل شاركت بفعالية
بدوره الناشط الإعلامي "ماجد عبد النور"، اعتبر أن جميع الفصائل شاركت بفعالية في عملية الإنقاذ، ولم تدخر جهدا، وكان لها دور كبير في مواجهة الكارثة سواء الهيئة أو الجيش الوطني، لافتاً إلى أنه في لحظة الكارثة يسود جو التعاطف والتعاضد، لكن بعد انتهاء الحدث تعود الشقاقات والخصومات.
ولفت "عبد النور" في حديثه لشبكة "شام" إلى أن الشعب السوري يعيش الكارثة منذ 12 عاماً، متمنياً على جميع الأطراف من كل المكونات أن تعيد حساباتها، وإعادة بناء الثقة، وترك كل الخصومات والشقاقات بين جميع القوى، وتفكر في مستقبل سوريا بشكل جدي.
"الأسد والهيئة هما الكارثة الكبرى"
لكن الكاتب والمحلل السياسي الدكتور "باسل معراوي"، كان له رأي مخالف، إذ اعتبر في حديث لشبكة "شام" أن الهيئة "تملك اجندات تختلف كلياً عن أهداف الثورة السورية، وأنها تصنف لدى كل دول العالم بما فيها الأمم المتحدة "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية، معتبراً الهيئة "لم تنجح بأي عمل بمناطق سيطرتها قبل الزلزال لتنجح بعده، وأن رأس الحربة في عمليات الإنقاذ بمناطق سيطرتها هي منظمة (الخوذ البيضاء) ومساعدة الفزعة والتطوع الأهلية".
واتهم "معراوي" أمير الهيئة، بأنه لم يخرج على أي وسيلة إعلامية ليتكلم عن الكارثة، بل كان ينتظر الدعم الإنساني الخارجي ليستحوذ عليه ويعطي الفتات للمنكوبين، واختتم حديثه بالقول إن "الأسد والهيئة هما الكارثة الكبرى التي ألمّت بالشعب السوري (ولا زالت) وليس تلك الكارثة الطبيعية.
من جهته، تحدث مكتب العلاقات في وزارة الإعلام في "حكومة الإنقاذ السورية" في تصريح لشبكة "شام" عن استنفار طويل وجهد مكثف بذل للتخفيف من معاناة المتضررين، مؤكداً أنه منذ اللحظات الأولى لحدوث الزلزال، استنفرت قيادة المحرر كافة المؤسسات الخدمية والصحية والإنسانية الأمنية ووجهتها نحو المناطق المتضررة وبدأت كل جهة تستلم زمام العمل الخاص بها.
وأوضح المكتب أنه على الصعيد الطبي، استنفرت وزارة الصحة كوادرها وبدأت باستقبال جرحى الزلزال من اللحظة الأولى، كما وجهت منظومات الإسعاف للعمل بطاقتها القصوى لنقل الجرحى والمصابين من مناطق الهدم.
وعلى صعيد القطاع الطبي، قال المكتب إنه في اليومين الأوليين من الكارثة واجه صعوبات كبيرة تمثلت بانقطاع التيار الكهربائي عن المناطق المحررة، وشح المواد الطبية والأجهزة التي لم تكن قادرة على استيعاب هذه الأعداد من المصابين في وقت واحد، فاستنفرت الجهود ووجهت نداءات إغاثة ونظمت حملات تبرع بالدم، لتتمكن من تلافي النقص والتعامل مع الكارثة بحجمها الحقيقي.
وأضاف المكتب في حديثه لشبكة "شام" أنه بعد الأيام الأولى تمكنت وزارة الصحة والمنظمات الطبية العاملة في المحرر من إدخال بعض الوفود الطبية لسوريين يقيمون في الخارج أو لوفود طبية دخلت للمساعدة في الأعمال الجراحية الباردة على أمل إنقاذ المزيد من الأرواح.
أما على صعيد الخدمات، فقد تحركت آليات وزارة الإدارة المحلية من لحظة وقوع الزلزال للمساعدة في عمليات إزالة الركام وانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، فواصلت الليل في النهار على أمل العثور على ناجين، وفق تعبيره.
وكانت فرق ولجان الهندسة تجري جولات مستمرة على المناطق التي تعرضت للزلزال بهدف إجراء الكشف الفني عليها وتنبيه أصحابها إلى ضرورة إخلاء المنزل في حال كانت التصدعات فيه خطيرة، كما وثقت لجان الهندسة المبان الخطرة ووضعت عليها إشارات تحذيرية بهدف عدم الاقتراب منها خشية انهيارها نتيجة احدى الهزات الارتدادية.
وأضاف المكتب أن أعمال الوزارة لم تتوقف حتى اللحظة إذ ما تزال الآليات مشغولة في إزالة الأنقاض وترحيل الركام وفتح الطرقات المغلقة بغية إعادة الحياة إلى المناطق المنكوبة من جديد.
في المجال الإنساني، ولأن الكارثة شردت آلاف العائلات، تحدث المكتب عن توجيه وزارة التنمية فرقها للبحث عن عائلات نازحة وعملت على نقلها إلى أماكن أكثر أمناً في المرحلة الأولى ثم تقديم وتنظيم حملات المساعدة التي بدأت باستهداف المنكوبين.
كما استنفرت الوزارة كوادرها ووجهتها لبناء مراكز الإيواء المؤقت لاستقبال المتضررين ممن تهدمت منازلهم في الزلزال فجهزت الوزارة 72 مركزاً في عموم المناطق المحررة واستقبلت أكثر من 6130 عائلة، وفق حديثه لشبكة "شام".
ولفت إلى تعاون الوزارة مع المنظمات الإنسانية وتسهيل عملها بغية الوصول لكافة المتضررين والمحتاجين كما ساعدت وزارة التنمية في الحملة التي أطلقتها وزارة الأوقاف لجمع التبرعات في المساجد، فيسرت عملها لإيصال التبرعات لمستحقيها.
ولأن حفظ ممتلكات الأهالي المتضررين - وفق تعبير المكتب - كان من أولويات قيادة المحرر فقد استنفر جهاز الأمن العام ووزارة الداخلية ما يزيد عن ٢٦٠٠ من الوحدات الشرطية والمهام الخاصة في وزارة الداخلية، كما استنفرت كافة الآليات التابعة لوزارة الداخلية من رافعات وسيارات لنقل الجرحى والمصابين.
ووفق المكتب، عملت وزارة الداخلية في ظل الكارثة التي ضربت المنطقة المحررة ومنذ الساعات الأولى على مساندة فرق الإنقاذ وتسهيل حركة الآليات التي تقوم بإنقاذ الأهالي، كما عملت على تأمين الحماية للمناطق المتضررة على مدار الساعة لمنع وقوع السرقات في المواقع المهدمة وحماية ممتلكات الأهالي، كما استلمت جميع الأمانات التي تم إخراجها من الأبنية المهدمة إثر الزلزال وتوثيقها وحفظها لتسليمها لأصحابها ولذوي الشهداء.
وكان دخل أول وفد أممي رفيع المستوى إلى إدلب، يوم الثلاثاء 14/ شباط 2023، عبر معبر باب الهوى الحدودي، باتجاه مناطق شمال غربي سوريا، وأعلنت "إدارة الشؤون السياسية" في المناطق المحررة أنها عقدت اجتماعا بمشاركة وزارتي الصحة والتنمية والشؤون الإنسانية مع الأمم المتحدة، وذلك بمشاركة أبرز وكالات الأمم المتحدة (WFP), WHO, IOM, UNICEF, UNHCR).
وقالت الإدارة إن اللقاء شمل عدة نقاط، منها نقل معاناة الأهالي في المناطق المحررة نتيجة الزلزال الحاصل وأرقام الضحايا والمصابين، وتبليغ الوفد الأممي استياء المدنيين من عدم استجابة الأمم المتحدة وعدم مساهمتهم في إنقاذ العالقين وتقديم المساعدات والأدوات اللازمة لذلك.
وسبق أن حملت "إدارة الشؤون السياسية في إدلب" في بيان لها، الأمم المتحدة مسؤولية "تسييس" الاستجابة الطارئة الموجهة إلى المدنيين في المناطق المحررة، من خلال تصريحاتها ودعواتها وإصرارها على المهمات الإنسانية من خلال مناطق النظام السوري المجرم.
وقالت إن الأمم المتحدة، تحاول الهروب من مواجهة الواقع الإنساني الكارثي في شمال غرب سوريا وتحميل الأطراف الميدانية مسؤولية ذلك، ولفتت إلى حرص النظام السوري على الاستفادة من المساعدات الموجهة لمنكوبي الزلزال، وتتواطأ معه في ذلك مؤسسات "إنسانية" دولية كبرى، ولذلك فنحن نؤكد رفضنا اقتطاع النظام السوري المجرم أي حصة من حجم المساعدات الموجهة إلى شمال غرب سوريا.
وأكدت الهيئة، دعم تسهيل العمل الإنساني في شمال غرب سوريا، إلا أننا نبحث عن آليات عملية تساهم في تخفيف معاناة شعبنا في الوقت الراهن، ونؤكد بأن أبواب الشمال المحرر مفتوحة لكافة الفرق الصحفية والمنظمات الإنسانية للاطلاع على الواقع ومراقبة المأساة بشكل مباشر، وفق تصريحاتها.
من جهته، عبّر رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط، عن رفضه الشديد للادعاءات التي بررت فيها الأمم المتحدة فشلها في مساعدة السوريين في المناطق المحررة، إذ قالت إن “المعارضة لم تسمح بدخول المساعدات”، لافتاً إلى أن الحقيقة هي أنه تم المطالبة بالدخول العاجل للمساعدات عبر الحدود والأمر متاح عبر باب الهوى والمعابر الحدودية أو عبر فتح معابر أخرى.