إقرار بالتعذيب وقتل شاب بتهمة باطلة ... ماذا عن آلاف المُعذبين في سجون "الجـ ـولاني"..؟
أثيرت من جديد قضية الشاب "أبو عبيدة الحكيم" التابع لـ "جيش الأحرار"، والذي قضى تحت التعذيب في سجون "هيئة تحرير الشام"، قبل إقرارها بالجريمة وتسليم جثته لذويه، لكن الجديد في القضية، هو إقرار الهيئة أمام لجنة قضائية ببراءة الشاب من التهم التي عُذب وقُتل بسببها، وقبولها دفع الدية لعائلته.
وجاء في بيان اللجنة القضائية التي شُكلت للنظر في قضية الشاب، طرفيها عائلته من جهة وجهاز الأمن العام التابع للهيئة من جهة ثانية، تبين "عدم صحة الإجراءات المتبعة في هذه الدعوى لدى التحقيق في جهاز الأمن العام، وهدر الاعترافات كونها انتزعت تحت الضغط والإكراه الملجئ، وبناء على أن الأصل براءة الضحية من التهم التي نسبت إليه.
وقالت اللجنة إنه "وبعد اكتمال التحقيقات والنظر في كافة البينات والقرائن وانتفاء العمد، وبعد عرض الصلح على الورثة، فقد تصالح الفريقان: يسلم الفريق الثاني دية مغلظة لورثة عبد القادر الحكيم مقدرة بالفضة بوزن قدره (٤٧,٦٠٠ (كغ سبعة وأربعون كيلو وستمائة غراماً من الفضة، تقدر قيمتها بالدولار الأمريكي عند التسليم، وتوزع بحسب قسمة الميراث الشرعية، ويتنازل الفريق الأول عن الدعوى المقدمة أمام اللجنة القضائية".
وبناء على ماسبق من قرار اللجنة القضائية، يتكشف للمتابع حجم المظالم التي يعانيها المعتقلون في سجون "هيئة تحرير الشام" وأساليب التعذيب التي تؤدي للموت، لانتزاع اعترافات باطلة ورمي تهم دون وجود طرف ثالث يحكم بها أو ينظر في آلاف القضايا التي راح ضحيتها معتقلون مظلومون، لايُعرف مصيرهم اليوم.
ولمرة جديدة، يتكشف الوجه الحقيقي لأجهزة "الجولاني" الأمنية، التي أمعنت في ممارسة التعذيب في السجون التي تشرف عليها في "حارم - الشيخ بحر - الزنبقي - باب الهوى - سرمدا - مدينة إدلب ... إلخ"، وسابقاتها التي اشتهرت بالمظالم والبطش أبرزها "العقاب" في جبل الزاوية، لم يتم التحقيق في أي لجنة قضائية مستقلة في آلاف القضايا التي غُيب مصير أصحابها، إذ لم يكن هناك فصيل عسكري يطالب بالتحقيق ويضغط لكشف ملابساتها كما حصل اليوم.
وفي 23 شباط المنصرم، أبلغت الهيئة عائلة الشاب "أبو عبيدة الحكيم" التابع لـ "جيش الأحرار"، وفاته خلال التحقيق معه خلال فترة اعتقاله، ووفق مصادر "شام" فإن الشاب سلم نفسه للهيئة قبل تسعة أشهر، بعد ورود اسمه في التحقيقات مع معتقلين من الهيئة في قضية ترتبط بالعمالة، وأن الشاب كان واثقاً من براءته لذلك سلم نفسه للتحقيق.
وسبق أن نشرت شبكة "شام" الإخبارية تقريراً بعنوان (روايات صادمة عن التعذيب في سجون "هيـ ـئة تحـ ـرير الشـ ـام" وهذه أبرز أشكالها)، تطرقت فيها عما كشفته الأحداث الأخيرة المتعلقة باعتقال المئات من كوادر "هيئة تحرير الشام"، بتهم العمالة بينهم قادة بارزون، ومن ثم الإفراج عنهم، لتكشف عن استمرار النهج لدى الذراع الأمني في الهيئة، في تطبيق شتى أنواع الممارسات في تعذيب المعتقلين، حتى عناصر الهيئة أنفسهم لم يسلموا منها.
وتحدث التقرير عن روايات متعددة وصلت لشبكة "شام" عبر عدد من المفرج عنهم من كوادر "هيئة تحرير الشام" في قضية العملاء، أكدوا تعرضهم للتعذيب والإهانة بأصناف شتى، من قبل أمنيين في غالبيتهم مجهولي الهوية، خلال فترة اعتقالهم، كما كشفت المقاطع التي روجت لاستقبال المفرج عنهم من قيادات عدة، عن تعرضهم للضرب والتعذيب، وهذا ما أقره أيضاً "أبو محمد الجولاني" وقال إن هناك أخطاء حصلت في التحقيقات.
ليس الضرب والشبح وحده، والاحتجاز في ظروف غير إنسانية فحسب، بل هناك أصناف عديدة مورست بحق المعتقلين من قيادات الهيئة وعناصرها منهم قادة كبار معروفين، وفق ماقال أحد المفرج عنهم لشبكة "شام"، متحدثاً عن ضرب وتعنيف بالكرباج والشبح والسلاسل، بالتوازي مع إهانات لفظية تطعن في الدين والأعراض، وتهدد بالقتل والتنكيل حتى الموت، أو الاعتراف.
وقال آخر، إنه احتجز في غرفة منفرد صغيرة لأسابيع، ومنع عنه الطعام والماء، حتى أنه منع من أداء الصلوات، وتعرض وفق قوله لأصناف عديدة من التعذيب، منها الترهيب والتهديد بأهله وعائلته، الشبح، التابوت، الدولاب، الصعق بالكهرباء، الماء البارد، وكثير من الأصناف التي تعرض لها لإجباره على الإدلاء بأسماء واعترافات أكد أنه لم يكن على دراية فيها.
وذكر الشاهد (مطالباً بعدم ذكر اسمه) بأنه رصد عمليات تعذيب يومية، وأصوات بكاء وصراخ في الزنازين المجاور، حتى أنه سمع أصوات أطفال صغار ونساء محتجزين في المعتقلات المظلمة التي أعدتها الهيئة ضمن الجبال، وقال إن قيادات بارزة من الهيئة تعرضت لشتى أنواع التعذيب لنزع الاعترافات منها بشكل إجباري.
وأظهرت الفيديوهات لعدد من المفرج عنهم من قيادات الهيئة خلال استقبالهم، عدم قدرتهم على التحرك والمشي، فيما ظهر عدد آخر أنهم في وضع صحي متعب، جراء ما تعرضوا له من تعذيب في السجون، وأكثر ما تحدث عنه الشهود، هو الإهانات اللفظية بالسب بالأعراض والدين والاتهام بالعمالة والخيانة العظمى، التي حللت ممارسة كل أصناف التعذيب بحقهم.
ولم تكن تلك الممارسات بجديدة، فسبق أن تحدث المئات من المعتقلين الذين كتب لهم النجاة من سجون "هيئة تحرير الشام"، عن أصناف عديدة من التعذيب والتنكيل بالمعتقلين في السجون، فيما قضى العشرات منهم، وأخفي مصيرهم وحتى جثثهم، في ظروف ليست إنسانية ولا قانونية، ولا تمد للدين حتى بصلة، في الوقت الذي تواصل فيه الهيئة إنكار التعذيب والادعاء بالمعاملة الحسنة وفق الشريعة، وهو الذي فضحها أمام عناصرها وقياداتها أنفسهم.
وفي تقرير حقوقي سابق، قالت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، إن الهيئة تمكنت من ابتكار أساليب تعذيب مميزة، وسجلت 22 أسلوب تعذيب، وقد يتعرض المحتجز غالباً لأزيد من أسلوب تعذيب واحد، وزعتها الشبكة إلى ثلاثة أصناف رئيسة وهي( 13 من أساليب التعذيب الجسدي - 8 أساليب تعذيب نفسي - أعمال السخرة).
وأشارت الشبكة إلى أن "هيئة تحرير الشام" تستخدم أساليب تعذيب متعددة ضمن مراكز الاحتجاز التابعة لها، مؤكدة أنها تشابهت إلى حدٍّ ما مع أساليب التعذيب التي يمارسها النظام في مراكز احتجازه، وأن هناك تشابهاً حتى ضمن استراتيجية التعذيب التي تهدف إلى إجبار المحتجز على الاعتراف، وتتم محاكمته بالتالي بناءً على اعترافات انتزعت منه تحت التعذيب.