صور أقمار صناعية تكشف مساعي النظام لطمس معالم مقبرة جماعية في السيدة زينت بدمشق
كشفت صور نشرها حساب (samir) على منصة "إكس"، المتخصص بتكنولوجيا المعلومات الجغرافية، ملتقطة عبر الأقمار الصناعية، عن طمس نظام الأسد معالم مقابر جماعية بين السيدة زينب وحجيرة، في ريف دمشق، تضم ضحايا مجازر جماعية، عبر طمرها بركام المنازل والنفايات.
ورصدت الصور، تغيراً واضحاً لمعالم المقبرة عبر سنوات، وتحولت المقبرة في محيط منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق، إلى مكب للنفايات والركام والأنقاض المرحلة، يغطي القبور بشكل شبه كامل، وبين الحساب أن أكثر من 40 شخصاً دُفنوا في المقبرة الجماعية المذكورة في 19 تموز 2012، وتحديداً في الركن الجنوبي الشرقي منها.
وضمت المقبرة الجماعية جثامين عشرات الضحايا الذين سقطوا برصاص قوات الأمن ومن جراء القصف الجوي، حيث خرج أهالي السيدة زينب وحجيرة للاحتفال أمام الثكنة بمقتل "خلية الأزمة" في 18 تموز 2012، لترد عليهم قوات الأمن بالرصاص ويسقط الشاب عبد الرحمن السمور قتيلاً، وفق موقع "تلفزيون سوريا".
وفي تشييع السمور قصفت طائرات النظام الحربية مئات المشيعين بغارة مزدوجة، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 50 مدنياً، في حين وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 117 شخصاً في المجزرة، ومع استمرار النظام في نهج القتل الجماعي، جرى حفر قبور إضافية في المنطقة نفسها في وقت لاحق من عامي 2012 و2013، ومنذ عام 2018 تقريباً، أصبح المكان الذي يضم 5 قبور جماعية دفن فيها ما يقارب الألف شخص، مغطى بأنقاض المنازل المهدّمة والنفايات.
وسبق أن كشفت "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"، في تقرير لها، عن صور أقمار صناعية ملتقطة حديثاً، تظهر حدوث عمليات تجريف وتسوية للأرض في موقع المقبرة الجماعية بمدينة القطيفة في محافظة ريف دمشق، والتي تقع بالقرب من مركز قيادة الفرقة الثالثة في جيش النظام على بعد حوالي 45 كيلومتراً شمال العاصمة دمشق.
وتُظهر الصور - وفق الرابطة الحقوقية - التي يعود تاريخها إلى بداية العام 2023، حدوث عمليات تجريف وتسوية للأرض وقلب للتربة في الموقع حدثت نهاية صيف العام 2022 وتسارعت مع نهاية العام نفسه لتتوقف نهائياً في شهر كانون الثاني 2023.
ولفتت إلى أن النظام قد أقام جداراً خرسانياً يبلغ طوله حوالي المترين حول المقبرة في العام 2019، حيث يُعتقد أن رُفات عدة آلاف من المعتقلين السياسيين الذين تم إعدامهم أو الذين قضوا تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز قد دُفنت هناك.
وتثير الصور الحديثة للمقبرة مخاوف جدية من تسهيل النظام السوري لتدمير المقابر الجماعية والعبث بها، ومحاولة طمس أي أدلة على جرائم التعذيب والإخفاء القسري التي حصلت خلال العقد الماضي بما أنّ الموقع لم يعد مرئيًا من الخارج أو واضحًا في صور الأقمار الصناعية.
وقال "دياب سرية"، المدير التنفيذي لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا: “يقوم النظام السوري بمحو وإخفاء جرائمه بشكل منهجي ومتعمد بإخفاء وتدمير الأدلة التي يمكن أن تستخدم لإثبات عمليات القتل والإخفاء القسري التي حصلت في البلاد بعد العام 2011”.
ولفتت الرابطة إلى أن مصير الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرًا في سورية لا يزال مجهولاً، مع إنكار تام ورفض النظام الإفصاح عن أي معلومة تمكّن من الكشف عن مصير الضحايا وأماكن وجودهم، بالإضافة إلى إصدار شهادات وفاة لبعضهم تشمل أسباب وفاة طبيعية مع عدم تسليم الجثة أو الإفصاح عن مكان دفنها.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قد نشرت، في شهر آذار من العام 2022، تحقيقًا تعاونت فيه مع “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” حول مواقع المقابر الجماعية في سورية، ودورها بإثبات وتوثيق جرائم الحرب المرتكبة من قبل النظام السوري. وقد استطاعت الصحيفة تحديد موقع مقبرتين جماعيتين من المتوقع أنهما تضمان آلاف الجثث لسوريين قُتلوا في مراكز الاحتجاز السورية، وفق معلومات وشهادات أمدتها بها الرابطة.
ويضيف المدير التنفيذي بأنه يجب على أعضاء المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات ملموسة لمعالجة أزمة العائلات المستمرة المتمثلة في غياب أي معلومات عن مصير أحبتهم والوقف التام للإفلات من العقاب في بلد شهد أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.
وحتى الآن لم يُقدَّم أي مسؤول سوري رفيع المستوى إلى العدالة لمحاسبته على الجرائم ضد الإنسانية، السابقة والمستمرة، فيما اقتصرت المحاكمات التي تجري وفق مبداً الولاية القضائية العالمية على بعض المسؤولين السابقين في أجهزة الاستخبارات وعناصر الشبيحة والدفاع الوطني، بينما ما يزال عشرات الضباط المجرمين المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يشغلون مناصب عليا ويحظون بالترقيات والترفيعات في سورية.