مليارات جُمعت ولُعاب الأسد عليها.. "فزعات درعا" هل هي جيدة أم سيئة؟
أطلقت فعاليات مدنية في عدد من المدن والبلدات في محافظة درعا خلال الفترة الأخيرة حملات تهدف لجمع التبرعات من أجل تحسين الواقع الخدمي، مثل إعادة تأهيل شبكات الانترنت وحفر الآبار وتوفير الطاقة اللازمة لتشغيلها، وإنارة الشوارع والطرقات، وغيرها، في ظل ارتفاع نسبة الفقراء، وتدني المستوى المعيشي وانخفاض سعر الليرة السورية لمستويات قياسية أمام الدولار الأمريكي مؤخرا.
وجاءت هذه الخطوات التي بلغ صداها مبلغه في المنطقة، بسبب الوعود الزائفة والتردي الواضح في الخدمات التي تقدمها المؤسسات التابعة لنظام الأسد، حيث أخلف النظام الأسد بكافة الوعود التي أطلقوها فيما يتعلق بتحسين واقع البنية التحتية والخدمات، حيث أطلق الأهالي عدد من الحملات أطلق عليها اسم "الفزعات تبرع فيها عدد كبير من أهالي المحافظة في الداخل والخارج.
ولاقت هذه الحملات التي أُطلق عليها اسم "فزعات" ترحيبا شعبيا واسعا، وإقبالا كبيرا من المتبرعين، حيث جمع الأهالي المليارات من الليرات السورية، وفاق المبلغ الإجمالي في المحافظة الـ "مليوني دولار أمريكي"، حيث تم إطلاق هذه الحملات في مدن وقرى وبلدات داعل والشيخ مسكين ونوى وإنخل وتسيل وإبطع والكرك الشرقي وخربة غزالة والغرايا والمسيفرة والفقيع وغيرها الكثير، إلا أن النظام والمتنفذين من المسؤولين التابعين له يعملون على استغلال ذلك من أجل تحقيق مصالح معينة، سواء كانت شخصية، أو لدعم النظام، أو دعم مؤسسات تتبع له.
استغلال النظام وضباطه لـ "الفزعات"
قالت مصادر لـ "شبكة شام" إن رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية العميد المجرم "لؤي العلي" طالب الفعاليات المدنية بدفع 27% من المبلغ المتبرع بها كضريبة للسماح بمثل هذه الحملات، وكضريبة ترفيهية لأن المياه ستتوفر في قرى حوران، خاصة أن غالبية الأموال التي جمعت ستذهب لحفر الأبار واستخراج المياه بالطاقة الشمسية.
وحسب مصادر شبكة شام أن لؤي العلي اشترط أن تكون صورة المجرم بشار الأسد حاضرة في كل مشروع يتم إنشاءه من المبالغ التي يتم جمعها من خلال تلك التبرعات، وهو ما أثار حفيظة الشارع الثوري والمتمسكين بمبادئ الثورة السورية، وسط رفض واسع لهذه النقطة.
وذكر ناشطون أن مديرية مياه درعا اشترطت على الأشخاص الذين تبرعوا بجزء من الأراضي لتشغيل آبار المياه بالطاقة الشمسية التنازل عن المساحة المتفق عليها في السجلات العقارية وتسجيلها رسمياً باسم مديرية المياه، ومن بين الشروط رفع أعلام النظام في جميع المشاريع التي ستنفذ تحت إشراف مجالس البلديات ومجلس محافظة درعا.
نصيب الأسر الفقيرة من هذه الحملات
وجه العديد من الأشخاص سهام الانتقاد لهذه الفزعات كونها لا تقدم أي حلول هامة للأسر الفقيرة والمعدومة كونها باتت أحد أبرز الفئات في المجتمع السوري، حيث انتقدوا السعي لإعادة تأهيل شبكات الإنترنت، مقابل تهميش مسألة تقديم وسائل التدفئة للأطفال في فصل الشتاء، على أدنى تقدير.
أحد أهالي مدينة داعل أكد لـ "شبكة شام" أهمية مثل هذه الحملات، مشيرا إلى أن نجاحها يجب أن يقترن بمساعدة الأسر الفقيرة، ولا سيما أبناء وذوي الشهداء منها، مع ضرورة عدم السماح لنظام الأسد بالانتفاع منها سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وعبّر المصدر عن أسفه من أن نظام الأسد استطاع الاستفادة من جزء من هذه المبالغ بشكل مباشر، حيث تم تخصيص الملايين منها من أجل الحصول على "بوابات انترنت" من فرع الشركة السورية للاتصالات في درعا التابعة للنظام.
واستنكر المصدر عدم حصول العديد من العوائل الفقيرة أو أسر الشهداء على ثمن وقود أو حطب للتدفئة، بالرغم من المبالغ الكبيرة التي تم جمعها.
وبيّن المصدر أهمية تجهيز آبار مياه الشرب وتزويدها بلوحات الطاقة اللازمة لتشغيلها على أكمل وجه، ولكنه أشار إلى أن المقترح كان أن يتم استيراد اللوحات من الأردن، إلا أنه تفاجأ بأن شراؤها كان عبر شركات مرتبطة بنظام الأسد بشكل وثيق.
وكان رئيس المجلس البلدي في مدينة داعل التابع للنظام قد استبعد أن يتم تقديم مساعدات للمحتاجين من أهالي مدينة داعل من هذه المبالغ التي تم جمعها خلال هذه الحملة في الوقت الحالي، متذرعا بأن هذه المبالغ لا تكفي للخدمات التي يتم العمل على توفيرها.
وسبق أن وعد نظام الأسد وجهاء وعشائر المحافظة خلال عملية التسوية عام 2018 بتوفير الخدمات في المدن والبلدات، في إطار أحد شروط التسوية، إلا أن البلديات عادت للعمل شكليا، دون تقديم أي خدمات تذكر.
ويرى العديد من أهالي المحافظة أن إشراك مؤسسات نظام الأسد في إدارة وتبني مثل هذه المشاريع عبر وسائل إعلامه بمثابة منحه إنجازا لم يقدم أدنى المتطلبات للقيام به، وطالبوا بضرورة معالجة مشاكل الفقراء والمحتاجين.
مشاريع هادفة مستدامة أم حلول مؤقتة
لم تتباين الآراء كثيرا بشأن ضرورة مثل هذه الحملات لتحسين الواقع المعيشي للمدنيين في المحافظة، لكن التضاد فيها كان من ناحية استدامة المشاريع المزمع تنفيذها، ولا سيما إمكانية الصيانة الدورية لألواح الطاقة الشمسية اللازمة لجر مياه الآبار، ومدى جودتها، ومدى عمرها الافتراضي والفعلي.
تسائل البعض عن إمكانية استمرار هذه الفزعات إلى ما بعد ذلك، كون التكاليف لن تنتهي هنا، فمثل هذه المشاريع تحتاج لصيانة دورية، كما تحتاج لعمال حراسة، وتحدثوا عن تكاليف إزالة ألواح الطاقة في حال انتهاء عمرها الافتراضي.
وشبه البعض دفع التكاليف التشغيلية للمشاريع مستقبلا بمثابة إلزام للمغتربين بدفع ما يشبه "ضريبة الاغتراب" التي كان الأسد وحلفائه سبباً مباشراً فيها، حيث رأى البعض أنها حلول مؤقتة لهذه الخدمات ولن تدوم طويلا خاصة أن هناك منع من شراء مواد أكثر قوة وصلابة من الأردن، ويتم إجبارهم على شراء مواد سيئة الجودة من شركات أصحابها داعمين للنظام بشكل مباشر.
بصيص أمل
أشاد البعض بتجربة بعض المدن والبلدات في استغلال مثل هذه الحملات وتوجيهها نحو تحقيق أكبر فائدة ممكنة، من خلال تفعيل المشاريع الخدمية بصورة صحيحة تحقق أقصى استدامة، مع رفض أي وجود أو ظهور لنظام الأسد أو أي مسؤول تابع له، كونه المتسبب في دمار البنى التحتية في المحافظة.
اعتبر الناشط الإعلامي "إبراهيم الحريري" أن الإشكالية التي بدأت مع انطلاق هذه الحملات هي التخوف من تبني واستفادة النظام منها، وهو ما أثار التردد لدى كثير من المتبرعين.
وأكد "الحريري" أن القرى والمدن المتمسكة بمبادئها نجحت بتنفيذ المشاريع الخدمية لتأمين المياه للأهالي، دون ظهور ووجود وتدخل للنظام، وهذا ما حصل في مدينة بصرالحرير وغيرها الكثير.
وأضاف "الحريري" أن المبالغ كانت كفيلة بتنفيذ مشروع المياه وزيادة من تبرعات أبناء البلد بإدارة أبناء البلد ذاته.
وطالب بوجوب وضع حد لمحاولات بعض أذناب البعث في بعض القرى والمدن حول إشراك النظام وتصوير بعض الفيديوهات، مشددا على أن "لا خير في فزعة يستغلها النظام ويستفيد منها".
هل يستفيد النظام من هذه الحملات؟
وفي الحقيقة أن النظام يستفيد بشكل كبير من مثل هذه الحملات، لدعم الليرة السورية عبر الحوالات المالية الكبيرة التي ستصل من المغتربين خارج سوريا، وأيضا وهو الأهم ستظهر النظام بصورة الذي يقوم بإعادة إعمار المدن وإعادة الخدمات رغم العقوبات الدولية عليه، وهذا ما تسعى له الفعاليات في درعا لمنع النظام من الإستفادة من هذه الأموال. ولكن كيف؟.
ذكرت مصادر خاصة لشبكة شام أن كثيرا من المغتربين يقومون بإيصال الأموال عبر تحويلها الى الأردن حيث يقوم أحد الأشخاص بإدخال هذه الأموال الى درعا دون أن تصل ليد النظام أو أن يستفيد منها، حيث يقوم غالبية المغتربين بهذا الأمر إلا أن البعض منهم يقوم بتحويل الأموال بشكل مباشر الى داخل سوريا.
وأشارت مصادر خاصة لشبكة شام أن عدد من البلدات والمدن التي شهدت مشاريع خدمية بعيدا عن تدخل النظام المباشر بها، تعمل بشكل جيد منذ أكثر عامين مثل خدمات المياه في بلدة بصر الحرير التي حلت أحد أكبر مشاكل البلدة المدمرة وأصبحت الماء تصل الى غالبية المنازل.
وذكر البعض لشبكة شام أنهم كانوا يشترون صهريج الماء سابقا بأكثر من 50 ألف ليرة والذي قد يكفي لأقل من شهر، إلا أنه مع هذه الخدمات فإن الأسر خاصة الفقيرة منها لن تقوم بدفع هذه المبالغ الكبيرة وستصل إليها الماء بشكل مجاني، ما يساعد الفقراء وإن بشكل غير مباشر.
ومع انتشار الفزعات في غالبية مدن وبلدات وقرى حوران والمليارات من الليرة السورية التي جمعت في هذه الحملات، تدخل النظام على الفور وأرسل وسائل إعلامه لتغطية الحدث، وتصوير الأمر أنه بتوجيهات عليا من "القيادة الحكيمة" مع عدد من المقابلات مع أشخاص هم بالأصل مؤيدين للنظام، حيث شوهد عدد من الصحفيين والقنوات الإعلامية التابعين للنظام يقومون بتصوير هذه الحملات وعمل تقارير عنها، تتضمن شكر وتمجيد للإرهابي بشار الأسد ونظامه المجرم.
والأمر الأخر وهو الأهم، ذكر نشطاء لشبكة شام أن الكهرباء والماء وإن وصلت للفقراء بشكل مجاني عن طريق هذه المشاريع الخدمية التي تقوم بها الفعاليات إلا أن النظام سيحصل على حصته شاء أو أبى المواطنون بالغصب والقوة، حيث قال أحدهم أنه لا يستطيع استخراج أي معاملة في مؤسسات النظام لأن عليه تسوية الفواتير المترتبة عليه من الكهرباء والماء منذ أكثر من 5 سنوات.
وذكر النشطاء أن الماء تصل الى منازل المدنيين عن طريق المواسير التي قامت بعملها البلدية التابعة لكل قرية او بلدة، حتى لو كانت هذه المواسير قد تم إنشاءها من قبل الفعاليات المدنية ولم يتدخل النظام بها، حيث يفرض النظام على كل منزل مبلغ مالي مقابل هذه الخدمات التي لم يقم أصلا بالتدخل بها، كما أن الكثير من الأهالي لم تصل إليهم الماء أو الكهرباء من سنوات عن طريق مؤسسات النظام المباشرة إلا أنهم أرغموا على تسوية الفواتير ودفع مبالغ كبيرة جدا مقابل "صفر" خدمات.
سيئة أم جيدة؟
ومع ذلك تبقى هذه الحملات أو الفزعات حلا لتغيير واقع صعب للغاية على سكان المحافظة، فنسبة الفقراء كبيرة جدا ويحتاجون لمساندة من المغتربين خارج سوريا ودعم مستمر لهم في مجابهة المصائب المتتالية عليهم من كل صوب، ولكن هل هذه الخطوات التي بات تنتشر بشكل كبير سيئة أن جيدة؟.
طالب الكثير من النشطاء والفعاليات في درعا أن تكون الفزعات وجمع هذه الأموال موجهة فقط لدعم الأسر الفقيرة بشكل عام وأسر الشهداء بشكل خاص، وعدم القيام بأي مشاريع لإعادة الإعمار لأن هذه المشاريع لا بد أن تكون عن طريق النظام السوري فقط لأنه هو من عليه أن يتحمل تكلفة ما دمره، إلا ان المسؤولين عن هذه الفزعات لم يعطوا أي اهمية لهذه المطالبات وتوجهوا مباشرة الى دعم المشاريع الخدمية فقط، معتبرين أن هذه المشاريع في الأساس تدعم الفقراء.
كما رأى البعض أن المليارات التي جمعت في درعا ستعمل على توجه المنظمات والمؤسسات الإنسانية الى مدن وبلدات بعيدة عن درعا، على اعتبار أن المحافظة غنية وأهلها يتكفلون بعون بعضهم، وهذا الأمر غير صحيح خاصة أن غالبية الحوارنة لا يوجد لهم أي معيل خارج سوريا ويعيش معظمهم على المساعدات التي تقدمها المنظمات.
وفي النهاية من الصعب انتقاد مثل هذه الحملات أو رفضها بالمجمل، لإنها بالفعل تحل مشاكل كبيرة في المحافظة لا يريد النظام حلها أصلا، إلا أنها في ذات الوقت تفيده بشكل مباشر وغير مباشر، ويجب أن يكون القائمون على هذه الفزعات أكثر وعيا لما هو قادم، وأن يحاولوا قدر المستطاع ألا يستغل النظام هذه الحملات وأن تصب في مصلحة الفقراء فقط.