ليلة عصيبة عاشها اللاجئون.. اعتداء وتكسير لمحلات السوريين في قيصري التركية
شهدت مدينة قيصري وسط تركيا، منذ مساء يوم أمس الأحد، اضطرابات وتوتر، خلفت سلسلة تعديات على ممتلكات للاجئين سوريين، وصفت بأنها الحملة الأكبر التي تستهدفهم في المدينة، جاء ذلك على خلفية انتشار معلومات مغلوطة تتهم شاب سوري بالتحرش بطفلة تركية.
وقالت مصادر من المدينة، إن حملات شغب وتكسير وخلع وتعدي على السيارات والممتلكات الخاصة بالسوريين، شهدتها المدينة، مع انتشار مقطع مصور لشاب قيل إنه سوري يتحرش بطفلة تركية في أحد المرافق العامة، مما أثار غضب الأهالي.
وفور انتشار المقطع، انتشر مئات الشبان الأتراك في الشوارع، مطلقين شعارات تطالب بترحيل اللاجئين وطردهم، بالتزامن مع بدء تكسير المحلات التجارية والسيارات والممتلكات الخاصة للسوريين في عدة أحياء من المدينة، خلقت حالة ذعر وهلع للأهالي واللاجئين.
وأصدرت ولاية قيصري بياناً، أوضحت فيه أن الطفلة ليست من الجنسية التركية، وأن الشاب المتهم بالتهدي يعاني من اضطراب عقلي، وهو ابن عم الطفلة، وأن الحادثة وقعت في دورة مياه عامة بسوق السبت، لكن رغم البيان لم تتوقف أعمال الشغب والتكسر ضد السوريين في المدينة.
وجاء في ولاية قيصري، إنه "في 30 حزيران 2024، في منطقة دانشمنت غازي بولايتنا، أقدم شخص سوري على التحرش بطفلة سورية صغيرة. وجرى اعتقال المتهم من قبل وحدات الأمن لدينا، ووضعت الطفلة تحت الحماية من قبل الجهات المختصة".
وأضافت "نحن نتابع القضية بدقة، وندعو مواطنينا إلى التحلي بالهدوء وعدم الانخراط في أي تصرفات غير تلك التي تعلنها الجهات الرسمية. نشكر المواطنين على تفهمهم واحترامهم لهذه التعليمات".
وقال قائد شرطة قيصري، أتانور أيدين، في تسجيل مصور، لسكان الحي الذي شهد أعمال شغب: "أعدكم بأنه سيتم اتخاذ جميع الإجراءات ضد المتهم، بما في ذلك ترحيله هو عائلته"، وطالب السكان بعودة المواطنين إلى منازلهم، مضيفاً: "سنفعل ما هو ضروري".
على صعيد التصريحات، لم يغب الساسة العنصريون عن المشهد، حيث سجلت العديد من التصريحات العنصرية ضد اللاجئين، أبرزها تصريح رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان، الذي قال على منصة "إكس": "لقد أدى النضال الذي أخوضه منذ سنوات إلى نتائج في بولو. ومع ذلك الإرادة التي تحكم بلادنا لم تتوقف عن إرسال اللاجئين إلي".
وأضاف: "اتهموني بالعنصرية، اتهموني بالفاشية! لكن لفترة طويلة، لم يرغب أحد في رؤية أنني وطني أحاول منع مثل هذه الأحداث"، واعتبر "لا بد من مناقشة هذا الموضوع على الفور، الحكومة المخطئة والمعارضة الصامتة يجب أن تتحدثا عن هذا الموضوع بلا تأخير!".
أيضاً النائب عن حزب الشعب الجمهوري في قيصري، أشكين جينج، الذي حضر إلى موقع الحادث وقال: "أزمة الهجرة التي تتزايد يوماً بعد يوم هي نتيجة لسياسات الحكومة غير الاهتمامية وعدم إيجاد الحلول"، واعتبر أنه "يجب على تركيا وضع سياسة هجرة تهتم بالسلام الاجتماعي على الفور".
في السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي فاتح تيزجان: "يتم حرق جميع متاجر السوريين في قيصري. والسبب هو أن منحرفاً سورياً تحرش بطفلة سورية، لو ارتكب تركي هذا العار هل ستحرق جميع محال الأتراك؟".
من جهته، قال نائب رئيس الدعاية والإعلام في حزب العدالة والتنمية، إمره جميل آيفالي، "إن استهداف جميع اللاجئين السوريين والإشادة بأوميت أوزداغ على أساس حادث فردي هو أمر متهور".
وكانت شهدت ولايات الجنوب التركي أبرها "غازي عينتاب"، حملة تفتيش واسعة النطاق على منازل اللاجئين السوريين وأماكن عملهم في جنوبي تركيا، بالتزامن مع نشر "إدارة الهجرة" أكثر من 60 نقطة تفتيش في الأسواق ومحطات المواصلات.
وقالت مصادر إعلامية، إن قوى الشرطة والأمن التركية، أوقفت المئات من السوريين ونقلتهم إلى مراكز الترحيل في الولاية، تمهيداً لنقلهم إلى سوريا عبر المنافذ الحدودية، بينهم مقيدون بالرمز "V -160"، المتعلق بعدم تحديث عنوان السكن.
وتوقعت المصادر، استمرار حملات التفتيش، بالتزامن مع اجتمع وزير الداخلية التركي "علي يرلي كايا" مع رؤساء البلديات و الغرف التجارية والصناعية ومنظمات المجتمع المدني في ولاية غازي عنتاب لمناقشة قضايا الهجرة ومكافحة الهجرة غير الشرعية
وفي السياق، قال "أوزغور أوزال"، رئيس حزب "الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة التركية : "لا نريد أن يبقى اللاجئون في البلاد أو أن يصبح الوضع القائم الآن دائما لذلك سنأخذ زمام المبادرة لحل مشكلة اللاجئين السوريين".
وأضاف أوزال، في تصريحات له: "سنجتمع مع بشار الأسد وجها لوجه إذا لزم الأمر، ونعمل على ضمان عودة السوريين إلى بلادهم بأمان"، ولفت إلى أنه "يجب حل مشكلة اللاجئين لكن القيام بذلك بالكراهية ولغة الكراهية لا يناسب تركيا ولا حزبنا".
وكان أكد أوزال في وقت سابق على "ضرورة الحوار مع بشار الأسد وإيجاد سكن مناسب للسوريين" قائلا "تعرفون سياستنا بشأن الهجرة نحن ندعو إلى التفاوض مع سوريا والأسد وإلى السلام وإلى تدخل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وإلى توفير عمل وطعام وسكن للسوريين ليعودوا إلى بلادهم إلى مستقرات جذابة لا مجرد منازل من الطوب".
وقال البرلماني عن ولاية مرسين من حزب الحركة القومية (حليف العدالة والتنمية) ليفينت أويصال: "يوجد في مرسين نحو 300 ألف لاجئ، يعني لاجئ واحد من بين كل 7 أشخاص، سكان مرسين يعانون من عدم الاستقرار اجتماعيا واقتصاديا، ولا يشعرون بالأمان بوجود اللاجئين".
كذلك قال رئيس غرفة التجارة في ولاية غازي عنتاب "تونجاي يلدريم" حول اللاجئين في المدينة: إن "السوريون يشكلون إحدى المشاكل التي تواجهها المدينة، و نعلم جميعًا أنه لا يوجد إقامة مؤقتة لضيف تستمر لمدة 13 عامًا، ونشعر بشكل متزايد بالآثار السلبية لبنيتنا الاجتماعية والثقافية".
من جهته، قال رئيس حزب الرفاه من جديد "فاتح أربكان" حول اللاجئين في تركيا خلال لقاء تلفزيوني على قناة "هالك تي في"، إن "استضافتنا للاجئين زادت عن عشر سنوات وأنفقنا عليهم عشرات المليارات، كما أوفينا بواجب الأخوّة والضيافة والإنسانية تجاههم على أكمل وجه".
واعتبر أن "عودة اللاجئين إلى بلادهم الآن خير لهم ولنا، ضمن خطة واضحة لعودتهم بشكل تدريجي"، لافتاً إلى أن "الحزب الحاكم وعدنا قبل انتخابات 2023 بأن تبدأ عودة السوريين بشكل طوعي وآمن، لكنه لم ينفذ هذا الوعد".
وأضاف أربكان: "يجب على الحكومة أن تنفذ هذا الوعد وأن تفتح قنوات التواصل مع الدولة السورية، معتبراً أن الحرب في سوريا انتهت بنسبة كبيرة وبشار الأسد سيطر على أكثر من %70 من أراضي سوريا، وأن الحياة عادت لطبيعتها في سوريا ويجب أن يعودوا بما فيه خير لنا ولهم".
وعلق الصحفي التركي المقرب من المعارضة، فاتح ألطايلي: بأن "الحياة سهلة للغاية بالنسبة للسوريين هنا في تركيا. الصحة مجانية العلاج مجاني. يفتحون متاجرا دون إذن ولا يدفعون الضرائب و إذا اعترضت، تبدأ الشؤون الداخلية تحقيقًا ضد البلدية".
وسبق أن تحدث المحامي ولناشط الحقوقي السوري "طه الغازي"، عن وجود تحول واضح في موقف أحزاب المعارضة التركية، تجاه اللاجئين السوريين في تركيا، بعد نتائج الانتخابات البلدية التي حسمت لصالحها، والتي كشفت عن تراجع التصويت للتيارات اليمينية ذات الخطاب القومي، الذي يتبنى خطاب العنصرية.
وقال الغازي، إن هناك انقسامات داخل حزب "الشعب الجمهوري"، بين تياري كمال كليتشدار أوغلو، والرئيس الجديد للحزب أوزغور أوزيل، الذي يمثل تياراً يدافع عن قضايا حقوق الإنسان.
وأكد أن التغير في الخطاب ليس في أحزاب المعارضة، إنما في تيارات التحالف الحاكم، مرجعاً تغير الخطاب بسبب الحالة الاقتصادية السيئة، وتراجع السياح العرب الذي تم استهدافهم خلال الفترة الماضية، مؤكداً أن التغير في الخطاب هو رسائل تطمينية للسياح العرب.
ولفت الحقوقي إلى أن أوزيل يحاول كسب مكونات المجتمع التركي من أصول عربية، لإيجاد قاعدة شعبية له، معرباً عن أمله في أن يكون لهذا التغير تأثيرات إيجابية، والتخفيف من خطاب التحريض والكراهية والعنصرية ضد السوريين، وإيجاد بيئة قانونية يستطيع اللاجئ السوري المحافظة على حقوقه.
وسبق أن استنكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، محاولة بعض أحزاب المعارضة التركية استثمار ملف اللاجئين السوريين، تزامناً مع الانتخابات المحلية الشهر المقبل، وقال إن المعارضة التركية تثير ملف اللاجئين بشكل خاص، معتبراً أنها "محاولة عبثية".
وأوضح أردوغان في تصريحات للصحافيين خلال عودته من القاهرة، أن إثارة هذا الملف تحدث قبل الانتخابات المحلية المقبلة، كما حدث قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أيار الماضي، وأضاف: "المعارضة تثير قضية اللاجئين، لن ينتج ذلك خبزاً لأي أحد من هؤلاء".
وكان اعتبر رئيس حزب "النصر" المعارض أوميت أوزداغ، إقامة اللاجئين السوريين في تركيا طالت كثيراً، وأصبحت تشكِّل عبئاً وقسوة على المجتمع التركي، وأن تركيا ليست مدينة الملاهي للعالم، ووعد بتطبيق التعريفات السياحية على الأجانب واللاجئين في الولايات التي سيفوز بها، كما يكون ركوب الحافلة والمياه أكثر تكلفة.
وسبق أن نبّه "فخر الدين ألتون" رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، إلى ما أسماها "حملات خبيثة" تحتوي على معلومات مضللة عن اللاجئين في تركيا، الذين يشكل السوريون معظمهم، نشرتها مؤخراً وسائل إعلام، وذلك بالتوازي مع حملات عنصرية مستمرة منذ سنوات ضد اللاجئين.
وقال ألتون، إن "الحوادث التي تقع وتضر بالسلم الاجتماعي يتم تصوير مرتكبيها بأنهم أجانب، بالرغم من أنهم ليسوا كذلك"، مطالباً شركات وسائل التواصل الاجتماعي بأن تكون "أكثر حساسية" في مكافحة المعلومات المضللة، وشدد على أن بلاده سوف تواصل جهودها بحزم، للقضاء على هذه الظاهرة.
وكثيراً ما يستهدف اللاجئين السوريين حملات عنصرية على مواقع التواصل، تقودها أطراف معلومة في غالبية تلك الحملات، تعمل على تشويه صورة اللاجئين بشكل عام لاسيما العرب والسوريين، في ظل حملات اعتقال وترحيل ممنهجة ضد المهاجرين والمخالفين في تركيا طالت الآلاف من السوريين.
ومنذ أكثر من اثني عشر عاماً، يعيش الشعب السوري بكل أطيافه وفئاته، مرارة التهجير والملاحقة والاعتقال والموت بكل أصنافه، دفعت ملايين السوريين للخروج لاجئين من بلادهم بحثاً عن ملاذ آمن، يحميهم من الملاحقة والموت في غياهب السجون المظلمة، ليواجهوا معاناة أكبر في الوصول للحلم المنشود في الأمن والأمان الذي يفقدون.
كانت تركيا من أكثر الدول التي استقبلت اللاجئين، كما أنها كانت ولاتزال ممراً للطامحين في الخروج باتجاه الدول الأوروبية، ويعيش في تركيا ملايين السوريين منذ أكثر من عشرة أعوام، اندمج الكثير منهم في المجتمع وتحول اللاجئ من عبء لمنتج، وأثبت السوريين أنهم ليسوا عالة على أي مجتمع، متقدمين على أقرانهم الأتراك حتى في مجالات شتى.
ومع طول أمد اللجوء السوري، تشكلت نزعة عنصرية كبيرة في تركيا ضد اللاجئ السوري بشكل عام، قاد تلك الحملات قوى المعارضة التركية، مستخدمين ملف اللجوء السوري كورقة انتخابية، لتجييش الشارع التركي وإثارة النعرات العنصرية ضدهم، وبات اللاجئ السوري في مواجهة حتمية مع أبناء المجتمع المضيف، مع اختلاف النظرة من مدينة لأخرى وطريقة التعاطي مع تلك الحملات.
وطيلة السنوات الماضية، واجه اللاجئ السوري مزاجية القوانين التي تنظم وجوده في تركيا، فلم يعتبر لاجئاً يتمتع بحقوق اللاجئ وفق القوانين العالمية، وإنما وضع تحت بند ما يسمى "الحماية المؤقتة" في تركيا، فكان عرضة لتغير قوانين تلك الحماية وحتى تعارضها بين مؤسسة وأخرى أو موظف وآخر أو مرحلة سياسية وأخرى.