مثقفو بنش يدينون الاعتداء على مخفر المدينة ويطالبون "تحرير الشام" بوقف استباحة المدينة أمنياً
أصدر نخبة من المثقفين والنشطاء في مدينة بنش بريف إدلب اليوم الأحد، بياناً حول الأوضاع التي تعيشها المدينة، في ظل الاستباحة الأمنية التي تنفذها "هيئة تحرير الشام" منذ ثلاثة أيام، واستمرار حملة الاعتقالات ومداهمة البيوت في ساعات الفجر، علاوة عن صدور بيانات غير متوازنة من الأعيان وعلماء الدين في المدينة تدين طرف دون آخر.
وأدان بيان المثقفين بشدة حادثة إطلاق النار على سيارة مدير المنطقة الوسطى من قبل أحد المتظاهرين ومهما كان دافعه لذلك (فاعتقال رفاقه بعد المظاهرة من قبل الامن العام لا يبرر له استخدام العنف والسلاح)، كنا أدان البيان حادثة الاعتداء على المخفر من قبل طرفٍ مازال مجهولاً وغير معلوم لأهالي المدينة حتى اليوم، وفق البيان.
وطالب البيان، مخفر المدينة وجهاز الأمن العام بنشر الأدلة التي تثبت تورط أبناء المدينة حسب تصريحات مسؤوليه بحادثة الاعتداء على المخفر ومنها تسجيلات كاميرات بناء مخفر المدينة، (كما حال بناء المنطقة الوسطى الذي رأينا تسجيلا من إحدى كاميراته يدعم رواية السلطة) وفق النص.
وطالب البيان بتشكيل لجنة قضائية حيادية تتكون من أشخاص موثوقين و معروفين بالإنصاف والصلاح للتحقيق في حيثيات وتفاصيل الحادثة وجمع الأدلة والشهادات للكشف عن المتورطين في حادثة الاعتداء على المخفر ونشر نتيجة التحقيق مرفقة بالأدلة والشهادات ومحاسبتهم .
وطالب "هيئة تحرير الشام وجهاز الأمن العام" بسحب عناصرهم من المدينة والإفراج عن المتظاهرين السلميين ممن تم اعتقالهم في المدينة بطرق لاإنسانية ولاأخلاقية ولا تمت إلى الدين الحنيف بصله.
وأكد البيان على أحقية الناس بالتظاهر السلمي للتعبير عن رأيهم والمطالبة بحقوقهم في سبيل الإصلاح الشامل الذي يرقى بالمنطقة، مؤكدين بأن حماية مؤسسات المدينة هي مسؤولية الجميع.
يأتي ذلك في وقت تواصل الأجهزة الأمنية التابعة لـ "هيئة تحرير الشام"، استباحة مدينة بنش، لكسر شوكة الحراك الشعبي المناهض لها في المدينة، في ظل تقطيع أوصال المدينة، واستمرار عمليات الدهم والاعتقال والتعدي على المنازل والحرمات، وهذا ماأكده نشطاء المدينة، الملاحقين هم أصلاً لورود أسمائهم على قائمة المطلوبين.
وقالت مصادر "شام" إن عناصر أمنية مدججة بالأسلحة والعربات المصفحة، تقطع أوصال مدينة بنش لليوم الثالث على التوالي، وتقوم بحملات الدهم لمنازل المدنيين في ساعات الفجر دون مراعاة لحرمتها، في ظل تسجيل اعتقال أكثر من 15 شخصاً حتى الآن، وتسجيل عدة تعديات على نساء ومنازل الآمنين في المدينة.
وأكدت المصادر، أن حجة الهيئة في اقتحام المدينة منذ يوم الجمعة، كانت الاعتداء على مخفر الشرطة وحرق آلياته، لكن وفق المصادر فإن الحراك الثوري في المدينة والفعاليات الشعبية المنظمة للاحتجاجات نفت مسؤوليتها عن هذا الاعتداء، وأكدت أن أطراف أخرى هي من نفذت هذا الفعل.
وطالبت الفعاليات الثورية في مدينة بنش، من قيادة الهيئة وذراعها الأمني، كشف الأشخاص المتورطين في حادثة الاعتداء على مخفر الشرطة وإحراق آلياته، والذي أتخذ ذريعة لاستباحة المدينة، مطالبين بفتح كمرات المرافقة وكشف هوية الفاعلين الحقيقيين لمحاسبتهم أمام الجميع.
وشكك نشطاء من بنش، في الرواية التي خرجت بها الهيئة لاقتحام المدينة، واتهام الفعاليات الشعبية بحرق المخفر، مبينة أن القوى الأرتال التي اقتحمت المدينة يوم الجمعة كانت مستعدة بشكل مسبق ومحضرة لعملية الاقتحام، علاوة عن نشر الهيئة أذرعها الأمنية باللباس المدني يوم الجمعة قبل التظاهرة.
وأكد النشطاء أن حادثة مخفر بنش، تعيد للذاكرة حادثة اقتحام جسر الشغور على خلفية مقتل " أبو عمر سيو" الأمني في صفوفها، والمسارعة لاتهام الحراك الثوري في المدينة، ومن ثم مداهمتها وشن حملات الاعتقال، تبين لاحقاً أن القاتل صديق له بغرض السرقة، لتعود اليوم لاستثمار حادثة حرق المخفر بطريقة ممثاثلة دون الكشف عن هوية المعتدين لحين تنفيذ مخططها في تقويض الحراك في المدينة وكسر شوكتها.
وتحولت مدينة بنش خلال الأشهر الماضية، إلى مصدر قلق كبير لدى قيادة "هيئة تحرير الشام" وذراعها الأمني، لما تميزت فيه احتجاجاتها الشعبية المناهضة للهيئة من تنظيم وقوة في التأثير والشعارات التي رفعتها، فكانت تقويض هذا الحراك على أولويات قيادتها الأمنية، على غرار تقويض الحراك في جسر الشغور ومناطق أخرى، عبر الترهيب والحصار والاعتقال.
وشهدت مدينة بنش منذ يوم الجمعة 5 تموز 2024، وحتى اليوم، حملات دهم واعتقال مستمرة، طالت العديد من الشخصيات الثورية المعروفة بمناهضتها للهيئة، ومشاركتها بشكل فاعل في الاحتجاجات الشعبية المناهضة ضدها، في وقت باتت القوى الأمنية تُقطع أوصال المدينة وتخنقها بالحواجز والدوريات.
وتميزت التظاهرات الشعبية المناهضة لـ "هيئة تحرير الشام" في عموم مناطق إدلب، على رأسها مدينة بنش منذ يوم الجمعة 24 أيار، بوعي شعبي كبير، مع تجنب الصدام والمواجهة مع القوى الأمنية والعسكرية التابعة للهيئة بعد استخدام القوة العسكرية والأمنية، في يوم الجمعة 17 أيار، واستخدام الرصاص الحي والمدرعات والغازات المسيلة للدموع ضد المحتجين في إدلب، من خلال حصر تظاهراتها في مدينة بنش دون التوجه لمدينة إدلب، لكن هذا لم يجنبها ممارسات الهيئة.
وشهدت مدينة بنش كعادتها يوم الجمعة 5 تموز 2024، تظاهرة شعبية مناهضة لـ "هيئة تحرير الشام"، رفعت لافتات ضد ممارسات الهيئة، وعبرت عن التضامن مع اللاجئين السوريين في تركيا، ورفض التطبيع مع نظام الأسد، قبل توتر كبير شهدته المدينة عقب اعتقال الهيئة أحد منشدي التظاهرات وماأعقبه من تطورات.
وقالت مصادر "شام" إن عناصر أمنية تابعة للهيئة لاحق المنشد "أبو رعد الحمصي" وعدد من منسقي الحراك المناهض لها في المدينة عقب التظاهرة في مدينة بنش، وقامت بصدمهم عبر سيارة أمنية، واعتقال المنشد "أبو رعد" رغم محاولة مدنيين في المكان منعهم.
وأضافت أنه على إثر اعتقال المنشد "أبو رعد" وهو من منشدي التظاهرات الاحتجاجية ضد الهيئة في المدينة، قام محتجون بالتوجه لمخفر الشرطة وإدارة المنطقة التابعين لحكومة الإنقاذ والهيئة، للمطالبة بإطلاق سراحه، وجرى إطلاق نار متبادل بين عدد من الأشخاص وعناصر الشرطة والقوى الأمنية وفق ماقالت بعض المصادر، دون أن تحدد هوية مطلقي النار، وسط اتهامات للهيئة بافتعال الأمر لتحقيق أجنداتها في المدينة.
وخلال ساعات الليل، اعتقلت عناصر الهيئة أكثر من عشرة مدنيين عرف منهم (محمود محمد الأحمد - جمال محمد حاج قدور - محمد محمد سلات - أحمد سليمان علي باشا - محمد جمعة حاج قدور - أحمد وليد حاج قدور - أسعد عبدالحكيم الأسعد)، في وقت لاتزال القوى الأمنية تلاحق المحتجين والنشطاء وتراقب منازلهم لاعتقالهم.
وتمارس "هيئة تحرير الشام" ضغوطات كبيرة على الفعاليات الشعبية في المدينة، بسبب التظاهرات المناهضة ضدها والتي باتت مركز ثق كبير للفعاليات هناك، رغم أن تلك الفعاليات اتخذت قراراً بعدم التوجه لمدينة إدلب في كل جمعة، لمنع الصدام مع القوى الأمنية والعسكرية التي تقطع الطرقات في كل يوم جمعة.
وكان أعلن "محمد عبد الرحمن" وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ (الذراع المدنية والأمنية لهيئة تحرير الشام)، بتوقيف عدد من الشخصيات في ريف إدلب، بتهمة ممارسة "إرهاب فكري على المتظاهرين وتشويه صورة من يسعى للإصلاح"، في سياق حملة اعتقالات طالت عدد من منسقي الحراك الشعبي المناهض لهيئة تحرير الشام.
وقال الوزير في بيان له، إنهم حصلوا على إذن من النائب العام، بتوقيف عدد من الشخصيات، وإحالتهم للقضاء المختص أصولاً، متحدثاً عن رفض هؤلاء للحوار والاستجابة لمبادرات الإصلاح، وأضاف أنهم "مارسوا إرهابا فكريا على المتظاهرين المحقين وعملوا على تشويه من يسعى بالإصلاح وجر المحرر إلى المجهول، وشق الصف والعودة إلى الاقتتال الداخلي وتضييع ما بذل من جهد لبناء هذه المؤسسات".
وجاء تصريح الوزير بعد حملة اعتقالات واسعة شنتها قوى أمنية تابعة لـ "هيئة تحرير الشام" في عدة مدن وبلدات بريف إدلب، طالت عدد من منسقي الحراك الشعبي المناهض للهيئة، بينهم (الدكتور فاروق كشكش - الفنان التشكيلي رامي عبد الحق - الناشط أحمد أبو حمزة - الناشط آدم الساحلي - الناشط يحيى سيد يوسف ... إلخ).
وشكل استخدام القوة العسكرية والأمنية، في يوم الجمعة 17 أيار، واستخدام الرصاص الحي والمدرعات والغازات المسيلة للدموع ضد المحتجين في إدلب، تطور جديد في الحراك الشعبي المناهض للهيئة التي قررت استخدام القوة المفرطة في ضرب المدنيين العزل، مكررة سياسة النظام في قمع الاحتجاجات، لتكشف هذه الواقعة الوجه الحقيقي لقيادة "هيئة تحرير الشام" التي لم تترك مجالاً لقمع كل حراك ضدها طيلة سنوات مضت.
ويرى مراقبون، أن "الجولاني" يحاول دفع المحتجين لصدام مباشر مع "الجناح العسكري" في الهيئة تحديداً، بعد أن فقد الجناح الأمني ثقته شعبياً على خلفية قضية "العملاء" وتكشف الوجه الحقيقي لممارساته، وبالتالي يُرجح أن يرغب "الجولاني" الأخير باندلاع صدام "مسلح" بين الطرفين، من خلال دفع الحراك للدفاع عن نفسه في منطقة ينتشر فيها السلاح بشكل كبير بين العوام، وهذا مايحقق مخططه في تسويغ ضرب الحراك وإنهائه بالقبضة العسكرية.
هذا ويذكر أن "الجولاني" صعد مؤخرا من خطابه ضد الحراك الشعبي المتواصل ضده، زاعما بأنه "انحرف عن مساره" وتخطى الخطوط الحمراء، وكان توعد وزير الداخلية لدى حكومة الإنقاذ "محمد عبد الرحمن" بالضرب بيد من حديد، معتبرا أن الوزارة عملت في الفترة الأخيرة على جملة من الإصلاحات، إعادة دمج جهاز الأمن العام ضمن وزارة الداخلية، وإصلاح القوانين والإجراءات.
وتجدر الإشارة إلى أن قيادة الهيئة عولّت سابقا على امتصاص حالة الغضب في الشارع الثوري، وتقديم الوعود بالإصلاحات، لكسب وقت إضافي وعدم توسع المشهد الاحتجاجي في عموم المناطق المحررة، في وقت ألمحت مصادر "شام" حينها إلى أن "الجولاني" لن يقف مكتوف الأيدي في حال خرجت الأمور عن السيطرة، وأنه مستعد لإدخال المنطقة بحالة فوضى عارمة من عمليات تفجير واغتيال وتسلط اللصوص وقطاع الطرق، يجبر الحراك على خيارات ضيقة في الاستمرار أو الفوضى، قبل القمع غير المسبوق اليوم.