بحضور ممثل "جمهورية الكبتاغون".. مؤتمر دولي حول مكافحة المخدرات في بغداد
عُقد في العاصمة العراقية بغداد في 22 تموز 2024، مؤتمر بغداد الدولي الثاني لمكافحة المخدرات، بمشاركة ممثلين عن عدد من الدول العربية، على رأسها سوريا، إضافة لضيوف الشرف متمثلين بالأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، ورئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، وممثلي مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC).
المفارقة العجيبة، هي حضور نظام الأسد، الذي يعتبر المصدر الأول للمخدرات في الشرق الأوسط، المؤتمر الدولي إلى جانب دول عربية متضررة من هذه الآفة، مع جهات أممية، وتحديد أهداف المؤتمر بتوحيد الجهود الإقليمية والدولية المشتركة لتعزيز الأمن الإقليمي والعالمي لمواجهة تحدي انتشار المخدرات والمؤثرات العقلية وتهريبها، في وقت يواصل نظام الأسد نفسه أغراق تلك الدول بشحنات المخدرات.
وأوصى المؤتمر الذي حضرته كلاً من (السعودية، الأردن، الكويت، إيران، تركيا، سوريا، لبنان، مصر)، في ختام بيانه، بتعزيز آليات العمل المشترك واعتماد مبدأ التكامل في العمل الأمني، لقطع طرق تهريب المخدرات ومنع زراعتها وتصنيعها بمختلف أشكالها ومتابعة العصابات التي تنشط في هذا المجال وتفكيكها والقضاء عليها.
وكان اعتبر "عبد الباسط عبد اللطيف" أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، أن مشاركة نظام الأسد في مؤتمر حول مكافحة المخدرات في العراق، هو استهزاء بشعوب العالم والمنطقة، وبالقيم والأعراف الدولية، معتبراً أنها عملية هدم لجميع القوانين التي بناها المجتمع الدولي طيلة العقود الماضية.
ولفت عبد اللطيف في تصريح صحفي إلى أن محاولات تدوير النظام البائسة، تأتي في إطار مستغرب وغير منطقي، مضيفاً أن دعوة النظام إلى المشاركة في مؤتمر حول مكافحة المخدرات، يجب أن يسبقها خطوات عديدة، وأولها إيقاف تصنيع المخدرات والتجارة بها وإرسالها إلى الدول المجاورة أو استخدامها كورقة ابتزاز.
وأوضح عبد اللطيف أن نظام الأسد وسع مشروعه التدميري في سورية، وصار على مستوى المنطقة ككل من خلال تجارة المخدرات، مشيراً إلى أن دول المنطقة تسعى لحل المشكلة بخطوات خاطئة وتفقد ثقة الشعوب بحكوماتها.
وجدد التأكيد على المطالبة بتشديد العقوبات على النظام وعدم السماح له بالمشاركة في هذه المؤتمرات احتراماً لشعوب المنطقة والعالم، داعياً إلى العمل على الدفع بالعملية السياسية المفضية للانتقال السياسي في البلاد وفق بيان جنيف والقرارين 2118 و 2254، كأساس لحل جميع الأزمات في سورية والمنطقة.
ومنذ سنوات مضت، وصف خبراء دوليون وإقليميون، سوريا بأنها باتت "دولة مخدرات" و"جمهورية الكبتاغون"، مع تزايد تجارة وتعاطي المخدرات بشكل واسع، وتحول سوريا لمصدر رئيس لتهريب المخدرات باتجاه باقي دول العالم، والتي تحاول حكومة الأسد إظهار نفسها بموقع المكافح لهذه الظاهرة التي انتشرت أيضاً بين المدنيين في عموم المناطق.
وكان نشر "مركز الحوار السوري" منتصف مارس (آذار) الماضي، ورقة حول تجارة المخدرات في سوريا، ذكر فيها أن سوريا عُرفت قبل عام 2011 بكونها معبراً لتجارة المخدرات القادمة من أفغانستان وإيران؛ وليس مستهلكاً، فقد نشطت شبكات التهريب التي أشرفت عليها شخصيات مقربة من النظام، وأُنشئت أيضاً ورشاتٌ لتصنيع المخدرات ظل إنتاجها محدوداً وموجهاً للاستهلاك المحلي.
ولفتت الورقة إلى أنه ومع انطلاق الثورة السورية منتصف مارس 2011، انخرط العديد من تجار المخدرات ومهربيها في عمليات قمع المتظاهرين، وأسسوا لاحقاً ميليشيات مسلحة شاركت في العمليات العسكرية لصالح النظام، وقد بدأ الحديث عن تزايد نشاط تجارة المخدرات منذ عام 2013؛ إذ أصبحت أحد مصادر تمويل العمليات العسكرية والميليشيات.
وبين المركز أن سوريا بدأت بتصدير "الكبتاغون" عام 2013، بالتزامن مع انكماش اقتصادها الرسمي بسبب الحرب والعقوبات الاقتصادية والفساد داخل النظام، وتحولت مصانع الكيمياويات في مدينتي حلب وحمص إلى مصانع لهذه الأقراص.
وأشارت دراسة صادرة عن "مركز التحليلات العملياتية والأبحاث" السوري المستقل، إلى أن حجم المواد المخدرة القادمة من سوريا والتي تمت مصادرتها بين 2013 - 2015، زاد بين 4 إلى 6 أضعاف مقارنة بما كانت عليه عام 2011.
وذكرت الورقة، أنه مع استعادة النظام معظم المناطق الخارجة عن سيطرته عام، 2018. انتقلت تجارة المخدرات إلى مرحلة جديدة، ارتفع معها حجم المخدرات المصادرة القادمة من سوريا في الأعوام بين 2018 - 2020 ما بين 6 - 12ضعفاً، مقارنة مع عام2011.
وتزايدت مراكز وورشات التصنيع المحلي للمخدرات بهدف التجارة، وازدادت أيضاً عمليات التهريب ونقل المخدرات القادمة من لبنان أو من إيران، وكذلك عدد الشحنات التي تم اعتراضها، وأصبح إخفاء الشحنات أكثر تطوراً من الناحية التقنية.
وفي تحقيق نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، استند إلى معلومات من مسؤولي إنفاذ القانون في 10 دول، وعشرات المقابلات مع خبراء دوليين وإقليميين وسوريين لديهم معرفة بتجارة المخدرات ومسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، ذكرت أن مختبرات "الكبتاغون" تنتشر بشكل أساسي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وفق شهادات سوريين يعيشون في هذه المناطق، أو في الأراضي التي يسيطر عليها «حزب الله» بالقرب من الحدود اللبنانية، أو خارج العاصمة دمشق وحول مدينة اللاذقية الساحلية.
كما ينخرط في هذه التجارة مجموعة رجال أعمال يتمتعون بصلات وثيقة بالنظام وحزب الله، وأعضاء آخرون من أسرة الأسد يحظون بحماية النظام في ممارسة الأنشطة غير المشروعة؛ وفق تحقيق لصحيفة "تايمز" البريطانية.
وقد استفادت هذه الشبكة من كل إمكانيات سوريا، سواء الإمكانيات البشرية، تحويل معامل الأدوية إلى ورشات للتصنيع، استخدام المرافق والمخازن والمرافئ المتصلة بممرات الشحن في البحر الأبيض المتوسط، وطرق تهريب برية إلى الأردن ولبنان والعراق خضعت لحماية أمنية من الدولة، على ما جاء في ورقة "مركز الحوار السوري".
وذكرت الورقة، أن مراكز تصنيع جديدة لـ"الكبتاغون" أقيمت في مصانع صغيرة مقامة في هنغارات حديدية أو في فيلات مهجورة، تخضع لحراسة أمنية من قبل جنود الجيش النظامي، تُصنع فيها الحبوب بآلات بسيطة، فيما وُضعت أمام منشآت أخرى لافتات تفيد بأنها مواقع عسكرية مغلقة؛ وفيها يتم إنتاج نوعين من حبوب "الكبتاغون".
فيما ذكر تحقيق نشرته المجلة الألمانية "دير شبيغل"، أن قيمة شحنات المخدرات المصنعة في سوريا، وصلت إلى 5.7 مليار دولار عام 2021 حسب بعض التقديرات. ولفتت ورقة "مركز الحوار السوري" ـ إلى أن "تجارة المخدرات وتصنيعها، جمعت الحلفاء (إيران ونظام الأسد و"حزب الله") على مصلحة واحدة، الهدف منها إيجاد مصادر تمويل جديدة تسمح بالتهرب من العقوبات، والوصول إلى أسواق جديدة، وإيجاد مصادر تمويل ذاتي للميليشيات، وتأمين قطع أجنبي".
وذكرت أنه ورغم أن المخدرات مُعدة للتصدير الخارجي؛ فإن النظام أغرق المجتمع السوري بمنتجاته ذات النوعية الرديئة، حيث لجأ الكثير من الناس لتعاطي المخدرات وسيلة للهروب من اليأس وحالة انسداد الأفق والإحساس بالعجز والوضع الاقتصادي المتردي.
وأشارت إلى أنه رغم كل ادعاءات حكومة النظام حول قيامها بمداهمات وإلقاء القبض على بعض المروجين، فإن هذه العمليات تطول صغار المروجين والمتورطين، فيما لم تقترب من الشخصيات والجهات التي تدير أو تحمي هذه التجارة.